“اغتصاب كان وأخواتها”.. نصوص متلبسة بالجريمة الكاملة
“اغتصاب كان وأخواتها” هي مساحة إضافية تحدث فيها الكاتب السوري محمد الماغوط عن آرائه ومشاعره تجاه القضايا القائمة على زمنه حينها، مرارتها وقسوتها، من خلال حوارات أعدها الروائي خليل صويلح عام 2002.
أفكار الماغوط المعارضة لقمع الأنظمة العربية معروفة لمن قرأ كتاباته وشاهد مسرحياته، لذلك فمحتوى الحوارات كان أغلبها “جريمة كاملة” بالنسبة لمستوى الحريات المنخفض في سوريا، ومستوى الرقابة التي لا سقف لها إلا السماء.
وعلى الرغم من رفض الماغوط إجراء مقابلات صحفية، بسبب عدم تقبله “الاستجواب” من أي شخص، على حد تعبيره، فإن الروائي أصر على إجراء أول الحوارات معه في التسعينيات، ولو كان ذلك بالسر، داخل منزل الماغوط، عن طريق حمل آلة تسجيل مخفية.
وكلما كان الماغوط ينهض لإحضار شيء ما من المطبخ، كان الروائي صويلح يطمئن على وضع آلة التسجيل، وتبديل وضع الشريط، وفي آخر الحوار اعترف صويلح أن الحوار كان مسجلًا، فصادر الماغوط شريط الكاسيت ورفض إعادته وقال، “ستسمعه ابنتي شام، وإذا وافقت على محتوياته سأعيده”.
ولكن لم يستعد صويلح شريط الكاسيت أبدًا، وبذلك فإن مصداقية ما قاله الماغوط في الحوار كانت معتمدة على ذاكرة صويلح.
اُعتقل الماغوط في الخمسينيات داخل سجن “المزة”، حين كان عضوًا في “الحزب السوري القومي”، ولكن تجربة الاعتقال لم تمنعه من سرد أفكاره بكل جدية وصراحة بعد ذلك، بانتقاد شخصيات أدبية وسياسية ذُكرت ضمن الحوار مع الروائي صويلح، لأن الثمن الذي دفعه الماغوط في السجن لا يمكن استرجاعه.
ففي سوريا، “ستُسجن وتُهان وتُعذب بسبب فكرة، هذا ما جعلني أشعر أن شيئًا تحطم في أعماقي غير الأضلاع، شيء أهم من العظام، لا يمكن ترميمه على الإطلاق، إذ لو أنني استعملت عكازًا لكل عضو محطم في أعماقي لاحتجت إلى منجرة قرب بيتي”.
لم ينتسب الماغوط إلى “الحزب السوري القومي” عن قناعة تُذكَر، لكن حين كان شابًا، كان يحتاج إلى الانتماء لشيء ما، وهذا الشعور بالانتماء لحزب سياسي معيّن، كان يشبه التقليد الاجتماعي، لم يحضر للحزب أي اجتماع، ولم يقم بأي نشاط لمصلحته على الإطلاق، وفق ما قاله في حواراته، لكنه سُجن بسببه أكثر من مرة.
تشكّل هذه الحوارات حصيلة أرشيف شخصي للماغوط، على الرغم مما طرأ عليها من إعادة صياغة، لكنها ترسم بورتريه لكاتب وشاعر لم يتوقف عن الاحتجاج بطابع ساخر ضد واقعه البائس الذي فُرض عليه.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :