نشر مركز “السياسات وبحوث العمليات” (OPC) اليوم، الثلاثاء 22 من حزيران، دراسة استقصائية حاولت فهم الحياة اليومية للسكان في ثلاثة أحياء من مدينة دمشق، من خلال بيانات مرتبطة بالعمل ومصادر الدخل والاستهلاك.
وشارك في عملية جمع البيانات من أجل إعداد هذه الدراسة 12 باحثًا محليًا تحت إشراف باحثي المركز.
ويعيش في مدينة دمشق (ضمن الحدود الإدارية لمحافظة دمشق) أكثر من مليون و829 آلف نسمة، وفق إحصاءات الأمم المتحدة في أيار 2020، وهو ما يساوي 10% من سكان سوريا.
وظروف الحياة المعيشية في دمشق باعتبارها عاصمة سوريا وأحد مركزين اقتصاديين رئيسيين فيها يمكن أن تعطي صورة مكثفة عن الحياة في عموما سوريا، ولهذا السبب اتخذت المدينة ميدانًا للدراسة، وفق صفحاتها الأولى.
زيادة في معدلات ساعات العمل
واستهدفت الدراسة التي أعدها الباحثان عروة خليفة وكرم شعار، عينة من المقيمين في مدينة دمشق، تضمنت 600 مقابلة، قُسّمت تلك العينة على ثلاثة أحياء وهي نهر عيشة (فقير)، الزاهرة (متوسطة الدخل)، وركن الدين (متوسطة إلى مرتفعة الدخل)، وتم مراعاة الطبقات الاجتماعية في الدراسة، والتوزع النسبي فيما يخص العمر والجنس والتعليم.
وصل معدل ساعات العمل للعاملين بدوام كامل في عينة الدراسة إلى 52.5 ساعة أسبوعيًا، وهو أعلى من المعدل المسموح به في قانون العمل السوري، وكذلك يعد من الأعلى في العالم، وفق الدراسة، ما يؤثر على الصحة الجسدية والنفسية للعاملين.
وبموجب المادة رقم “106” من قانون العمل السوري، فلا يجوز تشغيل العامل تشغيلًا فعليًا أكثر من ثمانية ساعات في اليوم الواحد، أو 48 ساعة في الأسبوع، ولا تدخل فيها الفترات المخصصة لتناول الطعام والراحة.
وفي حين اعتبر 49.8% من المستجيبين للدراسة بأن مستوى معيشتهم متوسط، إلا أن البيانات المعتمدة على متوسط إنفاق الأسرة الشهري، الذي صرح عنه أكثر من نصف المستجيبين والمستجيبات للدراسة (338 فردًا)، قد أظهرت أن 94% من عائلات المستجيبين تعيش تحت خط الفقر الدولي، والذي يقدر بـ1.9 دولار يوميًا للفرد الواحد.
وتعرض اقتصاد مدينة دمشق خلال السنوات العشر الأخيرة إلى تغيرات بنيوية واسعة، وكانت حصة المدينة من التراجع الاقتصادي العام في سوريا كبيرة للغاية، وفق الدراسة، نتيجة ظروف النزاع المسلح والإجراءات الأمنية والعسكرية القسرية التي فرضها النظام السوري على مختلف المدن السورية.
لجوء أدى إلى تركيز العمل على فئات محددة
وتحتفظ الفئة العمرية بين 26 إلى 35 عامًا بالنسبة الأعلى للعمالة، إذ يعمل في هذه الفئة 77.7%، تليها مباشرة الفئة العمرية بين 36 إلى 45 عامًا، حيث يعمل ضمن هذه الفئة 76.5% من إجمالي المستجيبين في هذا العمر، وهو ما يضع الجزء الأكبر من عبء العمل على هاتين الفئتين العمريتين.
وأدت موجات اللجوء في سوريا، إلى خسارة أعداد كبيرة من المنتمين للفئات العمرية الشابة، ما تسبب بزيادة ساعات العمل لدى الشباب المقيمين بشكل أساسي.
كما أدت ظروف النزاع في سوريا إلى ارتفاع نسبة غير القادرين على العمل نتيجة أسباب صحية.
وتُظهِر البيانات ارتفاع نسبة الذين يعزون عدم عملهم إلى الوضع الصحي، والتي وصلت إلى 14.5% من إجمالي غير العاملين، بين الأعمار 18 و64 وهو ما يمكن أن يكون بسبب إعاقتهم خلال سنوات النزاع المسلح.
أفراد يمارسون أكثر من عمل في وقت واحد
وأظهر التحليل الحساس للجندر، المستخدم في الدراسة، وجود فروق واضحة بين نسبة عمل النساء والرجال، إذ أظهرت بيانات الدراسة أن 49.2% من النساء المستجيبات غير المتقاعدات لا يعملن، بينما أجاب 21.1% من الرجال المستجيبين للدراسة بأنهم لا يعملون.
كما تُظهِر بيانات الدراسة بأن 10.4% من الرجال يُمارسون أكثر من عمل في وقت واحد، بينما لا تتجاوز هذه النسبة بين النساء 2%، على الرغم من تراجع المستوى المعيشي في سوريا، وارتفاع معدلات السكان الموجودين تحت خط الفقر.
كذلك قال 19.2% فقط من العينة المستهدفة بأن عائلاتهم تعتمد على مصدر وحيد للدخل، فيما يعتمد البقية على دخلين فأكثر للتأقلم مع الظروف المعيشية المتدهورة.
وأظهرت مصفوفة الانتقال بين الأعمال، بين عام 2011 حتى هذا العام، زيادة في الانتقال للعمل ضمن الوظائف الحكومية ما زاد من نسبة الموظفين الحكوميين في مدينة دمشق، خصوصًا وأن انتقال عدد من المؤسسات التابعة لحكومة النظام إلى مركز العاصمة قادمة من محيطها في ريف دمشق أو من مناطق أخرى لا تخضع لسيطرة النظام العسكرية، أسهم في زيادة أعداد الشواغر الوظيفية في مدينة دمشق ضمن القطاع الحكومي.
وأوصت الدراسة الجهات الدولية العاملة في الشأن السوري، بتعزيز الشفافية في تقديم المساعدات للسكان ضمن مناطق سيطرة النظام السوري لزيادة تلك المساعدات، وبتحسين آليات العمل لزيادة عدد المستفيدين، بسبب أهمية تلك المساعدات في تأمين معيشة السكان.