صابر الحلبي – حلب
عادت بتول إلى منزل أهلها في حي مساكن هنانو بمحافطة حلب، بعد فترة من غيابها عنه، لتقوم بترميمه من أجل الاستقرار فيه، لكنها تفاجأت بأن منزلها مرمم ومسكون من قبل عائلة اشترته من مكتب عقاري في المدينة، إذ عُرض للبيع بعد شرائه مسبقًا خلال أحد المزادات التي أجرتها “المؤسسة العامة للإسكان العسكري”.
حاولت بتول (التي تحفظت على نشر اسمها الكامل لأسباب أمنية) أن تعرف سبب انتقال ملكية منزل أهلها ضمن مزاد علني دون علمها بذلك، إذ توجهت إلى السجل العدلي وأمانة السجل العقاري ومكتب دائرة تسجيل العقارات والفروغ، وفق ما قالته لعنب بلدي.
“وبعد أيام علمت أنه تم وضع إشارة على منزل أهلي من قبل (مؤسسة الإسكان العسكري)، التي حجزت على المنزل بسبب أن أحد إخوتي عمل مع المعارضة المسلحة خلال وجودها في الحي”.
تدرك بتول، البالغة من العمر 34 عامًا، أن منزل أهلها هو حق لها، ومصدر هذا الحق هو الميراث، لذلك حاولت رفع دعوى لاسترجاع البيت، ولكن لم يقبل الطعن بقرار المحكمة الذي نص على تمليك المنزل لأشخاص آخرين ليسوا المالكين الأصليين، لتُصاب بخيبة أمل بعد “عدم استطاعتها استعادة شيء”.
الإعلان عن المزادات بعد الحجز على المنازل
تعلن “المؤسسة العامة للإسكان العسكري” عن مزادات لبيع شقق سكنية في مختلف أحياء حلب، خاصة الشرقية والجنوبية، التي كانت تخضع لسيطرة فصائل المعارضة المسلحة بين عامي 2012 و2016، ومعظم أصحاب هذه المنازل هجرها أصحابها بعد إجبارهم على الخروج أواخر العام 2016.
بيع الشقق السكنية يكون عن طريق المزادات حسب وضعها دون قيام مؤسسة “الإسكان العسكري” بإجراء ترميم أو صيانة للشقة أو المنزل المعروض للبيع، وفق ما قاله موظف مدني في “المؤسسة” لعنب بلدي.
وتُعرض الشقق السكنية للبيع بعد الحجز عليها بذريعة أن أصحابها قد أخذوا قروضًا من البنك ولم يقوموا بتسديدها، أو أن “أصحابها كانوا يعملون مع المعارضة، وقد تم الحجز عليها بعد دراسة أوضاعهم لأنهم تسببوا بإحداث أضرار مادية وبمقتل عسكريين ومدنيين”، وفق ما قاله الموظف في “المؤسسة”.
وفي حي السكري بمدينة حلب، بيعت منازل وشقق سكنية مؤخرًا في المزادات، بعضها مدمرة وبحاجة إلى ترميم، بحسب ما قاله الموظف (الذي تحفظ على نشر اسمه لأسباب أمنية).
وتدخل هذه العقارات والمحال التجارية المزاد العلني نتيجة الحجز عليها بعد عدم وفاء مالكيها ذممهم المالية، وفق قانون أصول المحاكمات المدنية السوري.
وقد يكون الحجز على المساكن التابعة لمؤسسة “الإسكان العسكري” بسبب ملكيتها من قبل ضباط منشقين، فتدخل المزاد العلني ليتم بيعها.
ولا يمكن بيع العقار في المزاد العلني إلا بعد تسجيله في السجل العقاري، وفق الأحكام الناظمة للسجل العقاري رقم “188” لعام 1926.
والمستفيد من هذه المزادات هم التجار، وفق ما يراه الموظف في مؤسسة “الإسكان العسكري”، الذين يقومون بعملية ترميم المنازل وتأهيلها للسكن، ومن ثم بيعها بأسعار مضاعفة لكسب الربح، وكل هذه العملية تكون “من دون علم أصحاب البيوت الأصلية” الذين هُجّروا أو توفوا أو اختفوا.
وتتمثل الاستفادة بأن المبلغ المدفوع للفوز بالمزادات يأتي لاحقًا بعد بيع المنزل، وذلك عن طريق المكاتب العقارية التي ترفع السعر، وبذلك، “يتم تعويض المبلغ المدفوع، وكذلك بيع المنزل أو الشقة بالمبلغ الذي يتم فرضه من قبل الدلال أو صاحب المكتب العقاري”، وفق ما قاله الموظف.
تسهيلات ورشى من المتقدمين للمزادات
تقدم طلبات الاشتراك بالمزادات في مقر “المؤسسة العامة للإسكان العسكري” في حي حلب الجديدة، وتكون هناك معاملة للتقديم من أجل الاشتراك بالمزاد.
وإذا لم تستوفِ المعاملة الشروط، تُرفَض بعدم تصديقها من ديوان “المؤسسة” وعدم توقيعها من الإدارة، لذلك يلجأ المشتركون لدفع مبالغ للموظفين من أجل إنهاء الإجراءات اللازمة وتصديق المعاملة.
وتقدر المبالغ المدفوعة للموظفين أو لرؤساء الأقسام من أجل تصديق المعاملة بحوالي نصف مليون ليرة سورية (158 دولارًا أمريكيًا)، وتتجاوز ذلك في بعض الأحيان، حسبما قال صاحب مكتب عقاري لعنب بلدي، شارك في أحد المزادات عن طريق دفع رشوة لموظفي “المؤسسة”.
اضطر صاحب المكتب العقاري الأربعيني إلى دفع مبلغ 700 ألف ليرة (218 دولارًا) من أجل تصديق معاملته للاشتراك بالمزاد الذي أعلنت عنه “المؤسسة” خلال نيسان الماضي.
منازل مجدولة للبيع ضمن المزادات
توجد مئات المنازل والشقق السكنية التي تتم جدولتها باستمرار من أجل بيعها عبر المزادات التي تجريها “المؤسسة العامة للإسكان العسكري”.
كما تتم جدولة منازل وشقق سكنية مدمرة ستزال لبناء مجمعات سكنية مكانها لمصلحة “الإنشاءات العسكرية” التابعة لـ”المؤسسة”.
وبحسب ما قاله موظف آخر في “المؤسسة” لعنب بلدي (تحفظ على نشر اسمه لأسباب أمنية)، فـ”المؤسسة” تشرف على بناء المجمعات السكنية التي يتم بيعها أو تقسيط تلك المنازل والشقق عبر دفاتر اكتتاب، وتكون أول دفعة مبلغ 50 ألف ليرة (15 دولارًا).
ولا يستطيع أغلبية أصحاب المنازل أو الشقق السكنية التي حُجز عليها تخليص ممتلكاتهم من إجراء الحجز، كما يعجز عن ذلك أقاربهم الذين يملكون فيها أسهمًا أو حصصًا، بسبب خوفهم من أي مضايقات أمنية قد يتعرضون لها جراء مطالبتهم بحقوقهم في تلك المنازل.
ويأتي الشعور بالخوف لدى المالكين وأقاربهم من إشراف فرع “الأمن العسكري” داخل مدينة حلب على المنازل والشقق السكنية التي يتم الحجز عليها لمصلحة “المؤسسة العامة للإسكان العسكري”.