خطيب بدلة
مخترع المسدس، صموئيل كولت، أمريكي، يعني، ليس من بلاد العُرب أوطاني، فنحن العُرب لم نخترع في العصر الحديث غير الاضطجاع، و”التَجْسيع” في المضافات، وأشعار المديح والفخر، وكثرة الزواج والإنجاب، بالإضافة إلى العنتريات التي أكد شاعرُنا نزار قباني أنها لم تقتل ذبابة.
قال صموئيل كولت عندما اكتمل اختراعه: “اليوم يتساوى الشجاع والجبان”. يعني، يا أبو الشباب، كل مَن يمتلك ثمن مسدس وقليل من “الفَشَك”، يستطيع أن يضرب ويقتل، ثم يشكُل وردة في عقاله، ويذهب إلى أقرب مخفر، ماشيًا بطريقة “خصلة وعنقود والباقي فراطة”، ويقول لرئيس المخفر: أنا قتلت فلانًا، أو فلانة.. وعندما يصدر الحكم بحبسه 15 سنة يهتف: يحيا العدل.
كان حريًا بمخترعي “فيسبوك”، ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، أن يقولوا: الآن يتساوى الفهمان مع الطَشَنة! فقد صار من حق أي واحد عنده “شقفة كمبيوتر أو لابتوب”، أو جوال (بيشتغل عَ اللَقّ.. يعني باللمس) أن يسب ويحشّك على أحسن زعيم سياسي، أو كاتب، سوري، أو عربي، أو عالمي، وبعدما ينتهي من جولة السباب والتحاشيك، يتعشى، ويوصي على ولد، ويحط رأسه وينام، ليستيقظ باكرًا مستأنفًا السباب والتحاشيك.
بدأت، أنا محسوبكم، بتلقي التحاشيك، بسبب آرائي، قبل 20 سنة، لم يكن لدي من وسائل التواصل سوى الإيميل، وكان رجل باسم مستعار يرسل لي، يوميًا، رسائل سباب مقذع، وبالقلم العريض، على زوجتي وشقيقاتي، بسبب إحدى مقالاتي المنشورة.. وكنت أنقهر، لأنني لا أعرف من يكون غريمي هذا، وليس لدي طريقة للتخلص منه، ولكننا، بعد ظهور “فيسبوك”، و”تويتر”، وغيرهما، حمدنا الله وشكرناه على نعمة “البلوك” التي تستطيع بموجبها كبتَ أنفاس أكبر طشنة، وإلقاءه في سلة المهملات.
الطامة الكبرى بدأت، يا شباب، بعد انطلاق ثورة 2011، فالمسألة ما عادت مقتصرة على كاتب فاشل ينقهر من كاتب ناجح (على فرض أنني ناجح يعني!)، بل أصبحنا أمام انقسامات حادة في المجتمع، أفقية وعمودية، وصار السباب على الناس لأبي موزة، وأنا أعتقد أن أحدث أجهزة الكمبيوتر التي يخترعها الغرب (طبعًا، فنحن لا نزال “مجسّعين” في المضافات)، ستعجز عن إحصاء الأسباب التي تجعل فلانًا من الناس يسب على الكاتب فلان: فواحد يسبك لأنك مع الثورة، بينما هو شبيح، نبيح، منحبكجي (مطرح ما الأسد يدوس يركع ويبوس)، والثاني يشتمك لأنك عضو ائتلاف، والثالث لأنك تركت الائتلاف، والرابع يتهمك بالطائفية، والخامس لأنك غير طائفي، والسادس يهزئك لأنك لا تحب صدام حسين، والسابع لأنك ترحمت على ميشيل كيلو، والثامن لأنك لم تتعاطف مع مجزرة المدفعية، بالإضافة إلى نموذج تعجز الكمبيوترات نفسها عن الوصول إليه.. وهو نموذج الرجل الذي يسبك، هكذا لوجه الله.. ولكنه، للأمانة، فهمان، يعني ليس من عامة المحشكين، بدليل أنه يكتب: طول عمرك يا خطيب بدلة تافه وانتهازي ومخبر للأمن العسكري!
وهناك واحد أفهم من الجميع يستخدم كلمة “سمج” مع كل المقالات التي أكتبها، دون استثناء. وحقيقة أن هذا الرجل يحيرني، فطالما أن مقالاتي كلها سمجة، ما الذي يدفعه للإصرار على قراءتها؟!