إبراهيم العلوش
بقميص مفتوح وبلغة رسولية مخلوطة بتعابير زعيم مافيا مفلس، خرج رامي مخلوف على منصات الإعلام قبل عدة أيام بفيديو انتحاري قارب إدانة الإيرانيين وإدانة شركائه السابقين من زعماء الحرب الذين يحاصرونه.
في الفيديو شبّه رامي مخلوف نفسه بالنبي موسى وهو يتوعد بشق البحر، ولكن من دون أخيه، فالنبي موسى عليه السلام كان يصطحب أخاه هارون، بينما حافظ مخلوف، الذي ارتكب جرائم التعذيب بحق السوريين، سبق رامي واشترى مع عائلته عشرات الشقق في أبراج موسكو واستقر هناك ينتظر أن تعتبره روسيا قطعة احتياطية بالتغييرات المحتملة في النظام، ولكنه لا يزال منسيًّا ووحيدًا مثل دولاب سيارة “اللاندروفر” الاحتياطي الذي يظل معلقًا على بابها الخلفي يعاني الإهمال وكثرة الغبار.
لا تختلف نهايات رامي مخلوف عن بداياته، فمثلما نهب هو شركة “سيريتل” عام 2000، وتلاعب بالقانون وحجز على حصة شريكه المصري نجيب ساويروس عن طريق المحاكم، التي وكّلت أنصاره على إدارتها وتسهيل نهبها ليتملك أول وأكبر شركة اتصالات تدرّ المليارات كما قدّر ذلك حينها النائب رياض سيف، قامت نفس المحاكم بالحجز على “سيريتل” وإدارتها من قبل أثرياء الحرب وبإشراف أسماء وماهر الأسد، لتسهيل إنشاء شركة اتصالات إيرانية في سوريا تعيد لإيران بعضًا من تكاليف قتلها للسوريين وتعذيبهم وتهجيرهم وتدمير مدنهم.
الفرق بين رامي مخلوق وبين ناهبيه من الأثرياء الجدد أنه وعلى عكسهم لم يخض حربًا عندما استولى على “سيريتل”، بل كان ثريًا في زمن السلم وبرعاية عائلة الأسد وعائلة مخلوف، اللتين نهبتا موارد السوريين وحولتاها إلى شركات اتصالات وشركات قابضة تصب في جيوبهم وتموّل التخريب الاقتصادي والسياسي، الذي تحوّل بعد 2011 إلى تخريب وطني شامل سلّم البلاد للإيرانيين وللروس ولمختلف الجيوش والعصابات الغازية.
لقد أُجبر السوريون على مشاهدة مسرحية إنشاء “سيريتل” في عام 2000، ولم يجرؤ المجتمع السوري على منع ذلك النهب العلني، بسبب سطوة المخابرات التي صممها الأسد الأب لتسهيل النهب والتحكم بمستقبل البلاد حتى ولو تطلّب الأمر إيصالها إلى سوق الخردة الدولية.
رامي مخلوف الذي خرج عن لغته التبشيرية المتعالية في فيديوهاته السابقة، بلغ به الانفعال في ظهوره الأخير التلويح بالمعجزة الرسولية التي قام بها النبي موسى، واتهام الإيرانيين علنًا بالمساعدة على تخريب “سيريتل” من أجل فتح الطريق أمام المشغل الثالث الذي يتملكونه مثلما كان رامي يتملك الاتصالات سابقًا ويتجسس على السوريين في أدق تفاصيل حياتهم التي يتم تسليمها إلى المخابرات، وهو ليس حزينًا لأن الإيرانيين سيتجسسون على السوريين ويتحكمون بمستقبلهم، بل هو حزين على الأموال التي كانت تصب في خزائنه كلما نطق أحد السوريين بحرف واحد مع أحد آخر، نهر من الذهب تم تحويله من قبل تجار الحرب من جيوب عائلة مخلوف إلى عائلة الأسد وإلى جيوب الإيرانيين.
رغم الترصيع الديني المفتعل، كان رامي مخلوف يبحث عن حلمه القديم وسعادته أيام “سيريتل” والشركات المخلوفية القابضة التي تحرسها المخابرات ولا تنقطع إيراداتها أبدًا، كان حزينًا وغاضبًا، بدا وكأنه يحمل كل حزن السوريين الذين كانوا يشاهدون مأساة نهبه لشركة “سيريتل” في بداياتها.
تحت هذا الضغط، بلغ الأمر برامي مخلوف إطلاق وعيده بشق البحر، فهل يشق البحر باتجاه قبرص وموسكو ليصل سالمًا إلى أخيه حافظ مخلوف، أم أن قوته كفيلة بشق مؤيدي النظام بعد الفقر والبؤس الذي حصدوه من المسير خلف عائلة الأسد، أم أن الأمر لن يتعدى شقًا بائسًا بحجم ما يشقه قارب صغير لأحد البحارة الفقراء الذين يتجهون كلّ يوم من طرطوس إلى جزيرة إلى أرواد، وكلّ ما يتحدث عنه وما يتوعد به مجرد حنين إلى مجده الذي انتزعه منه أثرياء الحرب؟!