المواطن القوّيّ في سوريا القويّة
جريدة عنب بلدي – العدد 43 – الأحد – 16-12-2012
قنديل – حُمص
بدأنا نلاحظ في الآونة الأخيرة اتجاهًا متعصبًا ومتشنجًا في آراء وأفكار بعض الثوار وبعض المنظرين والسياسيين والمحللين الإعلاميين.. فكل فرد يكون تابعًا -ولو في عقله الباطني- إلى جماعة فكرانيّة (أيديولوجيّة) معيّنة، ولو قسنا ذلك على أصغر ثائر سلميّ في ثورتنا هذه. فمثلًا نجد كثيرًا من الشباب «السلميين» الذي يعملون في تنظيم المظاهرات وبنشاطات إعلامية وطبية وإغاثية مختلفة يتجهون فكرانيًا (أيديولوجيًا) نحو اتجاه موجّه ومحدّد يؤثر تأثيرًا مباشرًا على طريقة عملهم وتواصلهم مع الناس وحتى على طريقة «مهنيّة» الأعمال التي يؤدونها، فيخفون ما يريدون أو يضيفون ما يريدون بسبب هذه الفكرانيّة.
سأبتعد عن طرح الأمثلة حتى لا أدخل في متاهات واسعة من الإثباتات والاتهامات..
تخيّلوا الآن أنّ هذه الانتماءات الفكرانيّة دخلت وتشعبت واستوطنت في عقول بعض من كتائب الجيش الحرّ وألويته، بغض النظر عن «مهنيّة» العمل العسكري أو الانتصارات التي يحققونها، ولكن تدّخل بعضهم في السياسة أو الإعلام أو حتى التسرّع بأداء الأعمال العسكريّة نفسها هو أمر أصبح يؤثر في طريق الثورة السوريّة الصعب أصلاً والمليء بالعقبات.
كلما تخطت الثورة عقبة ظهرت عقبة ثانيّة بسبب تصرف طائش أو متسرّع ولا يحسب تأثيره على الثورة أو مستقبلها، من ناحيّة أخرى تظهر مسألة التنافر والتضاد لمجرد الاختلاف في الرأي، وتُبنى على ذلك مسألة الولاءات التي تظهرها بعض الكتائب للممولين أو القادة، وهذا الأمر أطال كثيرًا في عمر الثورة السوريّة فقد رفضت بعض الكتائب التضامن والتعاون والتنسيق مع الكتائب الأخرى بحجج من قبيل: هذه الكتيبة إخوانيّة وتلك سلفيّة وهذه علمانيّة وهذه كرديّة…الخ
لقد عانى هذا الوطن العظيم على مر العقود الماضية من أمراض كثيرة وخصوصًا على الصعيد الاجتماعي، ومنع عنه الاستبداد كل أنواع الدواء أو حتى محاولات الشفاء، فازدادت جراحه عمقًا والتهابًا، ونحن الآن على مشارف نهايّة الثورة التي بدأناها قبل أكثر من عشرين شهرًا، ولا بد لنا من البدء في عمليّة صناعة الحب وبسط السلام وبناء الفكر في عقول الناس، والتي ستكون –هذه العملية- هي الثورة الحقيقيّة والنهضة المنشودة في سوريا..
المرحلة القادمة من البناء والنهضة هي حقيقةً عمليّة «بناء الإنسان» لذلك يمكننا أن نبدأها من الآن برفض التنافر والتفرّق لمجرد الاختلاف بالرأي أو الانتماء لأيديولوجيّة أو طائفة أو عشريّة أو قوميّة معيّنة.. الوطن أكبر وأعظم وأجمل من أي شيء.. كل جهودنا وأعمالنا ودمائنا يجب أن تكون في مصلحة بناءه ونهضته لا في مصلحة شخصيّة أو مجموعة فكرانيّة يُعميها أحيانًا حب الانتقام..
لذلك فإن المجتمع السوري لن يكون متماسكًا إلا إذا شعر كل مواطن سوريّ بأنّه ينتمي لوطن قويّ ومحصن في وجه الانقسام وأنّ حقّه مصان، وأنّه متساوٍ مع كلّ مواطن، فلا فرق بينه وبين أيّ مواطن مهما علتْ رتبته أو ارتفع نسبه أو ارتفعتْ أسهمه، وأنّه ليس هناك شيء أو أحد يمكنه أن يتعدّى عليه وعلى حقوقه. شعور كلّ مواطن بالحريّة والعدالة الاجتماعيّة والمساواة تجاه الوطن وقانونه هي صمام الأمان لبناء المجتمع والوطن، وهو نفسه الحافز أمام هذا المواطن البسيط كي يترفع عن كل تعصب حزبي أو فئوي، وهذا الشعور أخيرًا يعطي دافعًا أمام القوى الاجتماعيّة والسياسيّة كي تتجاوز حساباتها الخاصة وتعمل من أجل وطن يصون كل مواطنيه..
وأخيرًا لا يجب أن ننسى أنّ الانتماءات الفكرانيّة (الأيديولوجيّة) وحتّى الطائفيّة والعشائريّة والإثنيّة هي الأضعف أمام انتماء أقوى وأرقى هو الانتماء إلى الوطن.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :