عنب بلدي – ديانا رحيمة
“كرة تلج وبتوصل لعنا فتافيت”، هكذا شبّه محمد علي الخاني النازح من مخيم “خان شيخون” إلى مخيم “أم جرن” في كفرعروق بريف إدلب، المساعدات التي ستصل إلى الشمال السوري في حال اعتماد منظمة “الهلال الأحمر السوري” كجهة معتمدة لتسليم المساعدات.
وتساءل محمد في لقاء مع عنب بلدي، “كيف لنا أن نأمل أن تصلنا معونات من قبل منظمة تحمل صورة الأسد الذي تسبب في تهجيرنا وقتل أحبتنا؟”.
مع اقتراب موعد جلسة الأمن في 10 من تموز المقبل، من أجل إعادة تجديد تفويض آخر معبر لدخول المساعدات الأممية (باب الهوى) إلى الشمال السوري، تتقلص الحلول البديلة التي يطلبها ويتحكم بتحديدها كل من النظام السوري وروسيا، لتنحصر بتقديم المساعدات عبر منظمات ومؤسسات يتحكم بها النظام السوري.
ومن أبرز هذه المنظمات المقترحة لتكون البديل عن الأمم المتحدة بإدخال المساعدات إلى الشمال السوري، الخارج عن سيطرة النظام، منظمة “الهلال الأحمر السوري”، التي لا تحظى بقبول محلي بسبب تغلغل النظام السوري في المؤسسة التي يعيّن مديريها، ويجيّرها لأهدافه السياسية.
وتدخل المساعدات الأممية حاليًا عبر “باب الهوى” شمالي سوريا، بموجب قرار تبناه مجلس الأمن العام الماضي، لكن صلاحية القرار ستنتهي وسيعود مجلس الأمن للتصويت على تمديد القرار أو تعديله في 10 من تموز المقبل، وسط تلويح روسي باستخدام حق “النقض” (الفيتو) لمنع التمديد.
وينص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم “46/182″، الذي يلمح إليه النظام وروسيا مرارًا، على الحاجة إلى موافقة الحكومة على تقديم المساعدة الإنسانية.
لكنه ينص أيضًا على أن “الدول التي يحتاج سكانها إلى المساعدة الإنسانية مدعوة لتسهيل عمل هذه المنظمات في تنفيذ عملها، وتقديم المساعدات وفق مبادئ الإنسانية والحياد والنزاهة”.
تشجيع روسي للهيمنة على المساعدات
دعا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 14 من حزيران الحالي، إلى وضع المساعدات تحت سيطرة “الصليب الأحمر” و”الهلال الأحمر”، لنفي الاعتقادات بأن حكومة النظام ستسرق أو تنهب المساعدات، إذا حصرت طرق إدخالها عن طريق مناطق نفوذها.
وبدوره، أكد وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في 23 من حزيران الحالي، أن روسيا ستمنع الأمم المتحدة من تجديد تفويض المعبر في الجلسة المقبلة لمجلس الأمن في 10 من تموز.
وأضاف، “منذ نيسان 2020، شهدت روسيا محاولات متواصلة لعرقلة قوافل إنسانية مشتركة من قبل الأمم المتحدة و(اللجنة الدولية للصليب الأحمر) و(الهلال الأحمر العربي السوري) إلى شمال غربي إدلب، من العاصمة السورية دمشق، من قبل (هيئة تحرير الشام) وبتواطؤ من أنقرة”، حسب تعبيره.
“الهلال الأحمر”.. محكوم سياسيًا
خبير في منظمات المجتمع المدني السوري، تحفظ على ذكر اسمه، قال لعنب بلدي، إن “الهلال الأحمر” منظمة غير موثوقة حكمًا، وعلى الرغم من تفاني كادرها في عمله الإنساني، يبقى محكومًا في النهاية بأدوات المنظمة التي يعمل فيها، والتي تتبع لإدارة سيئة جدًا وتوجد ملفات فساد ضدها، لتحكم النظام السوري فيها كونه الجهة الحاضنة لها على الأرض، ومن هنا يأتي عدم جدارتها في تمرير المساعدات.
لكن الخبير المطلع على الآليات الأممية لإيصال المساعدات، اعتبر أن تأثير التقارير التي تثبت الفساد في منظمة “الهلال الأحمر” لإبعادها عن تعيينها كجهة توصل المساعدات، لا يمكن إلا بقرار الدول الكبرى مثل روسيا وأمريكا، وأن ما يمرر أجندة المنظمة، على الرغم من كل التقارير التي تدينها، هو بالدرجة الأولى التوافق الأمريكي- الروسي، وبالدرجة الثانية التوافق الروسي- التركي.
وفي حال اختيار “الهلال الأحمر” كجهة معتمدة لإيصال المساعدات، يمكن وضع آليات للحد من الفساد فيها أو منع تحكم النظام السوري فيها، ولكنها ستكون ضعيفة ومتواضعة وليس لها معنى.
|
الأمم المتحدة تستسلم!
قالت الزميلة في برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ناتاشا هول، في حديث إلى عنب بلدي، إنه خلال محادثات أجرتها مع مسؤولين رفيعي المستوى في الأمم المتحدة يعملون في خطة الاستجابة السورية، فإن سوريا هي الحالة الأولى التي استسلمت فيها الأمم المتحدة لضغوط الحكومة لتسليم قوافلها من خلال كيان تابع لحكومة النظام مثل “الهلال الأحمر السوري”.
وفي الوقت الذي حاولت فيه شخصيات بمناصب قيادية في “الهلال الأحمر” إيصال المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، ومقاومة جهود الحكومة لمنعها، طردهم النظام، وفي بعض الحالات اعتقلهم وعذبهم.
وكان النظام السوري طرد عاملين في منظمة “الهلال الأحمر” لموقفهم المعارض للنظام، لذا سيكون من الصعب تطبيق آلية تمنع انتشار الفساد، بحسب هول.
وتوجب على المنظمة أن تعمل يدًا بيد مع أجهزة الأمن التابعة للنظام، بحسب الباحثة ناتاشا هول، وطُلب من فرقها إخراج بعض المساعدات من القوافل المتجهة إلى مناطق المعارضة.
وفي درعا والقنيطرة، على سبيل المثال، تم استبدال “الهلال الأحمر السوري” بمنظمات المجتمع المدني في الغالب بعد أن استعادت حكومة النظام السيطرة على بعضها (عام 2018).
وعندما بدأ “الهلال الأحمر” بتوزيع المساعدات، اتُهم عاملوه برفض إيصال المساعدات لمن لهم صلات بجماعات المعارضة، على الرغم من اتفاقيات المصالحة.
عوائق تحول دون اعتماد “الهلال”
قالت الباحثة ناتاشا هول، إن خشية السوريين في شمال غربي سوريا من تنسيق المنظمة مع أجهزة الأمن في حكومة النظام تعرّض متلقي المساعدة للخطر، ولا سيما بعد فرار ثلثي السكان في تلك المنطقة من المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام.
ولا يزال لكثير منهم أقارب معرضون لخطر الاعتقال، نظرًا إلى أنه من المرجح أن تحصل حكومة النظام على قائمة المستفيدين، ما يسمح للنظام باضطهاد أقاربهم أو تبرير قطع المساعدة عنهم.
ولا يزال توصيل المساعدات عبر المعابر الداخلية عن طريق “الهلال” غير آمن أو موثوق للإمدادات، ففي 19 من أيلول عام 2016، أفادت لجنة “التحقيق الدولية” المستقلة والتابعة للأمم المتحدة، أن القوات الجوية السورية “خططت بدقة ونفذت بلا رحمة” هجومًا على قافلة مشتركة بين الأمم المتحدة و”الهلال الأحمر السوري”، ما أسفر عن مقتل 18 مدنيًا وتدمير ما يصل قيمته إلى 650 ألف دولار من الإمدادات الموجهة للمعارضة في حلب.
وتقترح روسيا استبدال آلية المساعدات الأممية الداخلة عبر الحدود، بإيصالها عبر معابر داخلية تتفق عليها مع تركيا، صاحبة النفوذ في الشمال السوري، وهي فكرة أُعيد طرحها في آذار الماضي، ورُفضت من السكان.
تغلغل أممي بهدف التعويم
في 26 من أيار الماضي، ناشد منسق مساعدات الأمم المتحدة، مارك لوكوك، مجلس الأمن عدم قطع “شريان الحياة” للمساعدات التي تمر عبر الحدود لحوالي ثلاثة ملايين سوري في شمالي سوريا.
