“امرأة عند حافة الأربعين”.. رؤية ساجان الأعمق لحياة المرأة
في رواية “امرأة عند حافة الأربعين”، تغوص الكاتبة الفرنسية فرانسواز ساجان في أعماق نفس المرأة، لمحاولة توضيح الجوانب النفسية والعاطفية التي تحيط بها، في وقت تلمسها فيه تغيرات جسدية ومزاجية، دون سلطة منها.
ومنذ الصفحة الأولى للرواية، تبرز “بول”، بطلة الرواية وضحية الأفكار المطاطة والمشاعر التي تتقاذفها بين الواقع والمرغوب، وبين المادي الملموس والجوهري المحسوس.
تبدأ الرواية بمشهد يمكن قراءته ومشاهدته واضحًا على مرآة المخيلة في نفس الوقت، ويتجلى بوقوف “بول” أمام المرآة، تتأمل وجهها وتتفحص إمضاء السنوات التي تراكمت في دفتر حياتها خلال 39 عامًا عاشتها بالإخفاقات والرتابة والروتين.
وتقول ساجان في شرح هذا المشهد، “لقد جلست أمام المرآة لتقتل الوقت، جعلتها هذه الفكرة تبتسم، لتكتشف أن الوقت هو الذي يقتلها على نار هادئة وبرفق”.
وبعد قليل سيظهر “روجيه”، وستحاول “بول” إعادة تعريف العلاقة العاطفية التي تجمعهما، ففكرة الحرية المتفق عليها بينهما تبدو بنظر “بول” عديمة القيمة، يستفيد منها “روجيه” وحده، هذا الرجل النشيط، متعدد المغامرات العاطفية، كثير الحركة والطاقة والعمل والانشغال، رغم حبه الحقيقي لهذه السيدة التي جعلها الوقوف أمام المرآة راغبة في إنقاذ نفسها من فخ الوحدة، في غياب حبيبها الذي صار يتركها تقضي أمسياتها وحيدة، لينكبّ على مغامرات جديدة دون اكتراث بوحدة حبيبته.
وفي فوضى مزاج “بول” المتعب، الذي انعكس حتمًا على الطريقة التي ترى بها “روجيه”، برز إلى مسرح حياتها “سيمون”، أو “سيمون فان دن بيش”، وهو شاب وسيم الطلعة، أنيق الهيئة، والدته امرأة ثرية في الستينيات من عمرها، طلبت من “بول” تزيين وزخرفة محال تجارية تملكها.
ولا حاجة إلى القول إن إعجابًا ما فرض نفسه على المشهد منذ البداية بشكل يمكن التنبؤ به، لا سيما بتأثير من الظروف التي كانت تعيشها السيدة الأربعينية، ولم تكن راضية عن نفسها أو عن حياتها خلالها.
تحوّل هذا الإعجاب بفعل انخفاض مناعة “بول” العاطفية، وإلحاح الشاب وجرأته دون وقاحة، إلى حب متبادل معلَن، قذف بـ”روجيه” من نافذة مشاعر “بول” وحمله مع حقائبه إلى الخارج، لكن ليس للأبد.
ورغم حيوية الشاب العاشق وحماسته التي تقلص فارق السن بينهما، عادت “بول” إلى شرودها وتذمرها، حتى تحولت علاقتها بالشاب شيئًا فشيًا إلى حمل يثقل صدرها، ويدفعها بقوة جاذبة للتفكير بحبيبها السابق الذي اعتقدت أنه يبكي على أطلالها، ولا يعيش حياته مع نساء متعددات لا يحفظ أسماءهن.
أفكار ومشاعر تتصارع على امتداد أكثر من 140 صفحة، وتحاول فرض سطوتها على السيدة البائسة التي اعتقدت بطريقة ما أن قطار العمر مضى على عجل، وأنها لم تحيا كفاية، وهذه الأفكار كانت كفيلة بإضاعتها اللحظة الراهنة لا محاولة اغتنامها.
تنتمي الرواية إلى الأدب التصويري بكثير من جملها وفقراتها، رواية بوسع القارئ إذا اتسعت المخيلة أن يراها ويشعر بها، ليصله بذلك جوهر هذه التحفة الأدبية.
وتعتبر “امرأة عند حافة الأربعين” واحدة من أبرز روايات الكاتبة الفرنسية فرانسواز ساجان التي كُتبت خلال مشوار أدبي بدأته في التاسعة عشرة من عمرها، ووصلت إلى نحو 20 رواية، وكانت روايتها “صباح الخير أيها الحزن” جواز عبورها إلى القارئ العربي.
وإضافة إلى الرواية، قدّمت ساجان نصوص أكثر من عشر مسرحيات، وخمسة أفلام سينمائية، وحققت بالأدب والكلمة ثروة كبيرة منحتها حياة رغيدة حرضتها على لعب القمار قبل أن تقلع عنه إثر خسارة مرّة.
تعرضت ساجان في شبابها لحادث سيارة، بسبب هوسها بقيادة السيارة بسرعة عالية، وبعد عودتها من مشارف الموت أدركت قيمة الحياة وتمسكت بها أكثر، فاهتمت بالتكثيف ضمن حياتها ورواياتها، إذ لا وقت سيكفي لكل ما يستحق أن يُعاش ما لم نبدأ استغلال اللحظة وعيشها فورًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :