زينب مصري | حسام المحمود | ديانا رحيمة
“إذا انقطعت المساعدات، شو منعمل؟ منسرق؟ أنا ما بقدر أسرق! إذا ما اجتنا معونة ما مناكل، وشغل ما في”.
يستحضر محمد الأحمد من نازحي مخيمات الشمال السوري، الخيار المتبقي أمامه، والذي لا يستطيع اللجوء إليه، في حال توقف تدفق المساعدات الغذائية والإنسانية عبر معبر “باب الهوى” مع احتمالية إغلاقه.
محمد، مدير مخيم “المحمود” في ريف إدلب، لديه زوجتان وعشرة أطفال، يعتمدون بشكل كلي على المعونات الإغاثية، إلى جانب ليرات يسعى أبناؤه لاكتسابها إذا توفر لهم عمل لشراء الخبز اليومي، لكن معيشة العائلة مهددة بمنع وصول هذه المعونات عبر المعبر.
كمحمد، ترتبط آمال كثير من السوريين في شمال غربي سوريا بجلسة مجلس الأمن المقرر انعقادها في 10 من تموز المقبل، لتناقش مصير معبر “باب الهوى”، آخر المعابر الحدودية التي يتدفق منها الغذاء والمساعدات الإغاثية الأممية إلى السوريين في الشمال.
لكن هذه الآمال قد يخيّبها اعتراض روسي أو صيني، أو اعتراض مزدوج لكليهما معًا، ما يعني إيقاف إدخال المساعدات عبر المعبر على غرار ما اتبعته روسيا لإغلاق المعابر الإنسانية السابقة.
في هذا الملف، تسلّط عنب بلدي الضوء على السيناريوهات البديلة والحلول المطروحة، والتأثيرات المحتملة لإغلاق معبر “باب الهوى” على ملايين السوريين في الشمال السوري في ظل حاجتهم المستمرة إلى الدعم.
“باب الهوى”.. مصدر الغذاء الوحيد لنازحين في الشمال السوري
محمد الأحمد عاطل عن العمل، تحتاج عائلته يوميًا إلى 20 ليرة تركية لشراء الخبز، ويحصل على المساعدات كل أربعة أو خمسة أشهر، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
“إذا انقطعت المساعدات الناس بتموت من الجوع”، قال محمد، مشيرًا إلى أن العديد من العائلات وخاصة النساء والأطفال دون معيل يعتمدون على المعونات الواردة عبر الحدود.
حياة الأحمد، سيدة نازحة من ريف حلب الجنوبي إلى مخيمات ريف إدلب منذ سنة تقريبًا، معيلة لأسرة مكونة من 15 فردًا، تعتمد أيضًا على المعونات مع غياب الدخل وندرة فرص العمل.
“نعيش من قلة الموت وأنا لا أمزح، الأطفال أكثر الأيام ينامون دون عشاء”، إذ لم تحصل حياة على سلة غذائية منذ نحو شهرين، متسائلة عمّا ستؤول إليه حال أطفالها إذا انقطعت المعونة بشكل كامل، بحسب ما قالته لعنب بلدي.
وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، هناك حاجة إلى أكثر من عشرة مليارات دولار لعام 2021، من أجل دعم السوريين المحتاجين بشكل كامل، لتخصيص 4.2 مليار دولار على الأقل للاستجابة في سوريا، و5.8 مليار دولار لدعم اللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة لهم في المنطقة.
وبحسب ما نشره “برنامج الأغذية العالمي” التابع للأمم المتحدة عبر “تويتر“، في 1 من أيار الماضي، فإن 4.8 مليون شخص سوري يعتمدون على المساعدات الغذائية من البرنامج الأممي للبقاء على قيد الحياة، بالتزامن مع فقدان 84% من العائلات السورية مدخراتها بعد عقد من الصراع.
وكان فريق “منسقو استجابة سوريا” العامل في الشمال، حذر في بيان صادر في 3 من حزيران الحالي، من تداعيات إغلاق معبر “باب الهوى” والتأثيرات الإنسانية والاقتصادية التي قد تنجم عن ذلك.
