عنب بلدي – علي درويش
بين عدد من الصناعيين ورجال الأعمال المقربين منه، أشاد رئيس النظام السوري، بشار الأسد، برجال الأعمال الذين بقوا إلى جانبه، واعدًا إياهم بتقديم التسهيلات، وذلك خلال زيارته إلى مدينة عدرا الصناعية بريف دمشق، في 9 من حزيران الحالي.
جاءت زيارة الأسد إلى عدرا بعد 37 يومًا من زيارته لمدينة حسياء الصناعية بريف حمص، وفوزه في الانتخابات التي انتهت أواخر أيار الماضي.
وقال الأسد، إن سبب زيارته إلى مدينة عدرا التأكيد على أولوية الاقتصاد في المرحلة المقبلة، وكيفية تجاوز العقبات التي تواجه القطاع الإنتاجي بشكل عام في سوريا.
تعمّد الأسد خلال زيارته الأخيرة مدح رجال الأعمال المؤيدين لسلطته، مقابل بثّ رسائل سلبية ضد رجال الأعمال الذين خرجوا من البلاد، واعتبر أن رأس المال لا يكفي في ظروف الحرب “لبناء الوطن والاقتصاد”، إنما يحتاج أيضًا إلى “الإرادة والحس الوطني”.
ووعد الأسد الصناعيين “الأوفياء” بالدعم من قبل “الدولة”، وأنها ستكون إلى جانبهم، “وهم يستحقون كل الدعم، لأنهم يخوضون الحرب على جبهة عمل وجبهة حرب اقتصادية”، بحسب تعبيره.
إصرار على التصنيف: منسجمون أو لا
علّق رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سوريا”، الدكتور أسامة القاضي، على تصريح الأسد بقوله، إن “النظام السوري يصر على تصنيف الناس في كل مرة بين منسجمين ومندمجين في سوريته المفيدة، وغير منسجمين مع حالة المقاومة الزائفة”.
وأوضح القاضي، في حديث إلى عنب بلدي، أن الأسد يريد إرسال رسائل بأن بقاء المستثمر وسط الفساد، وسوء إدارة الأزمة، ودخول الميليشيات والجيوش الأجنبية، وتقسيم سوريا إلى ثلاث مناطق نفوذ، يعد من “الوطنية”، بينما الذي خرج لينقذ جزءًا من ثروته ويبقي على نشاطه “خائن للوطن” لأنه غادر تحت القصف والحرب.
وهذا يدل على قصور في التحليل، ويبث رسائل سلبية إلى رجال الأعمال والصناعيين، حتى الموالين للنظام، بأن هذه العقلية منفرة وليست عقلية جامعة، وليست دولة لكل الشعب السوري، وهي تسهم أكثر وأكثر في تشظي الاقتصاد السوري وضعفه، حسب قول القاضي.
الأسد قال إنه غير متفاجئ مما اعتبره “الحس الوطني” لدى رجال أعماله، وقدرة القطاع الإنتاجي على الاستمرار أمام سنوات الحرب والعقوبات.
ولم يغب عن حديث الأسد ما سمّاه “الروح الوطنية”، التي “لمسها من القائمين على العمل”، معطية له “مقارنة عفوية”، على حد قوله، بالفارق بين رجال الأعال الداعمين، وبين من خرجوا من سوريا.
“الروح الوطنية” لرجال أعمال الأسد تعطي برأيه العديد من الرسائل، أولاها مقارنة بين من “زج المال الوطني في ظروف صعبة من أجل خلق فرص عمل ودعم الاقتصاد”، وبين أشخاص “فروا من الأيام الأولى عندما ظهرت بوادر الحرب”، معتبرًا أنهم “أخذوا رأس المال الذي جمعوه في بلدهم وهاجروا”.
خيانة للمواطن!
لم يغب عن خطاب الأسد المواطن السوري، واصفًا إياه بأنه “دخل منذ بداية الأزمة في نفق أمني اقتصادي ومعيشي، وكان يعتقد (المواطن) أن هناك الكثير من الإخوة الذين سيقومون بمد اليد ليساعدوه”، وانطلق الأسد من واقع المواطن لتحميل رجال الأعمال مسؤولية تدهور حالة السوريين الاقتصادية، معتبرًا أنهم بخروجهم من سوريا “خانوا المواطن”.
يرسل ذلك عدة رسائل، بحسب رؤية الأسد، الأولى للذين يمتلكون إمكانيات وموارد لكن تنقصهم الشجاعة وروح المبادرة كي يتحركوا ليبدؤوا بالعمل والإنتاج، في مواجهة رسائل من الخارج محمّلة بالإحباط وسوء النيات أو التي تأتي من الداخل التي تحمل الكثير من الكسل والاتكالية والأمل والثقة من تمكن القطاع الصناعي رغم الخسائر، بحسب تعبيره.
وقال الدكتور أسامة القاضي، إن الأسد يعتقد في خطابه أن ذلك يبث الروح الوطنية في قلب الصناعيين “المغلوب على أمرهم داخل سوريا”، فـ”من بقي ضمن النشاط الاقتصادي في مناطق سيطرة النظام، إما مغلوب على أمره ولا يريد أن تفنى كل ثروته، خاصة إذا كانت قيمتها محدودة ولا يستطيع إنشاء صناعة أو تجارة خارج سوريا، وإما هو من المستفيدين من النظام السوري”.
