العجز يجبر النظام السوري على إدارة المواد المدعومة بثلاث طرق
عنب بلدي – زينب مصري
تناور حكومة النظام السوري بين زيادة الأسعار ورفع الدعم وتخفيض عدد الحصص في التعامل مع المواد المدعومة التي تبيعها للمواطنين في مناطق سيطرتها بسعر أقل من سعر السوق، في محاولة للسيطرة على تردي الأوضاع المعيشية الناتجة عن فشلها بإدارة الأزمة الاقتصادية في سوريا.
ومقابل مطالباتهم بزيادة مرتباتهم الشهرية وضبط ارتفاعات الأسعار في الأسواق، ينال مواطنون زيادة في أسعار المواد المدعومة أو تخفيضًا، بشكل ضمني ودون إعلان مباشر، لحصص من مواد يحصلون عليها، ما يزيد الأعباء المالية عليهم ويتركهم في حيرة أمام طرق تأمين الدخل لتغطية تكاليف المعيشة.
تمهيد ثم رفع للأسعار
مؤخرًا، رفعت “المؤسسة السورية للتجارة” سعر الكيلوغرام الواحد من مادة السكر إلى 1000 ليرة سورية بعد أن كان سعره 500 ليرة، كما رفعت سعر كيلوغرام الأرز إلى 1000 بعد أن كان 600 ليرة، على أن يبدأ توزيع المادتين بالسعر الجديد اعتبارًا من الأحد 4 من تموز.
وقبل ثلاثة أيام من الإعلان عن التسعيرة الجديدة، مهّدت صحيفة “الوطن” المحلية لهذه الزيادة في الأسعار، مبررة ذلك بانعكاس “غليان الأسواق العالمية” على الكميات المتاحة من المواد الغذائية، وعجز الحكومة عن تمويل المواد المدعومة.
وأوضحت الصحيفة أن المؤسسة تعاني من صعوبات واضحة في تأمين المواد المدعومة لما يكفي مخصصات المستحقين، كما تعاني من عجز إضافي بسبب عدم استقرار بورصات الأسعار العالمية للمواد الغذائية، إلى جانب ارتفاع تكاليف تأمين هذه المواد عالميًا، وزيادة أجور الشحن والتغليف، ما يهدد إمكانية استمرارها في “التدخل الإيجابي” لدعم طبقة محدودي الدخل و”التدخل الإيجابي” في الأسواق.
وبعد رفع سعر السكر والأرز، نقلت الصحيفة، في 28 من حزيران الماضي، عن مدير الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، علي ونوس، حديثه عن دراسة تجري في وزارة النفط التابعة لحكومة النظام لرفع أسعار الغاز والمازوت، معتبرًا أن الأمر ليس سرًا، وهي أرقام تُدرس وتُحسب وبناء على ذلك يُتخذ القرار، بحسب قوله.
أزمة تمويل تقيّد النظام
الدكتور السوري في الاقتصاد والباحث في معهد “الشرق الأوسط” بواشنطن كرم شعار، أوضح في حديث إلى عنب بلدي، أن انخفاض الدعم واضح مقارنة بدخل الأفراد في مناطق سيطرة النظام، لكن رفع الأسعار “غير حقيقي” لأنه يتم بالليرة السورية، وحكومة النظام تموّل هذه المواد المستوردة بالدولار الأمريكي، ولذلك تُجبَر على رفع الأسعار بسبب ارتفاع تكلفة الاستيراد عليها.
وقال إن الإنفاق خلال العام الحالي بمعظمه غير استثماري (إنفاق جارٍ)، فحكومة النظام في وضع مالي صعب، وغير قادرة على دعم استيراد السلع بنفس الوضع السابق، ومقدرتها على الإنفاق منخفضة جدًا، لكنها في المقابل تحاول التركيز على الإنفاق على السلع المدعومة على حساب الاستثمار الذي توقف تقريبًا.
وأضاف الباحث أن الإنفاق على الفرد الواحد للعام الحالي هو الأقل على الإطلاق، ويبلغ 227 دولارًا أمريكيًا مقارنة بـ735 دولارًا لعام 2010، وهذا يوضح تمامًا أن حكومة النظام تعرف مسبقًا أنها لن تستطيع إنفاق مبالغ كإنفاقها السابق على الفرد الواحد، بحسب شعار.
وكان النظام حدد الاعتمادات المرصودة للرواتب والأجور والتعويضات بمبلغ 1018 مليار ليرة سورية، واعتمادات الدعم الاجتماعي بمبلغ قدره 3500 مليار ليرة، والصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية بمبلغ 50 مليار ليرة، في الموازنة العامة لسوريا لعام 2021، التي أقرها مجلس الشعب بمبلغ 8500 مليار ليرة سورية، واعتمدها رئيس النظام، بشار الأسد، في كانون الأول 2020.
وذكرت دراسة بعنوان “موازنة 2021 تكشف عمق مشكلات سوريا الاقتصادية” صادرة عن مؤسسة “المجلس الأطلسي” البحثية، في 1 من كانون الأول 2020، للباحثين كرم شعار ووليام كريستو، أن حكومة النظام ستنفق على المواطنين في مناطق سيطرتها في عام 2021 أقل بثلاث مرات مما أنفقته في عام 2010، مع الأخد بعين الاعتبار أن حوالي نصف عدد الأشخاص فقط يقيمون تحت سيطرتها في 2020، مقارنة بعام 2010.
