"منافع مشتركة" و"تهرب من أزمة"..
معامل الأدوية في سوريا تفرض مطالبها
عنب بلدي – جنى العيسى
أثار قرار رفع وزارة الصحة في حكومة النظام السوري سعر أكثر من 11 ألف صنف دوائي بنسب تقارب 30% استياء المواطنين المثقلين بالأزمات الاقتصادية.
وبينما يعانون قسوة الوضع المعيشي، ويلاحقهم ارتفاع الأسعار في أصغر متطلباتهم اليومية، وتدني الدخل الشهري مع تدهور الليرة أمام الدولار، بدت معامل الأدوية مهتمة بتأمين مرابحها من تصنيع الأدوية التي تضخها في السوق المحلية وتوردها إلى الخارج، دون دور حكومي لسد الفجوة بين المستهلك والمنتج، بدعم أحدهما.
و”درءًا لأزمة دواء” قد تعاني منها سوريا، استجابت وزارة الصحة لمطالبات المعامل برفع الأسعار، بعد تصريحات لعدد من أصحاب معامل الدواء بتوقف الإنتاج، في حال عدم رفع الأسعار، بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية المستوردة لتصنيع الأدوية، وارتفاع أجور شحنها.
احتكار حتى رفع الأسعار
صيدلاني في مدينة حمص، تحفظ على نشر اسمه لأسباب خاصة، قال لعنب بلدي، إن أزمة نقص الأدوية التي عانت منها أغلب الصيدليات في عموم المحافظات خلال الأسبوعين الأخيرين، تعود لتخفيض أغلب المعامل كميات تزويد الأدوية التي كانت ملتزمة بها قبل ذلك.
وبحسب ما أضافه الصيدلاني، كانت المستودعات على يقين أن مطالبها برفع الأسعار ستُلبّى، فقد عملت على تخفيض كميات التزويد بأصناف دوائية معيّنة، لتعيد توزيعها مرة أخرى بعد إعلان قرار رفع الأسعار.
بينما وصفت نقيبة صيادلة سوريا، وفاء كيشي، التسعيرة الجديدة بأنها “مناسبة للجميع”، للمعامل والصيادلة، مضيفة أن معامل الأدوية السورية “وطنية، ولا تبحث عن الربح المادي بمقدار ما تعمل على توفير الدواء الوطني في الأسواق”.
وبحسب أحدث إحصائية لوزارة الصحة السورية في عام 2017، فإن نسبة الأدوية المُصنّعة محليًا ارتفعت إلى 83% مقارنة بالأدوية المستوردة.
وفي 13 من حزيران الحالي، طالب رئيس المجلس العلمي للصناعات الدوائية، رشيد الفيصل، بضرورة تدخل وزارة الصحة وإجراء تعديل أو “رفع بسيط جدًا” يكون “محدودًا إذا ما قورن بأسعار الدواء الأجنبي”، في أسعار العديد من الزمر الدوائية، “نظرًا إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية وسعر الصرف”، وأثره على المعامل التي تُصنّع الأدوية، وطالب البعض من أصحاب المعامل بأن تزيد الأسعار بنسب تصل إلى 100%.
وعلّق الفيصل، بعد إعلان قرار الوزارة برفع الأسعار بنسبة تقارب 30%، أن الصناعيين سعداء بهذه النسبة، مضيفًا “نأمل من وزارة الصحة ألا تتأخر بمداراة الوضع، وإجراء التعديلات الإضافية حين يلزم ذلك”.
نسبة 30% بسيطة مقارنة بارتفاعات سابقة
صيدلانية عاملة في ريف دمشق قالت لعنب بلدي، إن ارتفاع أسعار الأدوية ليس خبرًا جديدًا على السوريين، بل هو خبر شبه دوري، ولكن الفرق في القرار الأخير أنه شمل جميع أنواع الأدوية الموجودة في سوريا، معتبرة أن ارتفاع الأسعار بنسبة 30% لا يؤثر كثيرًا على المرضى بالمقارنة مع نسب الارتفاعات السابقة.
وأضافت الصيدلانية أن ارتفاع الأسعار عادة ما يطال أدوية معيّنة مطلوبة بكثرة، بعد مطالب للمعامل التي تُصنعها، عبر تعميم يصل إلى الصيدلية مباشرة، دون إعلان رسمي على وسائل الإعلام الرسمية.