ولا شك أن هناك “رجال أعمال وطنيين يحاولون جهدهم داخل سوريا ضمن الإمكان، ويبقون على الحد الأدنى من نشاطهم الاقتصادي”، برأي القاضي.
يدعم الصناعيين بالكلام فقط.. أين الكهرباء
تكلم الأسد عن الإرادة والحس والروح الوطنية لكنه لم يتطرق إلى الحل الفعلي لمشكلات الصناعيين، والأمور التي تسبب تعطيل أعمالهم، كارتفاع أسعار المحروقات، وانقطاع الكهرباء، وتذبذب سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأخرى، والخسائر المتتالية في قيمتها.
وكانت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك رفعت سعر طن الفيول من 290 ألف ليرة سورية إلى 333 ألفًا و500 ليرة (الليتر من 300 إلى 650 ليرة) في كانون الأول 2020، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف إنتاج المواد الغذائية والصناعية المستخدمة للمازوت، خاصة مع اعتمادها عليه بشكل أكبر نتيجة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة.
كما رفعت الوزارة سعر البنزين ثلاث مرات منذ بداية العام الحالي ليصبح سعر الليتر 2500 ليرة.
وتشهد المناطق الصناعية في سوريا انقطاعًا متواصلًا للتيار الكهربائي بحجة التقنين والضغط على الشبكة الكهربائية، ما يجعل المصانع تعتمد على المولدات الخاصة التي تعمل بالمازوت.
وقررت وزارة الكهرباء، في كانون الثاني الماضي، تطبيق تقنين الكهرباء على المناطق الصناعية في منطقة عدرا بريف دمشق، وحسيا بريف حمص، والشيخ نجار بريف حلب، بعد أن كانت مستثناة منه.
وقال مدير كهرباء دمشق، هيثم الميلع، في حديث إلى إذاعة “المدينة إف إم” المحلية، في 20 من كانون الثاني الماضي، إن الأحمال الزائدة على الشبكة الكهربائية أدت إلى نزول قواطع التشغيل وانقطاع التيار الكهربائي في دمشق.
العوائق أمام الصناعيين لا تتوقف على تأمين البنية التحتية لهم، بل تصل إلى منعهم من ممارسة نشاطهم، كحال صناعيي منطقة القابون الصناعية في دمشق، الذي مُنعوا من العمل ولم يُسمح لهم بترميم معاملهم والبدء بالإنتاج.
وتذرعت محافظة دمشق بمنع الصناعيين من العودة، بأن المنطقة الصناعية تضررت بنسبة 80% نتيجة المعارك التي شهدتها المنطقة، إلا أن الصناعيين كشفوا، خلال لقائهم مع مسؤولي المحافظة في أيلول 2018، أن نسبة الدمار لا تتجاوز 10%، وذلك بالاستناد إلى تقييم نقابة المهندسين ووزارة العدل السورية.
ونُظمت منطقة القابون الصناعي بالمصوّر التنظيمي رقم “104” (تنظيم مدخل دمشق الشمالي)، وصُدّق من قبل وزارة الأشغال العامة والإسكان بالقرار رقم “2717” بتاريخ 3 من تشرين الأول 2019.
وجُمدت رخص الترميم التي تقدم بها الصناعيون بـ”الرفض الشفهي”، وهي بانتظار قرار رسمي للعودة، وإعادة تركيب محولات الكهرباء المسحوبة من المنطقة، بحسب ما نقلته صحيفة “الثورة” الحكومية، في شباط الماضي، عن رئيس لجنة منطقة القابون الصناعية، عاطف طيفور.
الصناعي مجد شمشان عضو اتحاد غرف الصناعة السورية قال إن رفع سقف القروض للصناعيين، ومنحها لهم على شكل دفعات، واستيراد الآلات وإنشاء خطوط إنتاج، إضافة إلى تأمين الكهرباء على مدار الساعة، يمكنها أن تحقق إنعاشًا للاقتصاد.
وبحسب ما نقله موقع قناة “الميادين“، المقرب من النظام، عن الصناعي مجد شمشان، لم ينفَّذ أي من ذلك من قبل أصغر السلطات إلى رأس الهرم، الذي لم يرَ منه الصناعيون سوى التصريحات.
الباحث البريطاني في معهد “الشرق الأوسط” تشارلز ليستر، وصف الاقتصاد السوري من خلال مقالة في صحيفة “الشرق الأوسط” بأنه “في حالة إنهاك شديدة يُرثى لها، ممزق إثر صراع داخلي لا يمكن تحمله، ومهلهل بسبب الفساد العميق المستشري في كل أوصاله، ومنهار للغاية”.
ويعاني السوريون في مناطق سيطرة النظام من عدة أزمات اقتصادية ومعيشية تثقل كاهلهم، في ظل غياب التغيير في سياسات حكومة النظام الاقتصادية والمالية، رغم استمرار وعودها منذ سنوات بانفراج الأزمات.