وقالت الدراسة، إن الانخفاض المستمر في إنفاق الميزانية يعكس تقلص قاعدة الإيرادات التي يمكن لحكومة النظام أن تستفيد منها، ففي العام 2021، انخفض إجمالي الإيرادات بنسبة 83% عن ميزانية ما قبل الحرب لعام 2010، وقد تغير تكوين إجمالي الإيرادات أيضًا.
وأضافت أن “الإنفاق الجاري” سيخدم بشكل أساسي برامج الدعم الاجتماعي، مثل دعم الوقود والغذاء وأجور موظفي القطاع العام، الذين يشكّلون حوالي ثلث القوة العاملة.
وكانت حكومة النظام وافقت، في 29 من حزيران الماضي، على منح “السورية للتجارة” سلفة مالية مقدارها 43 مليار ليرة سورية لتأمين مادة الأرز لتوزيعها عبر البطاقة الإلكترونية، بحسب ما نقلته صحيفة “الوطن“.
تخفيض مخصصات
بعد وعود سابقة، تتوجه وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لتطبيق آلية جديدة في توزيع مادة الخبزعبر “البطاقة الذكية”، اعتبارًا من 12 من تموز الحالي، ضمن اللاذقية وطرطوس وحماة، على أن تمتد هذه الآلية لتشمل محافظات دمشق وريفها ودرعا والقنيطرة والسويداء.
وتعتمد الآلية على مبدأ “التوطين”، أي أن كل نقطة معيّنة لبيع مادة الخبز سترتبط بها مجموعة من المواطنين، سيحصلون على مخصصاتهم اليومية من خلالها في أي وقت يختارونه.
ويكون للمواطن حق اختيار النقطة الأفضل بالنسبة له عبر التطبيق، لتكون النقطة الواحدة ملزَمة بالحفاظ على مخصصات المواطنين المسجلين لديها باستمرار، وسيُمنع بيع الخبز لأشخاص غير مسجلين على النقطة، بحسب حديث سابق لمعاون الوزير، رفعت سليمان، في نيسان الماضي.
وتقرر منح كل فرد مسجل في البطاقة عشر ربطات خبز، يمكنه الحصول عليها على مدار أربعة أسابيع، ما يعني أن مخصصات الفرد الواحد خُفضت بمقدار النصف تقريبًا، دون الإعلان عن ذلك بشكل صريح.
وفي آذار الماضي، خفضت حكومة النظام مخصصات السيارات الخاصة من البنزين المدعوم عبر تطبيق “وين” الخاص بخدمات “البطاقة الذكية”، لتصبح 75 ليترًا بدلًا من 100 ليتر في الشهر لكل سيارة.
وسبق أن خفضت الحكومة مخصصات مازوت التدفئة من 100 إلى 60 ليترًا، في 19 من كانون الثاني 2020، دون إعلان رسمي أيضًا.
إزالة مواد مدعومة
مطلع شباط الماضي، أضافت وزارة التجارة الداخلية مادة الشاي لتُباع عبر “البطاقة الذكية”، معبأة بعبوات 400 غرام، و600 غرام، وألف غرام، وحددت سعر الكيلو الواحد بـ12 ألف ليرة سورية.
وبحسب القرار حينها، تحصل الأسرة المكونة من ثلاثة أشخاص على 400 غرام من الشاي، بينما تستطيع الأسرة المكوّنة من أربعة أو خمسة أشخاص الحصول على 600 غرام، أما الأسرة التي يزيد عدد أفرادها على خمسة، فيمكنها الحصول على ألف غرام (كيلو) من الشاي، وذلك لمرّة كل شهرين.
لكن هذه الإضافة لم تستمر سوى ثلاثة أشهر، إذ أُزيل الشاي من المواد الموزعة عبر “البطاقة الذكية”، بسبب تأخر وصول التوريدات من المادة، بحسب تبريرات مدير عام “المؤسسة السورية للتجارة”، أحمد نجم، في 2 من أيار الماضي.
وبطريقة مشابهة، توقف توزيع الزيت المدعوم نهاية نيسان الماضي، بسبب صعوبات في تأمين المادة لارتفاع الأسعار وتوقف المورد عن التزويد بها، وفق تبريرات نجم.
ما “البطاقة الذكية”؟ توفر “البطاقة الذكية” آلية لبيع المحروقات والمواد الغذائية الأساسية والخبز على العائلات السورية، بالسعر المدعوم، وبمخصصات محددة حسب أفراد العائلة.وتنفذ شركة “تكامل” مشروع “البطاقة الذكية”، وتعود ملكيتها لمهند الدباغ، ابن خالة أسماء الأسد، بحصة 30٪، بينما يملك الحصة الكبرى فيها شقيق أسماء، فراس الأخرس. وتتقاضى الشركة مبالغ على كل عملية توزيع عبر “البطاقة الذكية”، وخمس ليرات عن كل ربطة خبز، بالإضافة إلى 25 ليرة عن كل مادة تموينية يتم توزيعها على “البطاقة” في صالات “السورية للتجارة”. |
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :