منصور العمري
بلا وسائل إعلام حرة، لا يمكن للصحافة أن تكون مستدامة، وبلا الاستدامة المالية، لا يمكن أن تكون وسائل الإعلام حرة.
تواجه وسائل الإعلام السورية داخل سوريا وخارجها عدة تحديات، من أهمها التمويل والاستدامة، بما يؤثر على مدى حريتها واستقلاليتها، بالإضافة إلى التحديات الخطيرة التي تفرضها القوى المسيطرة في أنحاء سوريا على وسائل الإعلام والصحفيين والصحفيات، والتي تشمل الرقابة والرقابة الذاتية والتهديد والتحرش والابتزاز والاعتقال والقتل. ليست الصحافة السورية وحدها ما يعاني من هذه التحديات، إذ تواجه الصحافة في جميع أنحاء العالم تحديات وعوائق متنوعة حتى في الدول الديمقراطية. لهذا كان لا بد من العمل لمواجهة هذه التحديات وحماية الصحافة الحرة والجيدة.
أصدرت مجموعة عمل “منتدى الإعلام والديمقراطية” تقريرًا بعنوان “خطة جديدة للصحافة“، يضم برنامجًا طموحًا لمستقبل الصحافة. تتكون الخطة من سلسلة توصيات تهدف إلى ضمان ما يصل إلى 0.1٪ من الناتج المحلي الإجمالي للدول سنويًا للصحافة لحماية وظيفتها الاجتماعية في المستقبل.
تفرض الخطة الجديدة التزامًا كبيرًا على الصعيدين الوطني والدولي لضمان الوظيفة الاجتماعية للصحافة. يقول كريستوف ديلوار، رئيس المنتدى والأمين العام لمنظمة “مراسلون بلا حدود”: “تتكون الخطة الجديدة للصحافة من الربط بين نقاط مختلفة كانت منفصلة، مثل ربط كيفية تنظيم السوق، والبيئة التكنولوجية، وعمل الصحفيين، مع ممارساتها وأخلاقياتها المهنية. يشكّل هذا الربط إعادة بناء للصحافة، ليس بصفتها قطاعًا إعلاميًا، ولكن كعنصر أساسي لحرية الرأي والتعبير، استنادًا إلى الحق في الحصول على المعلومات”.
يترأس اللجنة التوجيهية لمجموعة عمل “منتدى الإعلام والديمقراطية” المعنية باستدامة الصحافة، راسموس نيلسن، مدير معهد “رويترز” لدراسة الصحافة في جامعة “أكسفورد”، وتتألف اللجنة من 17 اختصاصيًا دوليًا.
تمحور التقرير حول أربعة مجالات عمل هي: حرية الإعلام، واستقلال الصحافة، والمناخ الاقتصادي الملائم، ودعم النموذج الرقمي المستدام.
من بين توصيات التقرير:
· ضمان الشفافية الكاملة لملكية وسائل الإعلام كجزء من تدابير أوسع بشأن الشفافية ومكافحة الفساد والنزاهة المالية.
· تنفيذ المبادرات التي تسمح بتمييز الصحافة الجيدة، مثل مبادرة الثقة في الصحافة، لاستعادة الثقة بين جميع المعنيين.
· دعم واعتماد تدابير دولية لفرض ضرائب على المنصات الرقمية، مثل الحد الأدنى لمعدل الضريبة العالمي على الشركات، الذي اقترحته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
· تطوير التمويل المختلط للإعلام، والجمع بين التبرعات والدعم العام من خلال إنشاء أدوات مالية مختلطة بين القطاعين العام والخاص لوسائل الإعلام التجارية وغير الهادفة للربح.
· الحصول على التزام من الحكومات بإنفاق 1٪ من المساعدة الإنمائية الرسمية على دعم وسائل الإعلام المستقلة وبيئتها التمكينية.
· إنشاء آليات تسمح للمواطنين بدعم المؤسسات الإعلامية التي يختارونها (مثل القسائم الإعلامية، أو الإعفاءات الضريبية على الاشتراكات، أو تعيينات ضريبة الدخل).
· هيكلة التفكير في تأثير الذكاء الصناعي على الصحافة من خلال تضمين الصحافة والإعلام كقطاعات استراتيجية في استراتيجيات وخرائط خطط الذكاء الصناعي الوطنية.
يمكن للجهات المسيطرة في أنحاء سوريا دراسة التقرير بجدية والاستفادة منه لدعم حرية الصحافة واستدامتها، بما يدعم الالتزام بالقوانين الدولية لاحترام وحماية وتعزيز حرية التعبير وغيرها من الحقوق الأساسية. كما يمكن لهذه السلطات سد الفجوة بين الالتزامات المعلَنة والوضع الفعلي على الأرض من حيث حرية التعبير وحرية الإعلام وسلامة الصحفيين. يمكن مثلًا تطوير خطط عمل وطنية لسلامة الصحفيين، ودعم الشفافية الكاملة لملكية وسائل الإعلام، وتوفير سبل الدعم المالي غير المشروط.