وبحسب الصيدلانية، يكون ارتفاع الأسعار بنسب عشوائية تختلف باختلاف الدواء، ومرتفعة أكثر بكثير من الأخيرة التي أعلنتها الصحة، إذ ارتفعت أصناف دواء مهمة في الصيدلية قبل حوالي ثلاثة أشهر بنسب تجاوزت 300% من سعرها السابق.
وترى الصيدلانية أن معامل الأدوية في سوريا تطمع دومًا بالمزيد من الأرباح، دون التفكير بالوضع الإنساني للمستهلكين، ووفقًا لطبيعة عملها معهم تعتبر أن المعامل تربح أرقامًا جيدة “إذا تحدثنا فقط عن مرابحهم من الأدوية المصنعة محليًا التي يصدّرونها إلى أغلب الدول العربية، ولكنها مفقودة منذ سنوات في صيدليات سوريا (كأدوية داء الصرع مثلًا)”.
خوف من أزمة دواء ومنافع مالية
تلبية وزراة الصحة في حكومة النظام السوري مطالب المعامل برفع الأسعار، تعود لأمرين، بحسب ما يراه الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي.
وأوضح قضيماتي، في حديث إلى عنب بلدي، أن السبب الأول لذلك يتمثل بمخاوف من خروج هذه المعامل عن الخدمة في حال عدم رفع الأسعار، وهو ما سيسهم بفقدان أصناف معيّنة من الدواء، وخلق أزمة جديدة في البلاد بغنى عنها في الوقت الحالي.
بينما يعتقد قضيماتي أن السبب الثاني هو وجود بعض الشراكات لأشخاص مقربين من النظام مع تلك المعامل، وبهذا ستزيد منفعتهم ومكاسبهم على حساب المواطن.
وأضاف قضيماتي أن للواقع الاقتصادي المنهار الذي يعاني منه لبنان، وانعدام الكثير من الأصناف الدوائية فيه، أثرًا على الواقع الدوائي في سوريا، إذ كان يعتمد النظام سابقًا على عمليات تهريب لبعض الأدوية من لبنان إلى مناطق سيطرته.
واعتبر قضيماتي أنه في ظل عدم وجود رقابة جدية تضبط الإنتاج والجودة في قطاع صناعة الأدوية “لا يمكن أبدًا التقيد بنسبة أرباح معيّنة” يمكن للمعامل جنيها من خلال استثماراتها في هذا المجال، مستبعدًا الالتزام التام حتى بالقوائم السعرية المطروحة مؤخرًا.
وبحسب أحدث إحصائية لأعداد المعامل الدوائية في سوريا، قال وزير الصحة السابق، نزار يازجي، في 2019، خلال حديث إلى وكالة “سبوتنيك” الروسية، إن أعداد المعامل في سوريا وصلت إلى 96 معملًا تعمل على تغطية 93% من حاجة السوق المحلية.
كيف تُسعّر الأدوية؟
تُسعّر وزارة الصحة في حكومة النظام السوري الأدوية وفقًا لسعر صرف الدولار الأمريكي.
وفي حزيران 2020، اعتمدت الوزارة نشرة تسعير جديدة بناء على قرار المصرف المركزي الصادر في آذار 2020، والقاضي بتوحيد سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الليرة السورية في جميع تعاملات القطع الأجنبي والحوالات بمختلف أنواعها.
وأوضحت مديرة الشؤون الدوائية، رزان سلوطة، حينها أن التسعير سيكون بموجب سعر الصرف المركزي، مبينة إمكانية حدوث بعض الإشكاليات كشطب السعر، بسبب الحاجة إلى التعديل مباشرة.
وأكدت سلوطة وجود دراسة لتحديث “مفردات التسعير” المعتمدة من وزارة الصحة، والتي تحدّث بشكل دوري، مشيرة إلى أن بعض تلك المفردات يعتمد على الاستيراد، بينما بعضها الآخر محلي بما يتوافق مع الأسعار الجديدة.
ويسجل الدولار الأمريكي في السوق السوداء، خلال حزيران الحالي، وسطيًا 3200 ليرة سورية، بحسب موقع “الليرة اليوم”، المتخصص بأسعار الصرف والعملات الأجنبية.
بينما يبقي مصرف سوريا المركزي سعر الصرف ثابتًا، منذ مضاعفته في نيسان الماضي، عند مستوى 2512 ليرة للدولار الواحد.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :