منصور العمري
فوّضت الأمم المتحدة في عام 2014، بقرار من مجلس الأمن، آلية لتقديم الدعم عبر الحدود في سوريا، دون مرورها من خلال الحكومة السورية. سمح القرار بإدخال الدعم إلى سوريا عبر مناطق حدودية مع العراق وتركيا والأردن، نتيجة لـ”تعقيدات الأزمة السورية”، شملت هذه التعقيدات، إعاقة نظام الأسد للمساعدات الأممية، ومنعها عن فئات من الشعب تعسفيًا، وحصاره ملايين السوريين، ومحاولات بعض الجماعات المعارضة السيطرة على المساعدات وتحرشها بالمنظمات المحلية العاملة في الإغاثة، وغيرها.
عملت روسيا على وقف هذا الدعم والمساعدات الإنسانية لملايين السوريين، ونجحت في كانون الثاني/ يناير عام 2020 بإغلاق معبري الأردن والعراق، وبعدها بشهور أغلقت أحد المعبرين الأخيرين مع تركيا. سينتهي تفويض هذا المعبر في 10 من تموز/ يوليو المقبل إن لم يجدده مجلس الأمن، وصرحت روسيا بأنها ستصوّت ضد تمديد التفويض، أي أن روسيا تريد حصر دخول جميع المساعدات الأممية عبر نظام الأسد. لروسيا عدة غايات من هذه الجهود:
فرض الشرعية: تصب الجهود الروسية في إعادة فرض شرعية الأسد وسيطرته على جميع مناطق سوريا، ومنع الأمم المتحدة من التعامل مع أي جهة سورية سوى الأسد.
وسيلة ضغط واستعادة السيطرة: ستؤدي سيطرة النظام السوري على جميع المساعدات الأممية إلى منحه ورقة ضغط هائلة على من تبقى من السوريين بالتحكم بغذائهم ودوائهم وحياتهم، وهي السياسة التي يتبعها تجاه ما تقدمه له الأمم المتحدة من مساعدات.
دعم الآلة الحربية: سيستخدم نظام الأسد الغذاء والدواء والدعم الإنساني لأغراض سياسية وإجرامية، وتمويل جرائم الحرب والميليشيات الطائفية الإيرانية والعراقية.
دعم اقتصادي هائل: ستقدم هذه المساعدات دعمًا اقتصاديًا كبيرًا لنظام الأسد، من مواد غذائية وعملات كاليورو والدولار. تجاوز حجم المساعدات عبر الحدود، عام 2020، 150 مليون دولار، أي أكثر من 10% من موازنة سوريا التي أعلنها نظام الأسد لعام 2020.
لا يمكن منح الأسد هذه الميزات، وهو الذي لا يزال يرتكب ذات الجرائم، ويخفي آلاف وآلاف السوريين ويعتقلهم ويعذبهم، ويسرق المعونات، ويسيطر مع زوجته وعصابته على ما تبقى من اقتصاد البلاد، ويقدم ثرواتها للروس بأبخس الأثمان ليبقى في الحكم.
تنازلت دول الغرب كثيرًا بموافقتها على وقف المعابر السابقة، وهو ما أدى إلى معاناة كبيرة في عدة مناطق سورية، لكن مع محاولة روسيا قطع شريان الحياة الأخير، يجب أن تتخذ دول الغرب خطوات تجسد مخاوفها ومعارضتها لإغلاق المعبر الأخير، وتؤكد على أن أولويتها هي حياة الناس في سوريا، لا مواجهة روسيا في الأمم المتحدة وحسب.
يجب إنشاء آلية جديدة للدعم عبر الحدود بلا تفويض أممي، فرغم الصعوبات اللوجستية والإمكانيات الكبيرة المطلوبة لاستبدال عمل وكالات الأمم المتحدة، فإن ذلك ليس مستحيلًا، وهو أفضل بكثير على عدة مستويات.
يجب أن يعيد المانحون الدوليون، بمن فيهم أوروبا والولايات المتحدة، تخصيص أجزاء من تبرعاتهم إلى وكالات الأمم المتحدة، وتحويلها إلى الآلية الجديدة، بدل من منحها لنظام الأسد، كي يستخدمها سلاح حرب ضد الشعب السوري.
أهمية الآلية الجديدة المستقلة عن الأمم المتحدة:
لن تحتاج إلى تفويض من مجلس الأمن لتعمل في سوريا وعبر الحدود، وبالتالي تصفير قيمة الورقة الروسية في مجلس الأمن.
ستعيد فتح المعابر مع العراق والأردن وتركيا.
ستستأنف الدعم الإنساني والإغاثة الضرورية لحياة نحو خمسة ملايين شخص.
ستوجه رسالة دولية إلى روسيا وكل من يريد استغلال جوع ومرض المدنيين والأطفال لأغراض سياسية بأنه توجد حلول بديلة.
ستمنع منح ميزات كبرى لنظام الأسد القاتل، ومكافأته وهو الذي لا يزال يرتكب جرائم دولية جسيمة ضد الشعب الذي يحكمه بالحديد والنار، بدعم من روسيا.
يستحق ملايين المدنيين السوريين، بمن فيهم الأطفال، الغذاء والدواء. إنهم يستحقون المساعدة المنقذة للحياة، وبعض الجهود الإضافية من دول الغرب.