إلّا أنه، بحسب معلومات تلقتها روسيا وصرّح بها لافروف، فإن الأمم المتحدة تعمل حاليًا بنشاط على طرق بديلة لإيصال المساعدات الإنسانية في حالة إغلاق معبر “باب الهوى”.
إضافة إلى أن ممثلين عن “برنامج الغذاء العالمي” التابع للأمم المتحدة، الذي يوفر 80% من الشحنات عبر الحدود، اتفقوا بالفعل مع دمشق ويواصلون السعي للحصول على موافقة أنقرة لملء مستودع “برنامج الأغذية” في بلدة سرمدا بمنطقة “خفض التصعيد” في إدلب عبر خطوط تسليم، بحسب لافروف.
وأشار لافروف إلى أن منظمة الصحة العالمية “تميل نحو خيار مماثل” لتقديم الإمدادات الطبية بما في ذلك لقاحات فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، إذ إن لدى المنظمتين تعاونًا جيد التنظيم مع السلطات السورية، على حد قوله.
وتأتي هذه التحركات الروسية في وقت تدفع فيه موسكو النظام للتغلغل في مؤسسات أممية، من أبرزها انتخاب منظمة الصحة العالمية بالإجماع، في دورتها الـ74، سوريا لعضوية المجلس التنفيذي فيها، من بين أعضاء آخرين انضموا حديثًا إلى المجلس.
“الهلال الأحمر”.. محظور في إدلب
أُسّست منظمة “الهلال الأحمر” في عام 1942، ودخلت “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” في عام 1946.
وتعمل المنظمة مع “الاتحاد الدولي” و”اللجنة الدولية للصليب الأحمر” ومنظمات الأمم المتحدة، ولها علاقات مع النظام السوري لأن نشاطها الأساسي يتركز في المناطق التي يسيطر عليها في سوريا.
ويعيَّن رئيس المنظمة في سوريا بقرار حكومي، وهو ما حصل عند تعيين خالد حبوباتي رئيسًا للمنظمة في كانون الأول 2016، بقرار من رئيس مجلس الوزراء السابق، عماد خميس، بعد تعديل المادة “20” التي سمحت لرئيس الحكومة اختيار واحد من المرشحين الأربعة لمجلس إدارة المنظمة.
رُبطت المنظمة بالفساد، واتُّهمت بالتمييز في توزيع المساعدات وحرمان المدنيين من الحصول عليها، كما حصل في مناطق جنوبي سوريا، على الرغم من توقيع المستفيدين على “التسويات” مع حكومة النظام السوري، بحسب تقرير أصدرته منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”.
وحلّت حكومة النظام السوري ما يقارب 100 مؤسسة مجتمع مدني كانت نشطة في الجنوب منذ أواخر عام 2012 حتى منتصف عام 2018، لتستبدل “الهلال” بها.
وكانت تلك المؤسسات تقدم خدمات ودعمًا للمدنيين المتضررين من الحرب في جنوبي سوريا، وأحيانًا في مناطق أخرى.
أما في الشمال السوري، فأوقفت وزارة العدل التابعة لحكومة “الإنقاذ” عمل “الهلال الأحمر” السوري في إدلب، في آذار 2020، بعد شكاوى ضده من خلال منظمات ومجالس محلية.
وقُدمت الشكاوى من قبل عدة أطراف في إدلب لوزارة العدل حول عمل فرع “الهلال الأحمر” السوري في إدلب، وتتضمن فسادًا ماليًا وبعض المشاريع الوهمية.
وكانت المجالس المحلية لكل من عزمارين وكفرتخاريم ورأس الحصن وحارم وسرمين وخان السبل ودركوش والجانودية في إدلب، أعلنت عن رفضها التعاون والتعامل مع “الهلال الأحمر”، مطالبة بطرده من المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وإيقاف نشاطه واتخاذ الإجراءات المناسبة بحقه.
وجاءت المواقف الرافضة بسبب اتهام “الهلال الأحمر” بنقل عناصر قوات النظام والميليشيات الموالية لها إلى جبهات القتال عبر سيارات الإسعاف التابعة له، إضافة إلى المشاركة بتشييع قتلى النظام خلال الحملة الأخيرة على إدلب.