ولفت البيان إلى حرمان 1.8 مليون شخص من المساعدات الغذائية، وحرمان أكثر من 2.3 مليون شخص من الحصول على المياه النظيفة ومياه الشرب، بالإضافة إلى انقطاع دعم مادة الخبز في مئات المخيمات، وحرمان أكثر من مليون نسمة من الحصول على الخبز بشكل يومي.
ومن الناحية الطبية، أشار البيان إلى احتمالية تقليص عدد المستشفيات والنقاط الطبية الفعالة في الوقت الحالي إلى أقل من النصف في المرحلة الأولى، وإلى أقل من 80% في المرحلة الثانية، بالإضافة إلى ارتفاع أعداد الإصابات بفيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) إلى مستويات قياسية جراء حرمان المراكز الطبية من تقديم خدماتها.
استمرار عمل المعبر مهدد بـ“فيتو” روسي
أمام تفاقم الوضع الإنساني في سوريا، أقر مجلس الأمن الدولي عام 2014، إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا من خلال أربعة معابر حدودية برية، تشمل معبري “باب الهوى” و”باب السلامة” الحدوديّين مع تركيا، ومعبر “اليعربية” الحدودي مع العراق، ومعبر “الرمثا” على الحدود مع الأردن.
واستمرت فاعلية القرار المتعلق بإدخال المساعدات إلى سوريا ست سنوات، بعد تجديده أكثر من مرة، حتى انتهت في تموز 2020، حين استخدمت روسيا والصين حق “النقض” (الفيتو) مرتين خلال أسبوع واحد، في سبيل سد طريق المساعدات الإنسانية عبر المعابر الحدودية التي لا يسيطر عليها النظام السوري.
وفي كانون الثاني 2020، اعتمد مجلس الأمن القرار “2504”، القاضي بإغلاق معبري “اليعربية” و”الرمثا”، وتمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر معبري “باب الهوى” و”باب السلامة” فقط، ولمدة ستة أشهر.
وكانت روسيا والصين استخدمتا حق “الفيتو” في تموز 2020، لمنع إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود دون موافقة النظام، ثم أعادتا استخدامه للاعتراض على مشروع قرار بلجيكي- ألماني، ينص على تمديد الموافقة على إدخال المساعدات عبر معبري “باب الهوى” و”باب السلامة” لمدة عام كامل، ومن خلال معبر “اليعربية” بشكل استثنائي لمدة ستة أشهر.
وذكر مشروع القرار أن “أكثر من 11 مليون سوري يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وأن الآلية العابرة للحدود تبقى حلًا عاجلًا ومؤقتًا لتلبية احتياجات السكان”.
إلا أن الصين وروسيا رفضتا مشروع القرار قبل أن تقدم الأخيرة مشروع قرار ينص على إدخال المساعدات عبر “باب الهوى” فقط، ولمدة ستة أشهر، وهو ما رفضه حينها سبعة أعضاء في مجلس الأمن.
وبناء على ذلك، فالمعبر الوحيد الذي يشكّل متنفس السوريين وبوابة إدخال المساعدات الإنسانية لهم هو معبر “باب الهوى”، شمال غربي سوريا، على بعد نحو 33 كيلومترًا عن مدينة إدلب، وهو الجانب السوري من معبر “جيلفا جوزو” التركي.
ويهدف النظام من إغلاق المعابر الحدودية إلى التحكم بملف المساعدات واللجوء إلى فتح معابر داخلية لإيصالها، وسط مخاوف من استعمال النظام لهذه المساعدات وسيلة انتقام وتجويع وحصار للسوريين في الشمال، أو لأغراض تجارية في ظل واقع اقتصادي هشّ تعيشه المناطق التي يسيطر عليها.
العمل الإغاثي في الشمال مرهون بالمساعدات
يواجَه الحديث عن احتمالية إغلاق معبر “باب الهوى” بقلق متصاعد من السوريين في شمال غربي سوريا (المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية)، بالإضافة إلى تحذيرات المنظمات الإغاثية والإنسانية من وقوع كارثة إنسانية في حال أُغلق المعبر بوجه المساعدات، وتولى النظام السوري إدارة المساعدات بنفسه، وهو ما تسعى موسكو لتحقيقه.
باحثة سوريا في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، سارة كيّالي، قالت في حديث إلى عنب بلدي، إنه رغم الإلحاح من قبل المجتمع الدولي ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، على الحاجة إلى إبقاء المعابر مفتوحة، لم تقدم روسيا أي مؤشرات حول عدم استخدام “الفيتو” في الجلسة المنتظرة، وبالتالي احتمالية عرقلة إبقاء المعبر مفتوحًا أمام المساعدات.
ولفتت كيّالي إلى أن 85% من المساعدات التي تصل إلى الشمال السوري تعتمد على معابر تستخدمها الأمم المتحدة، يشمل ذلك الخدمات والرواتب ودعم المنظمات المحلية الإنسانية، وأن إغلاق المعابر يعني انهيار منظومة مساعدات الأمم المتحدة للشمال السوري بالكامل، من ناحية الدعم والمراقبة والمساعدات التي يجري توفيرها.
من جانبه، قال المدير التنفيذي لمنظمة “بنفسج” العاملة في الشمال السوري، هشام ديراني، في حديث إلى عنب بلدي، إن الشمال السوري يضم أكثر من أربعة ملايين سوري، يعيش 1.8 مليون منهم في المخيمات وفي مناطق غير صالحة للسكن، تعتبر المساعدات شريان الحياة بالنسبة لها وللمنطقة ككل.
ووفقًا لديراني، فإن تعثر وصول المساعدات سيعرقل ويجمّد النشاط الإغاثي ويجعله محصورًا بما يصل من مساعدات عن طريق النظام، ما يعني وضع السكان تحت الحصار.
وحول جدوى وصول المساعدات إلى مناطق النظام، وإمكانية استفادة المقيمين شمال غربي سوريا منها، أكد ديراني أن تاريخ النظام يجعل من المستحيل القبول بوضع المساعدات في يده وتحت إمرته، لأنه سيستخدمها كسلاح حرب ضد السكان، دون وجود حلول بديلة لهم.
وأكد ديراني أن غياب المساعدات الأممية سيُحدث فجوة في العمل الإنساني والإغاثي في الشمال السوري، وسيوقف معظم العمليات الإغاثية، لافتًا إلى عدم وجود أي حل بديل عن إبقاء المعبر مفتوحًا.
وعمد النظام خلال سنوات الثورة، وبشكل مثبت لدى الداعمين والأمم المتحدة، إلى التحكم بالمساعدات وتسييسها، إضافة إلى رفض وتعطيل كثير من العمليات الإغاثية التي طلبتها وكالات الأمم المتحدة، والتحكم بمحتوى القوافل الإغاثية ومواعيد تسييرها وأماكن تقديم المساعدات، وحصار النظام للمدن والأحياء السكنية خلال الثورة دليل على ذلك، بحسب ديراني.
ويشكّل القطاع الطبي والصحي القسم الأكبر من المساعدات الإنسانية خلال العام الحالي، بسبب تزايد الاهتمام بالوضع الصحي عمومًا بالتزامن مع تفشي فيروس “كورونا” في العالم.
وبيّن ديراني أن أكثر من 1.9 مليون شخص استفادوا من المساعدات الصحية والطبية، عبر المستشفيات والمستوصفات، مؤكدًا أن 97% من المقيمين في شمال غربي سوريا غير قادرين على تأمين الحد الأدنى من احتياجات الطعام، وأن 63% ليس لديهم وصول إلى مياه نظيفة للاستخدام والشرب.
حملات مدنية للضغط والتأثير
وحول الجهود التي يقوم بها المجتمع المدني، انطلقت مؤخرًا حملة “شريان الحياة” التي تنادي وتسعى لإبقاء معبر “باب الهوى” مفتوحًا، باعتباره يشكّل شريان حياة يغذي المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري.
