عنب بلدي – درعا
“كأنني في فرع تحقيق، لم يبقَ أحد من أقاربي لم يسألني عنه المساعد، كل هذا لأني أريد شراء قطعة أرض وتثبيتها بالسجل العقاري على اسمي”.
هذا ما قاله عبد الرحمن، البالغ من العمر 52 عامًا لعنب بلدي، عن استجواب فرع “الأمن السياسي” له ثلاث مرات خلال الفترة الماضية، وفي كل مرة كان مساعد الأمن يسأله عن تفاصيل حياته وتفاصيل حياة أقاربه، الذين صار بعضهم في عداد الموتى والمفقودين، وبعضهم هاجر من البلدة الصغيرة مزيريب، في ريف درعا الشرقي، إلى بلدان أوروبية وغربية.
تتدخل الأفرع الأمنية في أدق التفاصيل الحياتية لسكان محافظة درعا، جنوبي سوريا، ولم تُستثنَ حركة نقل الملكيات الخاصة من الدراسة الأمنية التي تحسم مصيرها سواء للبائع أو المشتري، يترافق ذلك مع استجوابهم أمنيًا لمرات عديدة، ورفض الإجراءات في حال كان المالك أو المشتري عليه إشكالات أمنية حتى لو استوفى الشروط القانونية كافة فيما يخص عقد نقل الملكية.
الموافقة الأمنية شرط للتسجيل العقاري
بعد الانتهاء من الإجراءات القانونية أصولًا في نقل الملكية، تبدأ مرحلة الدراسة الأمنية، التي من الممكن أن تأتي مع الموافقة أو عدمها.
ومن الإجراءات المتبعة رفع طلب موافقة أمنية مرفق بقيد عقاري، وقيد مدني، يحال إلى الدراسة الأمنية، ليبدأ بعدها السؤال الأمني من قبل فرع “الأمن السياسي”، وفرع “الأمن العسكري”، وتمتد الدراسة من ثلاثة إلى أربعة أشهر، لتنتهي إما بالموافقة وإما بعدمها، وفق ما قاله علي (33 عامًا)، وهو أحد سكان مدينة درعا الذين عاشوا تجربة المراجعات الأمنية لنقل ملكية عقار.
والسؤال الأمني يكون في كل المرات دون حدود، وفق ما أضافه علي لعنب بلدي (الذي تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية)، يمتد هذا الاستجواب للسؤال عن الأصول والفروع في عائلة مقدم طلب تسجيل العقار.
وفي عام 2015، أصدرت حكومة النظام السوري في قرارها رقم “4554” تعميمًا إلى وزارة الإدارة المحلية، يقضي بإضافة البيوع العقارية وعمليات إيجار وفراغ المنازل والمحال إلى القضايا التي تستوجب الحصول على موافقة أمنية مسبقة من الجهات المختصة.
هذا الأمر أضاف أعباء على المواطنين، وحدّ من حريتهم في التصرف بأملاكهم، وقد صارت الموافقة الأمنية مطلوبة في معظم مناحي حياة المواطنين الخاصة منها والعامة.
إجراء قديم في درعا
على الرغم من تعميم الموافقة الأمنية في سوريا لنقل الملكيات العقارية عام 2015، فإن هذا الإجراء بدأ في محافظة درعا منذ عام 2006، بضرورة الموافقة الأمنية على البيوع العقارية في المناطق التي تقع ضمن مسافة 13 كيلومترًا من الحدود السورية- الأردنية، حسبما قال محامٍ يقيم في درعا لعنب بلدي (طلب عدم نشر اسمه لأسباب أمنية).
وبعد اندلاع الاحتجاجات في سوريا عام 2011، شملت الموافقة الأمنية كل مناطق المحافظة الجنوبية كشرط أساسي لأي عملية بيع عقار، وفق ما أوضحه المحامي، سواء كان العقار داخل المخطط التنظيمي أو ضمن المناطق الزراعية.
هذا التدقيق والتخوّف من الملاحقة الأمنية، دفع بكثيرين إلى عدم نقل ملكياتهم المباعة بعقود بين الطرفين.
الحجز على أملاك الناشطين
رغم مرور ثلاث سنوات على اتفاق “التسوية”، التي انتهت بسيطرة قوات النظام السوري على محافظتي درعا والقنيطرة، ما زالت أملاك الناشطين، الذين كانوا في صفوف المعارضة السورية، محجوزة لمصلحة محكمة “الإرهاب”، ولا يقتصر الحجز على أملاك الناشط إنما يشمل زوجته وأبناءه.
نص قانون “مكافحة الإرهاب” رقم “19” لعام 2012، في المادة “12” منه على أنه “في جميع الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، تحكم المحكمة بحكم الإدانة بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة وعائداتها والأشياء التي استُخدمت أو كانت معدة لاستخدامها في ارتكاب الجريمة، وتحكم بحل المنظمة الإرهابية في حال وجودها”.
وتستغل محكمة “الإرهاب” الأحكام الفضفاضة لقانون “مكافحة الإرهاب”، لإدانة ناشطين سلميين بتهمة مساعدة “الإرهابيين” في محاكمات تنتهك الحقوق الأساسية في الإجراءات القضائية السليمة، وفق تقرير صادر عن منظمة “هيومن رايتش ووتش”.