شهدت مدينة عفرين شمالي حلب هجومًا عسكريًا استهدف الأحياء السكنية وأحد المستشفيات في المدينة، في 12 من حزيران، ما خلف مقتل 15 مدنيًا بينهم خمسة نساء وطفل وجنين.
وأصيب جراء الهجوم 43 شخصًا آخرين، بينهم عشرة أطفال، و13 امرأة، من المدنيين والكوادر الطبية والعمال الإنسانيين، بحسب “الدفاع المدني السوري”.
ولم تتبن أي جهة عسكرية الهجوم الذي طال مستشفى “الشفاء” المدني في مدينة عفرين، بينما تتوجه أصابع الاتهام إلى “قسد” من قبل تركيا والفصائل العسكرية التي تسيطر على المنطقة.
واتهمت تركيا، التي تدعم قوات “الجيش الوطني” المسيطرة على المنطقة، “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بالوقوف وراء الاستهداف، بحسب ما نقلته وكالة “الأناضول” التركية.
ونقلت الوكالة عن نائب الرئيس التركي، فؤاد أقطاي، أن “قسد” استهدفت الأحياء السكنية ومستشفى “الوفاء”، في مدينة عفرين بصواريخ الغراد والقذائف المدفعية.
وقالت وزارة الدفاع التركية، في بيان لها يوم أمس، إن وحدات الجيش التركي استهدفت مواقع “قسد” المصنفة على قوائم الإرهاب التركية، عقب الهجوم على مدينة عفرين شمالي سوريا، بحسب “الأناضول“.
بينما نفت “قسد”، مسؤوليتها عن القصف الذي استهدف مستشفى مدني في مدينة عفرين على لسان مسؤولها الإعلامي، فرهاد شامي، الذي قال عبر حسابه في “تويتر”، إن وسائل الإعلام تداولت أخبارًا عن قصف استهدف مستشفى مدني في عفرين، وأن “قسد” تنفي مسؤوليتها عن القصف.
كما أدان قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، عبر صفحته الشخصية في “فيس بوك“، ما وصفه بـ”استهداف القوات الروسية” لمدينة عفرين “المكتظة بالسكان”.
وتتهم تركيا “قسد” بأنها امتداد لـ “حزب العمال الكردستاني”، المحظور والمصنف إرهابيًا، وهو ما تنفيه “قسد” رغم إقرارها بوجود عدد كبير من مقاتلي حزب العمال وقادته تحت مظلتها.
هل لدى “قسد” القدرة العسكرية على الاستهداف
المحلل العسكري العقيد فايز الأسمر، قال لعنب بلدي، إن استهداف مدينة عفرين من الأماكن التي تتمركز فيها قوات “قسد” ليس صعبًا، خاصة أنها تعتمد على استراتيجية “القصف المساحي”، بحسب العقيد.
وتُعرف طريقة “القصف المساحي” عسكريًا بأنها محاولة تغطية مساحة ليست صغيرة برشقة واحدة من الصواريخ، ما ينفي نظرية القصف الدقيق والمركز الذي اعتقد البعض أن “قسد” اعتمدته، في حال مسؤوليتها عن قصف مستشفى “الشفاء” في مدينة عفرين.
ورجح العقيد أن تكون الجهة التي نفذت هذه الاستراتيجية استخدمت منصات وقواعد لإطلاق صواريخ “غراد”، خاصة أن الصواريخ لم تتمكن جميعها من إصابة هدفها، إنما سقط بعضها في الأماكن المحيطة في المستشفى.
استهداف سياسي.. الروس ليسوا مستبعدين
قال العقيد فايز الأسمر، لعنب بلدي، إن هذا الاستهداف مرتبط بجولة المحادثات المزمع عقدها بين الرئيسين التركي والأمريكي، والتي من المرجح أن يناقش الملف السوري خلالها.
ويعد ملف المعابر لإدخال المساعدات الأممية عبر الحدود من أهم الملفات التي سيجري التصويت عليها خلال الفترة القريبة بالنسبة لروسيا، لذا لم يستبعد الأسمر أن يكون مصدر القصف روسي في محاولة من روسيا للضغط على تركيا وفصائل المعارضة في هذا السياق.
