منصور العمري
في 1 من حزيران/ يونيو الماضي، قدم 23 أكاديميًا ألمانيًا ودوليًا ومؤسسات أكاديمية ومنظمات حقوقية دولية وسورية طلبًا إلى محكمة “كوبلنز” بتسجيل المرحلة الأخيرة من جلسات الاستماع الرئيسة لمحاكمة التعذيب، مثل المرافعات، والكلمة الأخيرة المحتملة للمتهم، وإعلان الحكم. ستنظر المحكمة في الطلب وتتخذ قرارها بشأنه بالسلب أو الإيجاب.
رغم أهمية هذا الطلب، فإنه أتى متأخرًا، لعدم توثيق المحاكمة بأكملها بشكل رسمي. تبذل عدة جهات جهودًا كبيرة لتوثيق المحاكمة، من أهمها “المركز السوري للعدالة والمساءلة“، رغم ذلك، يحظى التوثيق الرسمي من قبل المحكمة بأهمية إضافية كبيرة.
على مدى سنوات، بشغف وأمل، قرأ السوريون ودرسوا تجارب الدول الأخرى في مجال العدالة، وكيف وصلوا إلى العدالة بعد سنوات وحتى عقود، كانت النتيجة دائمًا ثمرة المرونة والشجاعة والتصميم. كل هذا ألهم السوريين الذين يناضلون من أجل العدالة منذ سنوات.
في 24 من شباط/ فبراير الماضي، ذاق السوريون طعم العدالة بشكل مباشر، عندما حكمت محكمة “كوبلنز” في ألمانيا على عنصر المخابرات السوري السابق إياد الغريب بالسجن أربع سنوات وستة أشهر. ما يضيف لهذه المحاكمة طابعًا فريدًا، أنه من النادر أن تتم محاسبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية على مستوى الدولة بينما لا يزال نظامهم في السلطة، وما زال يرتكب نفس الجرائم التي أُدينوا بها. رغم أن هذه العقوبة ضد إياد الغريب لم تكن مقنعة لبعض الضحايا السوريين، فإن محاكمة “كوبلنز” لها أهمية كبيرة، حيث بدأ أحد أكثر أنظمة العدالة عدلًا في العالم محاكمة جرائم التعذيب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها نظام الأسد.
لسوء الحظ، لم توثق المحكمة هذه المحاكمة بشكل رسمي وكامل، ما حرم السوريين من أرشيف رسمي للمحاكمة الأولى بشأن تعذيب الدولة السورية لشعبها، لكن الإجراءات لم تنتهِ بعد. “أنور ر.” قائد الغريب ما زال قيد المحاكمة.
المحاكمات في ألمانيا لا يتم تسجيلها أو توثيقها بالكامل ما لم تعتبر ذات مصلحة وطنية. مع ذلك، فإن التوثيق الحرفي لهذه المحاكمة سيكون ذا قيمة عالية في أي عملية عدالة انتقالية للسوريين، لفهم ومعالجة آلة إبادة الدولة الخاصة بهم وعملية تفصيلها. ليس أقلها، حتى يتمكن السوريون من ضمان عدم تكرار ذلك أبدًا.
قد يكون التوثيق الرسمي مفيدًا أيضًا في الإجراءات القانونية بالمحاكم المحلية في سوريا بمجرد انتهاء الحرب، أو بالمحاكم الدولية أو المختلطة في المستقبل. علاوة على ذلك، هناك عديد من الحالات المماثلة الجارية الآن في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى وفي ألمانيا نفسها. تعد قراءة سجلات المحاكمات السابقة وفهم سوابق الأحكام أمرًا حيويًا للأنظمة القانونية.
لا يوجد أرشيف حرفي لكل ما يدور في المحكمة، وهي فرصة ثمينة ضائعة. أرشيف من هذا النوع سيكون ذا قيمة عالية في أي عملية انتقالية بالنسبة للسوريين لفهم ومعالجة آلة إبادة الدولة. يمكن أيضًا الاستفادة من هذه الوثائق الرسمية في الإجراءات القانونية بالمحاكم المحلية في سوريا بمجرد انتهاء الحرب، أو في المحاكم الدولية المستقبلية. مثل هذا الأرشيف له قيمة أكاديمية عالية ليس فقط بالنسبة للسوريين ولكن للدول الأخرى، لأنه يوفر مصدرًا فريدًا للمعلومات للعلماء والمؤرخين والباحثين الآخرين في ممارسات إبادة الدولة. هناك عديد من القضايا المماثلة الجارية الآن في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى وفي ألمانيا نفسها.
تعد قراءة سجلات المحاكمات السابقة وفهم السابقات القضائية أمرًا حيويًا للأنظمة القانونية، وتتمتع هذه المحفوظات بقيمة أكاديمية عالية ليس فقط بالنسبة للسوريين، ولكن للأمم الأخرى، لأنها توفر مصدرًا فريدًا للمعلومات للعلماء والمؤرخين والباحثين من بين آخرين.
من بين المتقدمين بطلب تسجيل المحاكمة، البروفيسور الدكتور فلوريان يسبرغر، رئيس قسم القانون الجنائي والتاريخ القانوني المعاصر بجامعة “هومبولت” في برلين، و”منتدى التاريخ القضائي”، ومنصور العمري ماجستير قانون في العدالة الانتقالية، و”المركز السوري للعدالة والمساءلة”، و”المركز الدولي للبحث وتوثيق محاكمات جرائم الحرب”، و”المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان”، والسفير ستيفن راب، و”مركز القانون والأخلاق والنزاع المسلح في جامعة أكسفورد”، و”رابطة عائلات قيصر”، و”هيومن رايتس ووتش”، و”الأرشيف السوري”، و”المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية”، ومعهد “التحرير لسياسات الشرق الأوسط”، وألكسندرا كيميرر، ومعهد “ماكس بلانك للقانون العام المقارن والقانون الدولي”، و”البرنامج السوري للتطوير القانوني”.