مديرة الحملة، ياسمينة البنشي، قالت إن الحملة تخاطب المجتمع الغربي بناشطيه الحقوقيين وناشطي المجتمع المدني في سبيل تأثيرهم على حكوماتهم بهدف ممارسة الضغط للتوصل إلى قرار يوقف إغلاق المعابر.
وفي حديث إلى عنب بلدي، أوضحت البنشي أن الهدف من إطلاق الحملة هو الضغط على المنظمات الدولية لتضغط بدورها على أصحاب القرار، لافتة إلى أن إغلاق معبر “باب الهوى” يعني تحكم النظام بدخول المساعدات، والمواد المقدمة، وحصول النظام على معلومات حول المستفيدين من المساعدات، والعاملين في القطاع الإغاثي، لا سيما لمن يسكن ذووهم في مناطق سيطرة النظام.
وأكدت البنشي أن الحملة ركزت على أنشطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي في ما يسمى بـ”المناصرة الإلكترونية”، واستثمار المناسبات والوقفات الاحتجاجية لرفع لافتات ورسم جداريات باسم الحملة، كما يجري الإعداد والتجهيز لنشاط مدني ووقفة احتجاجية أمام مقر الأمم المتحدة في جنيف، بالتزامن مع انعقاد جلسة مجلس الأمن التي ستحدد مصير المعابر، في تموز المقبل.
كما حذرت من الكوارث الطبية المحتملة في حال أُغلق “باب الهوى”، لا سيما انتشار فيروس “كورونا”، وعدم توفر العلاج للمرضى، بالإضافة إلى أضرار قد تلحق في العملية التعليمية ومختلف الأمور الحياتية، ما سيسفر بدوره عن حالات نزوح وهجرة متوقعة.
وفي حديث سابق إلى عنب بلدي، حذر الباحث الاقتصادي الدكتور راتب شعبو، من تفشي الفقر والجوع ووصولهما من مناطق سيطرة النظام إلى مناطق الشمال السوري في حال تغيير مسار المساعدات، وتسليمها إلى النظام السوري عبر معابر رسمية يسيطر عليها، كما لفت الباحث الاقتصادي إلى أن المساعدات لا تحقق الاكتفاء للأسرة السورية وهي فقط تسد الرمق.
ما الحلول أمام تحويل مسار المساعدات إلى دمشق؟
مع اقتراب موعد انعقاد جلسة مجلس الأمن التي ستحدد مصير “باب الهوى”، يواجه السوريون في الشمال ثلاثة سيناريوهات محتملة لما سيؤول إليه حال المعبر، فإما أن يُغلق ويتحول طريق المساعدات إلى دمشق، وإما تُفتح منافذ جديدة تُستخدم في إيصال المساعدات، وإما يستمر الوضع الحالي كما هو عليه.
ومع وجود هذه الاحتمالات، يجري البحث عن حلول بديلة لتخفيف نتائج “الكارثة” الإنسانية التي سيتسبب بها إغلاق المعبر.
المدير الإداري لمنظمة “بنفسج”، مالك الزين، تحدث لعنب بلدي عن حلول، من ضمنها أن يكون الشراء من تركيا والتسلّم في سوريا عن طريق التجار.
وتشمل الحلول، بحسب الزين، توجيه المنظمات والجهات التي تعمل بالإغاثة باتجاه الأعمال التمكينية، كالاستثمار بقضايا البنية التحتية ومشاريع التدريب المهني ومشاريع المهن المتعددة والصغيرة، والاعتماد على موارد المجتمع وبرامج تمكين الشباب، وزيادة مخزون الطوارئ.
كما تشمل زيادة التنسيق بين المنظمات وتعزيزه من خلال تجنب تقديم الخدمة ذاتها بنفس المكان، كأن تقدم أكثر من منظمة خدمة واحدة لجانب واحد، لتقديم الخدمات بشكل تكاملي.
