الرادع القانوني غائب..
“الدية” عُرف عشائري يعود إلى الواجهة في الرقة
الرقة – حسام العمر
اضطر جمال السطم، البالغ من العمر 40 عامًا، لدفع مبلغ عشرة ملايين ليرة سورية (3100 دولار أمريكي) تعويضًا لرجل تسبب له ببتر إحدى قدميه في حادث مروري بقرية السحل بريف الرقة الغربي، إلى جانب قيامه بدفع تكاليف العلاج في أحد مستشفيات الرقة الخاصة.
حددت عائلة المصاب هذا المبلغ “الضخم”، وفق ما وصفه جمال السطم لعنب بلدي، ضمن ما يُعرف في المجتمعات العشائرية بـ”الدية”، ويجب أن يخضع الطرف الثاني لهذا المبلغ مهما بلغ مقداره.
بغياب الأنظمة والتشريعات الناظمة لتحديد عقوبة القتل عن طريق الخطأ، عادت عشائر عربية في المنطقة الشرقية لسوريا إلى الحديث عن ضرورة تحديد “دية” للمصاب أو القتيل عن طريق الخطأ، بعد أن كان الأمر متروكًا لعائلة المصاب أو القتيل وأفراد عشيرته.
والخطأ هو الفعل الضار الناتج عن الإهمال أو قلة الاحتراز أو عدم مراعاة الشرائع والأنظمة، وفقًا لتعريف المادة “رقم 189” من قانون العقوبات السوري، وتكون الجريمة غير مقصودة سواء لم يتوقع الفاعل نتيجة فعله أو عدم فعله الخاطئين، وكان في استطاعته أو من واجبه أن يتوقعها ليكون بإمكانه اجتنابها.
ويعتمد عُرف “الدية” العشائري على دفع مبلغ تعويضًا لضرر أو قتل نفس تسبب به الجاني عن طريق الخطأ، أي أنها ضمن العقوبات المالية، ومن ثم يُعقد الصلح بين أطراف المنازعة أو الحادثة.
تحديد “دية” لغياب الرادع
عقد شيوخ ووجهاء عشائر من الرقة وريفها، في 3 من حزيران الحالي، اجتماعًا بمضافة الشيخ هويدي الشلاش، شيخ عشيرة “البوشعبان”، وناقشوا خلاله تحديد “الدية” للمصاب وقتل الخطأ وحوادث القتل الأخرى.
وأرجع شيوخ العشائر سبب عقد هذا الاجتماع إلى تحديد آلية جديدة لـ”الدية”، لضرورة وجود رادع حقيقي للجناة وذوي النزعة الإجرامية، بعد غياب الرادع الأخلاقي والقانوني.
وحددت عشائر الرقة المجتمعة “دية” قتيل الخطأ بثمانية ملايين ليرة (2500 دولار)، بينما حددت “دية” المصاب بنصف دية قتيل الخطأ، وتُرك التعويض مفتوحًا بحسب طلب ذوي الضحية في حالات القتل العمد.
وشددت العشائر على مضاعفة “الدية” عدة مرات في حالات القتل العمد المقترن بالتشويه أو الاغتصاب أو التمثيل بجثة الضحية.
وتحاول العشائر في المنطقة أن تبحث عن خصوصية لها في تنظيم موضوع العقوبات الخاصة بقضايا القتل، على الرغم من إنشاء “الإدارة الذاتية” للمناطق الخاضعة لسيطرتها في شمال شرقي سوريا العديد من المحاكم ودواوين القضاء.
ولكن جميع تلك المحاكم لم تكن كافية لإيقاف جرائم القتل في المناطق التي تديرها “الإدارة”.
قضاء “الإدارة” لا يملك عقوبة رادعة
لا يملك قضاء “الإدارة الذاتية” عقوبة رادعة لمعاقبة مرتكبي جرائم القتل والاختطاف، على الرغم من مطالبات شعبية عديدة بوجود مثل هذه العقوبات بعد كل جريمة قتل تشهدها مناطق شمال شرقي سوريا.
وقال أحد وجهاء قبيلة “العفادلة” مصطفى المحمد، لعنب بلدي، إن تحديد “الدية” في ظل الظروف الراهنة كان بسبب استمرار حوادث القتل التي فشلت جميع الجهود العشائرية والمدنية في منعها أو إيقاف تكرارها.
وتبحث العشائر عن آليات ناجحة لتجاوز حوادث القتل التي لم تجلب إلا “المآسي”، على حد تعبيره وجيه عشيرة “العفادلة”، وهي كبرى عشائر الرقة.
بنية قضائية “غير مستقلة”
بنية المؤسسة القضائية “لا تتمتع بالاستقلالية الكافية” في المناطق التي تسيطر عليها “الإدارة الذاتية”، بالإضافة إلى تأهيل طاقهما البشري وتطبيق القانون، وفق بحث أصدره مركز “عمران للدراسات” في نيسان الماضي.
وتسيطر كوادر حزب “العمال الكردستاني” من الأجانب غير السوريين على مختلف المؤسسات والمديريات والمجالس المتمثلة بالسلطتين التشريعية (المجلس العام) والتنفيذية (المجلس التنفيذي).
وتتمتع الكوادر الأجنبية في المجالس بالصلاحيات ذاتها داخل الجهاز القضائي، وتشرف عليها إداريًا وماليًا وأمنيًا، وفق ما استنتجه البحث.
وتتدخل كوادر حزب “العمال الكردستاني” في القرار القضائي في حال كانت القضية تمس أي طرف محسوب عليها أو على “الإدارة الذاتية”، أو في حال كانت المسألة ذات صلة في الدعاوى المدنية.
وقد تتدخل الكوادر في القضايا الجزائية أيضًا، في حال كانت تمس طرفًا على علاقة بها، أو صاحب نفوذ ضمن مؤسسات “الإدارة الذاتية”، أو على علاقة مع بعض العناصر في الأجهزة الأمنية.
ويتم ذلك إما عبر تجاوز الحكم الصادر عن المحكمة، أو إلغائه، أو حرفه، أو حتى إغلاق الملف بشكل كامل، وفق البحث.
قضاة خارج سلطتهم
استقلالية المُعيّنين بصفة قضاة غير كافية لإدارة سلطتهم على القضايا التي يختصون بالنظر فيها، وفق ما ذكره البحث، بل إن كل ديوان نيابة أو مؤسسة يفرز كادرًا مخصصًا لها يقوم على إدارتها أو الإشراف على سيرها بشكل عام وعلى اتخاذ القرارات ضمنها.
حتى إن بعض القضايا، الأمنية خصوصًا، يبت فيها كادر “ديوان العدالة الاجتماعية” بشكل مباشر متجاوزًا القاضي المعني أو إجراءات القضية الطبيعية، هذا في حال مرّت تلك القضايا على “دواوين العدالة الاجتماعية”، إذ تعد القضايا الأمنية والسياسية من اختصاص الأجهزة الأمنية والاستخبارات، وفق البحث.
ويختص “ديوان العدالة الاجتماعية” في كل منطقة من مناطق “الإدارة الذاتية” بحل القضايا والبت في المنازعات المعروضة عليه، وفق قوانين ومبادئ العدالة الاجتماعية، وكان يسمى سابقًا بـ”محكمة الشعب”.
وشهدت مدينة الرقة في عام 2020 عدة حوادث قتل وخطف كانت أغلبية ضحاياها من الأطفال، ما دفع الناشطين المدنيين في المنطقة لإطلاق حملة، في آب من العام نفسه، لإيقاف قتل الأطفال وحمايتهم.
ولم تعلن أي جهة في المنطقة مسؤوليتها عن حوادث الخطف والقتل داخل مدينة الرقة.
وأثارت الحوادث بحق الأطفال حينها الخوف في قلوب أهالٍ بالمدينة، وأبدى بعضهم استعداده لترك المدينة إذا لم يتحسن الوضع الأمني فيها.
وتسجل معظم المحافظات السورية ارتفاعًا ملحوظًا في معدل الجرائم، لكن محافظتي الرقة ودمشق تسجلان جرائم بطرق استثنائية من ناحية وحشية الجرائم.
وبحسب موقع “Numbeo” المتخصص بمراقبة مستوى المعيشة عالميًا، فإن مستوى سوريا يعتبر عاليًا على مؤشر الجريمة، عند 67.68 نقطة من أصل 120.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :