حمص- عروة المنذر
“الكلاب والجرذان تنتشر في الحي بين المنازل المدمرة وتحت أكوام ردم المباني، فالخدمات معدومة لمعالجة هذه المشكلة، لا توجد هناك مقومات للحياة”.
هذا ما قاله مأمون لعنب بلدي متنبئًا بعدم عودته إلى سكنه قريبًا، حيث نزح من حي الخالدية في مدينة حمص إلى الريف الشمالي للمدينة، لتصبح مسألة العودة لديه “غير واردة”.
يمتلك الشاب الثلاثيني مخاوف من سوء الوضع الأمني في حي الخالدية، ولا يأمن على نفسه من ملاحقة رجال المخابرات له بسبب مشاركته في عدة مظاهرات خلال الاحتجاجات في سوريا عام 2011.
بيع البيوت بسبب المخاوف الأمنية
مهما أشرف مجلس محافظة حمص على عمليات هدم وترحيل المباني الآيلة للسقوط في حي الخالدية وأحياء متفرقة أخرى من المدينة، لا يتوقع مأمون (الذي رفض نشر اسمه الكامل لأسباب أمنية) أن يعود المهجرون من الشمال السوري أو بلدان اللجوء قبل تغيير طريقة تعامل الأجهزة الأمنية السورية مع المعارضين لسياسة الحكم.
“إزالة بعض المباني المدمرة في الخالدية لن يغيّر أي شيء”، والناس بدؤوا ببيع منازلهم، حتى وهي في وضع شبه مدمر بالكامل، وبأسعار منخفضة، إذ “فقد بعضهم الأمل بالعودة”، أوضح مأمون.
بدأ مجلس محافظة حمص، في أيار الماضي، بهدم وترحيل الأبنية الآيلة للسقوط في أحياء متفرقة من المحافظة، وفق ما رصدته عنب بلدي في المدينة، التي دمرها القصف العسكري المتكرر خلال حصار فصائل المعارضة السورية منذ بداية عام 2012 إلى منتصف عام 2014.
ونشرت “لجنة حي القصور” عبر صفحتها في “فيس بوك”، في 17 من حزيران الحالي، منشورًا طلبت فيه من أهالي الحي مراجعة مديرية الأشغال في البلدية لتقديم طلبات من أجل هدم الأبنية وترحيل الأنقاض “كخطوة أولى لإعادة أعمارها”.
ولم تشر إدارة الصفحة إلى الجهات التي قد تستثمر أو تتبنى إعادة إعمار أي بناء.
وفي محافظة حمص، يوجد 3082 مبنى مدمرًا كليًا، و5750 مدمرًا بشكل بالغ، و4946 بشكل جزئي، وبلغ مجموع المباني المتضررة 13778، وفقًا لتقرير معهد الأمم المتحدة للبحث والتدريب.
وفي مدينة تدمر الأثرية، التابعة لمحافظة حمص، يوجد 45 مبنى مدمرًا كليًا، و112 مبنى مدمرًا بشكل بالغ، و494 بشكل جزئي، ليكون مجموع المباني المتضررة 651.
وفي مدينة القريتين، التابعة لمحافظة حمص أيضًا، يوجد 79 مبنى مدمرًا كليًا، و190 مبنى مدمرًا بشكل بالغ، و256 بشكل جزئي، ليكون مجموع المباني المتضررة 525.
ازدياد وتيرة بيع العقارات
بدأ بعض أصحاب المساكن المدمرة ببيع حصصهم في العقار بأسعار أقل من السعر الطبيعي، لتفادي ضياع حقوقهم في ممتلكاتهم بعد هدمها، وقد بدأ العديد من التجار “المحسوبين على النظام” بشراء هذه الأبنية بأسعار منخفضة، وفق ما قاله عبد الرحمن لعنب بلدي، وهو شاب يعمل في مكتب عقاري داخل مدينة حمص.
ولاحظ عبد الرحمن (الذي تحفظ على نشر اسمه الكامل لأسباب أمنية) أن حركة البيع ازدادت بشكل ملحوظ في بداية العام الحالي، بسبب خوف أصحاب الشقق في الأبنية المهدمة من ضياع حقوقهم بعد هدم البناء.
وعدد كبير من عمليات البيع يتم في البناء الواحد، بحيث يجبر سكان البناء على بيع العقار لأحد سكانه بأسعار منخفضة كي لا تذهب ملكية بقية أصحاب الشقق في العمارة.
وتشكّل هذه الأبنية خطرًا على كل من يقترب منها، خصوصًا الأطفال، إذ توجد كتل أسمنتية كبيرة منها قابل للسقوط في أي لحظة.
ويتركز الدمار في الأحياء القديمة من مدينة حمص، أبرزها حي الخالدية في محيط جامع “خالد ابن الوليد”، وباب السباع، وباب الدريب، والبياضة، والحميدية، وفي الأحياء الحديثة في القصور، وجورة الشياح، والقرابيص.
هدم الأبنية ضرورة لكن دون مراعاة للملكية
على الرغم من تدمير الأبنية بشكل شبه كلي، فإن هدمها وترحيلها يخفي معالم البناء القديم بشكل كامل، ويحوّل العقار إلى ساحة ترابية لا أثر لوجود أي منزل فيها، الأمر الذي يؤدي إلى ضياع حقوق أصحاب الأبنية في ملكية مساكنهم.
وإزالة الأبنية الآيلة للسقوط ضرورة ملحة بسبب الخطر الذي تشكّله على السكان والأطفال في المدينة، لكن أغلب سكان الأبنية المتضررة مهجرون خارج المنطقة، وممتلكاتهم مهددة بالقانون رقم “10” لعام 2018 المعدل للمرسوم رقم “66” لعام 2012.
يهدف هذا القانون حسب نصوصه إلى إمكانية إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية، بناء على اقتراح من وزير الإدارة المحلية والبيئة في الحكومة السورية، وتفرض بنود القانون على مالك العقار العديد من الالتزامات التي تؤدي إلى مصادرة ممتلكاته باسم القانون في حال عدم الوفاء بها.
وأغلبية أصحاب العقارات لن يستطيعوا الوفاء بتلك الالتزامات بسبب وجودهم خارج سوريا خلال تهجيرهم من مناطقهم الأصلية.
وهجّرت قوات النظام السوري والميليشيات التابعة لها أكثر من نصف سكان مدينة حمص بشكل منهجي بين عامي 2012 و2014، وفقًا لدراسة معهد “باكس” حول حالة التهجير القسري في سوريا تحت عنوان “لا عودة إلى حمص“.
وتشمل الممارسات التي اتبعتها قوات النظام، الاعتقال والتعذيب والاغتصاب والمذابح والاعتداء العسكري الشامل برًا وجوًا، والحصار والتدمير المستهدف للبنى التحتية المدنية.
ويواجه مدنيو حمص العديد من الحواجز التي تعوق عودتهم، وإعادة الإعمار وحدها لا يمكن أن تتصدى لهذه التحديات، بل قد تسبب مزيدًا من الضرر في المناطق التي استُهدفت عسكريًا.
ويجب أن تقترن عملية إعادة الإعمار التي تشرف عليها حكومة النظام بآليات قانونية تعالج حقوق المهجرين العقارية واهتماماتهم وأولوياتهم، لأن عودة المهجرين تعتبر أمرًا أساسيًا للاستقرار في سوريا.
ومن دون المحافظة على حقوق المهجرين العقارية وإشراكهم في ملف إعادة الإعمار، ستكون فرص الاستقرار في سوريا ضعيفة، واحتمالات العودة إليها قليلة.