عروة قنواتي
يقفز روبيرتو مانشيني مع جيل إيطاليا الجديد كرويًا هذه الأيام، من خلال مسابقة كأس الأمم الأوروبية “يورو 2020″، ومن خلال تدرّج الكرة الإيطالية في الإقصائيات حتى مربع الكبار الذي سيبدأ الثلاثاء المقبل، بالمواجهة المهمة مع الماتادور الإسباني، على بعد خطوة من النهائي وخطوتين من اللقب.
أتذكر قبل أشهر عندما كان الحديث يُفتح عن “اليورو”، كان العنوان الإيطالي يبرز بمبدأ أنه قابل للتطور ولكنه لم يصل إلى مستويات منتخبات القارة الأقوى بعد أن غاب لسنوات، ومن الطبيعي أن يظهر الأقوى بحسب ظروف الزمان والمكان والحدث التي قد تمتد لسنوات. جاءت المسابقة، وعبر الآزوري بوابة دور المجموعات بالعلامة الكاملة، فكيف عاد هؤلاء؟
قال البعض إن الكرة الإيطالية لها احترامها ومنتخبات المجموعة في الدور الأول من الطبيعة المتوسطة بكرة القدم، فليبحث مانشيني عن خصم جديد في الإقصائيات. قابل الطليان منتخب النمسا الذي كان عنيدًا للغاية، وعبروا حواجزه باتجاه دور الثمانية، فكيف عاد هؤلاء؟
هل يعجبكم منتخب بلجيكا؟ أليس روميلو لوكاكو ودي بروين وهازارد ومدربهم مريتنيز متربعين على عرش صدارة التصنيف الدولي؟ هل هذا هو الخصم الذي تطلبون؟ خاض مانشيني ومن معه ملحمة من نوع النهائي المبكر، خسر فيها جهود بعض اللاعبين للإصابة والتعب، وانتصر بالمتعة والإقناع والسيطرة وحلاوة التسجيل في شباك بلجيكا وبهدفين لهدف. الآن، كيف عاد هؤلاء؟
ما الذي يخيف عشاق كرة القدم من الاعتراف بآثار القفزة الإيطالية الجديدة، التي أذهلت النقاد والصحف ومواقع الكرة في العالم، يقول لك أحدهم “ما هذا، كيف يفعل مانشيني ما نراه حاليًا؟”، ويعود ليقول: “يجب علينا مشاهدة ايموبيلي ودونارونا وكيليني بمواجهة المنتخبات الأقوى”.
مع تسجيل انسيني الهدف الثاني في مرمى بلجيكا، وركض زملائه خلفه فرحًا بالنتيجة التي رسمت ملامح الحيرة على وجه مدرب بلجيكا ولوكاكو ودي بروين، اتصل زميلي وهو إيطالي الهوى ليقول: “شايف اللي عم يصير؟”، قلت له: “ستخرجون من المسابقة ومن المباراة”، رد بقوله: “هلأ منشوف”. زميل آخر وهو من عشاق المنتخب الألماني كتب لي: “أوبااااااااااا” على الهدف.
أنا من عشاق الطواحين الهولندية ولست من عشاق الكرة الإيطالية، إلا أنني أردت القول إني أتعامل مع خروج وبقاء إيطاليا في المسابقة على أنها منافس حقيقي، ولا أنتظر منها أن تلعب أمام البرازيل أو سان مارينو حتى يتم الرضا عن أداء مانشيني. لا أنتظر منها اختبارات مع منتخبات ورحمة ورأفة بمنتخبات أخرى، أستمتع بالأداء وأبتسم لأهداف من العيار الثقيل ولصراخ الفرحة في التسجيل كما شاهدتها سابقًا بملامح كريستيان فييري وهو يسجل في مونديال 2002، كما شاهدتها بالمخضرم دل بييرو وهو يسجل الهدف الثاني بشباك ألمانيا في 2006، كما وعيت لها وأنا صغير بإصرار روبيرتو باجيو وهو يعيد إيطاليا، ويؤكد منافستها بإقصاء نيجيريا وإسبانيا في مونديال 94. أحببتهم في كل تلك الصور.
أتمنى أن يخرجوا مهزومين من لقاء هولندا مستقبلًا، ولكنهم خصم محترم واسم مهم سيعزز خزائن الآزوري بالألقاب والنجوم المضيئة على صدور الأجيال القديمة والحالية.
ومع الإيمان الكامل بأن إطلاق الأحكام المسبقة والافتراضية لا يتوقف، فلو لامس الطليان كأس المسابقة في هذه النسخة، فعبارة تعالوا إلى المونديال جاهزة. ما يُطلب من الطليان لا يقال لمنتخب البرتغال بوجود الدون رونالدو، ولا لمنتخب الأرجنتين بوجود البرغوث ليونيل ميسي، والكثير من المنتخبات والنجوم الذين يعد أي إنجاز لهم إنجازًا حقيقيًا أينما كان وكيفما اتفق، وهو إنجاز بالتأكيد ولكن ضمن المنطق.
ولذا علينا كسر هذه الأحكام والاعتراف بالإنجاز وبالجمال والتألق والتطور لهولندا كما لإيطاليا، للبرازيل كما للأرجنتين، لإسبانيا كما لألمانيا.
لا تنتظروا شيئًا أكثر من إيطاليا ومن مانشيني، قد لا يحصل على اللقب وهذا متوقع، وقد يحصل عليه بعد غياب طويل ويسجل باسم المدرسة الشهيرة التي تلاطمت أمواج الكرة بها فزادتها عنادًا وجرأة بعد الألم، وجعلتنا نسأل جميًعا: كيف عاد هؤلاء؟
الطليان قدموا هويتهم للمنافسات الحالية ولمونديال قطر 2022 ولمسافة سنوات مقبلة مع هذا الجيل، عليك ألا تنتطر ما ستقدمه إيطاليا، عليك أن تحسب حسابها مجددًا، فالوقت يمضي. عاد الطليان يا عزيزي!