وقد يربط التصعيد العسكري الذي انتهجته روسيا في إدلب عندما ارتكبت مجزرة بحق مدنيين في قرية إبلين جنوبي إدلب، ما يعني أن التصعيد في عفرين قد يكون امتدادًا للتصعيد العسكري الروسي جنوبي إدلب.
ولم ينفِ العقيد فايز الأسمر أن تكون “قسد” من يقف وراء الهجوم، إذ أشار إلى أن “قسد” تستهدف المناطق الخاضعة لسيطرة “الجيش الوطني” عبر السيارات المفخخة وقذائف الهاون بشكل شبه يومي، وغالبية ضحايا هجماتها هم من المدنيين.
ونوه العقيد إلى أن إيران ليست ببعيدة عن الاستهداف، كونها تحاول أيضًا من جانبها الضغط في الملف السوري لتحقيق مكاسب في اتفاقياتها السياسية مثل الإتفاق النووي المعقود في فيينا.
وأشار إلى معلومات تحدث عن أن مصدر القصف هو راجمات صواريخ موجودة في نبّل والزهراء، والتي تسيطر عليها الميليشيات الإيرانية و”حزب الله” اللبناني، ما يعزز رواية الاستهداف الإيراني في حال صحة هذه المعلومات، بحسب العقيد فايز الأسمر.
مجرد الإنكار لا يبرئ “قسد”
الخبير في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية، اللواء محمود علي، قال لعنب بلدي إن نفي “قسد” للقصف لا يبرئها من استهداف المنشأة الطبية، فلا يوجد أي جهة عسكرية تعترف باستهدافها المنشات المدنية في سوريا، وسواء كانت من استهدف المشفى “قسد” أو النظام فالغرض منه واحد، وهو استفزاز تركيا.
ورجح اللواء محمود علي أن تظهر خلال الأيام القليلة المقبلة إثباتات على مستهدفي مدينة عفرين، وهو ما يقع على عاتق “الجيش الوطني السوري” الموجود في المنطقة، والذي يمكن أن يحصّل دلائل على منفذي هذا الاستهداف.
ولم يستبعد اللواء أن يكون اتهام وزارة الدفاع التركية لـ”قسد” بتنفيذ الهجوم ناتجًا عن محاولات تركيا حفظ ماء وجهها أمام الداخل التركي، لأن تركيا قادرة على الرد على مثل هذا الهجوم سواء عن طرق “الجيش الوطني”، أو عن طريق وحداتها العسكرية بشكل مباشر، بحسب تعبيره.
وشهدت مناطق سيطرة “الجيش الوطني” سلسلة التفجيرات في ريف حلب، ازدادت وتيرتها منذ مطلع أيار الماضي، إلى جانب اغتيال شخصيات عسكرية ومدنية.
وتشير الفصائل المسيطرة على المنطقة إلى أن من يقف خلف عمليات التفجير خلايا تابعة لـ”وحدات حماية الشعب” (الكردية)، أو لتنظيم “الدولة الإسلامية”، أو للنظام السوري، حسبما قال الإداري في “فيلق الشام”، محمد المحمود، لعنب بلدي في حديث سابق.
وبينما تتبنى مجموعة تسمي نفسها “قوات تحرير عفرين” بعض العمليات في عفرين، تبقى الكثير من التفجيرات دون تبنٍ من أي جهة.
و”قوات تحرير عفرين” هي مجموعة من المقاتلين الكرد، الذين يصفون تجمعهم بـ”حركة مقاومة” عبر شن هجمات تستهدف الجيش التركي و”الجيش الوطني” المدعوم من تركيا في عفرين ومناطق أخرى.
وهذه الحركة لا تقول صراحة إنها تابعة لـ”وحدات حماية الشعب” (الكردية) أو “قسد”، إلا أن وسائل إعلام مرتبطة بـ”قسد” تواكب نشاط المجموعة وتبارك عملياتها.