ويرى الزين أن الحلول البديلة المطروحة لتخفيف الكارثة الإنسانية في حال إغلاق المعبر، وليس لحل المشكلة، هي الاعتماد على الطرق التجارية لإدخال المساعدات أو الشراء من السوق المحلية والتوسع بمشاريع “الكاش” بجميع أنواعها (كاش فور ورك، كاش لمرة واحدة، كاش لأجل التعليم).
هل يحل المنفذ مكان المعبر في حال الإغلاق؟
من جهته، ميّز الباحث السوري عبادة العبد الله، في حديث إلى عنب بلدي، الفرق بين المعابر الحدودية المعترف بها دوليًا وبين المنافذ الحدودية التي يمكن أن يتم اعتمادها لإدخال المساعدات الإنسانية في حال إغلاق معبر “باب الهوى”.
وعرّف الباحث المعبر الحدودي الدولي، بأنه نقطة محددة تعمل كنقطة ربط بين الدول، ويتم الاتفاق على آلية عملها والإجراءات التنظيمية الخاصة بها بشكل مسبق بين الدولتين، ويتم تنظيم هذه الآلية وفق اتفاق رسمي تعترف به الدولتان، يحدد شروط وآلية حركة الأفراد والبضائع والمواد الأخرى، وهو هيئة قائمة بحد ذاتها ولها اعترافها الإداري والتنظيمي والأمني.
بينما يصنف المنفذ الحدودي على أنه عبارة عن نقطة عبور غير متفق عليها بين الدولتين، أو منظمة من قبل دولة واحدة أو من قبل جهتي سيطرة على جانبي المنفذ.
وبحسب العبد الله، غالبًا ما تكون هذه المنافذ طارئة وغير مستقرة مكانيًا أو إداريًا، ولا تشمل بالضرورة في إجراءاتها التنظيمية الطارئة جميع معطيات المعبر الحدودي الدولي.
وتحتاج المعابر غير الدولية إلى موافقة مسبقة من مجلس الأمن، وفي السياق السوري فالأمر غير وارد، لأن آلية دخول المساعدات الإنسانية تحتاج إلى ثلاثة أطراف (جهتا السيطرة أو الحكم على جانبي المعبر، إضافة إلى الجهة التي تقدم المساعدات).
وفي حالة منظمات الأمم المتحدة فهي لن تستطيع العمل عبر المنافذ غير الرسمية حاليًا، ولا يوجد لديها خيار إلا بتمديد آلية عمل معبر “باب الهوى” الحدودي.
وتضغط روسيا لعدم تمديد الآلية الدولية لعمل المعبر كنقطة لإدخال المساعدات، ما سيؤثر على عمل منظمات الأمم المتحدة والمنظمات المحلية التي تعمل بشكل كامل تحت غطاء أو بتمويل من منظمات الأمم المتحدة.
الباحث السياسي أنس الشواخ، قال لعنب بلدي، إنه من الممكن اعتماد هذه المنافذ الحدودية، حالها كحال معبري “فيش خابور” (سيمالكا) و”الوليد” في الحسكة، أي أن تُستخدم هذه المعابر لإدخال المساعدات، ولكن خارج قرار مجلس الأمن والتنسيق مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
وبحسب الشواخ، يوجد العديد من المنظمات الدولية التي تعمل خارج نطاق “الأوتشا”، كما هي الحال في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”، فهناك منظمات وجهات رسمية كصندوق الائتمان التابع للتحالف الذي يعلن عن مناقصات في الأردن والعراق، ومن ثم يقوم بالتوريد إلى الداخل السوري عبر معبر “سيمالكا”.
ما قانونية اعتماد المنافذ؟
رئيس منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، قال لعنب بلدي، إنه إذا صدر قرار من مجلس الأمن بتوافق دولي شرعي على إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود، فمن الممكن اعتماد المنافذ الحدودية وسيلة لإدخال المساعدات.
وذلك لأن الغاية من القرارات الصادرة عن الدول، بحسب الأحمد، هي مرور المساعدات دون موافقة حكومة النظام السوري، بغض النظر عما إذا كان المعبر رسميًا أو غير رسمي.
ويرى الأحمد أنه في حال استخدام المعابر الداخلية مع النظام، فلا توجد ضمانات بإيصال المساعدات إلى المدنيين عن طريقه، لأن النظام سيقوم بتقوية نفسه ومنح المساعدات للأحياء الموالية له، وهذا ما تفعله القوى المسيطرة بشكل عام، استغلال الظروف الإنسانية لتزيد من نفوذها وتتحكم بالمنظمات.
جهود أمريكية في قضية المعابر
مع إصرار روسيا على حصر دخول المساعدات عبر مناطق نفوذ النظام السوري، برزت الجهود الأمريكية المضادة للمساعي الروسية، بدعوات إلى إعادة افتتاح معابر أُغلقت سابقًا، بالإضافة إلى دعوات لاستمرار العمل بـ”باب الهوى”، قابلها رفض من النظام الذي اعتبرها انتهاكًا لسيادته.
ففي 30 من آذار الماضي، دعا وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى إعادة فتح “باب السلامة” المعبر الحدودي الثاني مع تركيا، الذي كان يُستخدم لإيصال المساعدات إلى نحو أربعة ملايين سوري، ومعبر “اليعربية” مع العراق الذي جلب المساعدات إلى 1.3 مليون سوري في الشمال الشرقي، والذي تسيطر عليه “قسد” المتحالفة مع الولايات المتحدة.
وخلال زيارتها التي جرت في 4 من حزيران الحالي لـ“باب الهوى”، أكدت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، أن إغلاق آخر المعابر الإنسانية إلى سوريا يمكن أن يتسبب في “قسوة لا معنى لها” لملايين السوريين.
وقالت السفيرة، إنه “لولا هذا المعبر الحدودي سيموت السوريون”، مجددة الدعوة إلى مجلس الأمن الدولي لتمديد الإذن بتسليم المساعدات الإنسانية عبر الحدود.
وأعلنت تقديم بلادها نحو 240 مليون دولار في شكل تمويل إنساني إضافي لشعب سوريا وللمجتمعات المضيفة.
لكن مندوب النظام السوري الدائم لدى الأمم المتحدة، بسام صباغ، اعتبر أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها، يمارسون ابتزازًا سياسيًا وإنسانيًا، بإرسال المساعدات الإنسانية عبر الحدود.
وقال صباغ، إن بعثة النظام في الأمم المتحدة، تعمل على شرح موقفها لـ”الأصدقاء” في مجلس الأمن، والتوضيح بأن آلية إدخال المساعدات عبر الحدود، لا تحترم معايير الحفاظ على سيادة واستقلال الأراضي السورية، التي تأتي في مقدمة كل قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بسوريا، مجددًا رفض دمشق تمديد آلية إدخال المساعدات عبر الحدود، مع مطالبات بأن تكون هي “مركز العمل الإنساني”.
وكانت روسيا اقترحت، في آذار الماضي، افتتاح ثلاثة معابر بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة المعارضة شمالي سوريا، وذلك بعد استهداف الروس محيط معبر “باب الهوى” وشركة “وتد” للمحروقات في إدلب ومستشفى بريف حلب الغربي، عقب استهداف أسواق النفط في ريف حلب.
وحدد المقترح الروسي فتح معابر في مناطق سراقب وميزنار شرقي إدلب، ومعبر “أبو الزندين” شمالي حلب، بحسب ما أوردته وكالة “سبوتنيك” الروسية، كما تضمّن “تنظيم دخول البضائع الإنسانية وخروج اللاجئين”، اعتبارًا من 25 من آذار الماضي.
كما حاولت مع النظام فتح معابر مع مناطق سيطرة المعارضة بعد اتفاق “موسكو” في 5 من آذار 2020، لكن الأمر لم يلقَ قبولًا لدى أهالٍ في مناطق سيطرة المعارضة.
المعابر بين ملفات قمة بوتين وبايدن
مؤخرًا، اتجهت أنظار السوريين إلى اللقاء الذي جمع بين أكبر زعماء القوى العالمية المسيطرة على الصراع القائم في الساحة السورية، الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في 16 من حزيران الحالي، في العاصمة السويسرية، جنيف، آملين أن تكون هذه القمة وسيلة لوقف الكارثة الإنسانية المقبلة في حال إغلاق آخر معبر لدخول المساعدات الإنسانية.
وأوضح بايدن خلال مؤتمر صحفي عقب اللقاء، أنه أكد لبوتين الحاجة الملحة إلى الحفاظ على الممرات الإنسانية، وإعادة فتح المعابر المغلقة في سوريا، لإدخال “مجرد طعام بسيط، وضروريات أساسية لمن يتضورون جوعًا حتى الموت”، بحسب تعبيره.
لكن هذا التأكيد الأمريكي لم يؤمّن التزامًا من بوتين خلال لقائهما، بتجديد عملية الأمم المتحدة لتقديم المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز” للأنباء عن مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية.
وقال المسؤول الأمريكي عقب الاجتماع بين بايدن وبوتين في جنيف، “لم يكن هناك التزام، لكننا أوضحنا أن هذا له أهمية كبيرة بالنسبة لنا إذا كان هناك أي تعاون إضافي بشأن سوريا”، واصفًا التجديد المرتقب بأنه اختبار لما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة وروسيا العمل معًا.
لا علاقة للأسد.. القرار روسي
وكان بوتين تطرق إلى قضية العابر السورية، في 14 من حزيران الحالي، خلال مقابلة له مع قناة “NBC” الأمريكية، قبل انعقاد القمة بيومين، قائلًا إن تقديم المساعدات الإنسانية يجب أن يجري “عبر الحكومة المركزية للبلاد، وإلى جميع سكان المناطق في سوريا دون تمييز”، بحسب ما نقلته قناة “روسيا اليوم“.
وأشار إلى أن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ليست له علاقة في أمر المساعدات، ردًا على ما تقوله أمريكا وأوروبا عن أنهم لن يساعدوا الأسد.
ودعا بوتين إلى وضع المساعدات تحت سيطرة “الصليب الأحمر” و”الهلال الأحمر الدولي”، لنفي الاعتقادات بأن حكومة النظام سوف تسرق أو تنهب المساعدات، إذا حصرت طرق إدخالها عن طريق مناطق نفوذها.
ويُنظر إلى الاجتماع على أنه محاولة من كلا البلدين لوضع قواعد أساسية لتخفيف التوترات في أعقاب عقوبات بسبب تدخل موسكو المزعوم في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020، وحشد متبادل من طرد الدبلوماسيين.
وكخطوة أولى مهمة، اتفق الزعيمان على إعادة سفيريهما إلى واشنطن وموسكو بعد استدعائهما للتشاور في وقت سابق من العام الحالي.
سوريا وليبيا سواء في حديث بايدن
من جانبه، خلط الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، بين ليبيا وسوريا ثلاث مرات في أثناء مناقشته قضية وصول المساعدات الإنسانية إلى كل من البلدين.
وقال بايدن في المؤتمر الذي عُقد في 13 من حزيران الحالي، في أثناء مناقشته إمكانية العمل مع روسيا على تقديم “مساعدة حيوية” لـ”ليبيا” (قاصدًا سوريا)، إن الشعب السوري “يعاني من مشكلة حقيقية”.
تجاهل مساعدو بايدن الزلة الواضحة، قائلين إنه كان يقصد سوريا عندما قال ليبيا، ما أثار سخرية على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي.
ورد بوتين على الانتقادات التي طالت بايدن قائلًا، “أريد أن أقول إن صورة الرئيس بايدن التي ترسمها صحافتنا وحتى الصحافة الأمريكية لا علاقة لها بالواقع”.
وبرر لبايدن أنه كان في رحلة طويلة، وكان عليه أن يتعامل مع فارق التوقيت، ومع ذلك بدا مبتهجًا، وتحدثا وجهًا لوجه لمدة ساعتين أو ربما أكثر، بحسب قوله.