عنب بلدي – ديانا رحيمة
تتبع الإدارة الأمريكية سياسة ضبابية في التعامل مع الملف السوري، إذ تندد بجرائم النظام السوري ورئيسه، بشار الأسد، ولا تعترف بشرعية انتخاباته، لكنها لا تتخذ أي موقف حاسم يغير قواعد الملف المعقّد سياسيًا وعسكريًا.
ولم تفرض إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الذي تسلّم الرئاسة قبل نحو ستة أشهر، عقوبات حتى الآن بموجب قانون “قيصر”، على عكس إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، التي ختمت ولايتها بحزم عقوبات مركزة تستهدف النظام السوري وداعميه.
لكن هذه الضبابية قد تُحسم في اللقاء المرتقب بين الرئيسين الأمريكي والروسي، اللذين يضعان الملف السوري على طاولة مفاوضاتهما.
سجال في “الكونجرس” حول العقوبات.. المساعدات أولًا
وجهت مجموعة من رؤساء لجان العلاقات الخارجية في مجلس النواب والشيوخ الأمريكي من الحزبين “الديمقراطي” و”الجمهوري”، في 7 من حزيران الحالي، رسالة إلى وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، للتأكيد على التطبيق الكامل لقانون “قيصر” على النظام السوري، والضغط على روسيا لفتح المعابر لإيصال المساعدات إلى سوريا.
وقال المستشار السياسي المقيم في واشنطن محمد غانم، في حديث إلى عنب بلدي، إن “الديمقراطيين” لا يثقون بقضية فرض العقوبات على النظام السوري، وهناك جدل كبير حولها، الأمر الذي يسبب مشكلة حقيقية، وسط محاولات لتلافيها، معتبرًا أن ما يجري معركة بهذا الخصوص، وما زال من المبكر أن تتبيّن معالم السياسة الأمريكية حاليًا بخصوص العقوبات.
ولم تولِ الإدارة الأمريكية حتى الآن الملف السوري الاهتمام الذي يستحقه، ولم تتضح معالم سياستها، بحسب غانم، بل تركز حاليًا على الجانب الإنساني المتعلق بفتح المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية.
وبحسب غانم، فإن “الديمقراطيين” غير ميالين لاستخدام العقوبات، خاصة أن جناحًا قويًا جدًا ضمن الحزب “الديمقراطي” من أقصى اليسار AOC)) ضد العقوبات، وهم يشكّلون صوتًا قويًا فيه، كمبادراتهم الداعية إلى رفع العقوبات عن إيران.
ويتوافق تحليل غانم مع الموقف الرسمي لواشنطن، إذ قال نائب السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، جيفري بريسكوت، في 6 من حزيران الحالي، إن خطة عمل الأمم المتحدة خلال الأيام المقبلة ستركز على توسيع وإضافة معابر إضافية لإيصال المساعدات إلى سوريا، وليس فقط على تجديد إدخال المساعدات عبر معبر “باب الهوى” المُصرح به.
وأضاف بريسكوت أن ما رأته السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، خلال رحلتها إلى الحدود التركية- السورية في مطلع الشهر الحالي، أكد مدى أهمية استمرار وصول المساعدات لتلبية احتياجات السوريين التي ازدادت بنسبة 20% على احتياجات العام الماضي.
ووصف بريسكوت معبر “باب الهوى” بأنه “حرفيًا شريان حياة لملايين السوريين”، وتتوفر عبره المساعدات الإنسانية المنقذة لحياة الملايين، موضحًا أن الأمم المتحدة ستظل مُركّزة حتى يفهم الجميع مخاطر إغلاقه التي ستؤدي بالمحصلة النهائية إلى موت الناس.
وكانت سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة أجرت زيارة إلى الحدود السورية- التركية، حسب بيان صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية في 2 من حزيران الحالي.
وحذرت غرينفيلد من إغلاق آخر المعابر الإنسانية إلى سوريا الذي يمكن أن يتسبب في “قسوة لا معنى لها” لملايين السوريين، مجددة الدعوة إلى مجلس الأمن الدولي لتمديد الإذن بتسليم المساعدات الإنسانية عبر الحدود.
إلغاء عقوبات؟
ومن جهتها، أزالت الخزانة الأمريكية، في 10 من حزيران الحالي، شركتين تتبعان لرجل الأعمال السوري سامر فوز، المعروف بقربه من النظام، من قوائم العقوبات، مع إضافة معلومات شخصية جديدة مرتبطة بشقيقيه عامر وحُسن فوز المعاقبَين سابقًا.
وأثار قرار إزالة الشركتين من قائمة العقوبات جدلًا حول جدية تعامل الخارجية الأمريكية مع النظام السوري، لكنّ مصدرًا من الخارجية الأمريكية أوضح أن الخزانة لا تقوم بإلغاء العقوبات عن النظام وأعوانه، بل إن الشركتين كانتا قد حُلّتا من قبل فوز، وعليه أُزيلتا من قائمة العقوبات.
وعملت الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية على تقييد رجال أعمال سوريين عبر فرض عقوبات مالية عليهم بسبب دعمهم للنظام السوري ماليًا.
وسامر فوز رجل أعمال لم يكن معروفًا قبل عام 2011، وصعد بسرعة خلال السنوات الماضية، في ظل اتهامات له بالاستفادة من انتهاكات الحرب وقربه من دوائر النفوذ في سوريا.
وكانت الوزارة فرضت، في عام 2019، عقوبات شملت جميع الشركات والأصول التي يملكها فوز، وعلى رأسها شركة “أمان القابضة”، لتغطيتها أكثر من عشرة مشاريع تدعم النظام.
قانون “قيصر” مستمر.. لا تطبيع
ناقش مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأمريكية عدة محاور تتعلق بمجرى السياسة الأمريكية تجاه سوريا، ومن ضمنها تطبيق قانون العقوبات الأمريكية، بحسب بيان وصل إلى عنب بلدي إلكترونيًا، في 27 من أيار الماضي.
ولفت المسؤول إلى أن قانون “قيصر” مُرّر بأغلبية ساحقة من “الكونجرس” الأمريكي، وعليه ستقوم الإدارة الأمريكية بتنفيذه للحد من قدرة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وغيره من حكومة النظام على الاستفادة من الصراع ومن أي إعادة إعمار تتم بعد النزاع.
وعليه سيبقى هذا القانون ما لم يقم “الكونجرس” نفسه بإلغائه، ومع الدعم الساحق لكلا الحزبين لتمرير القانون في الأساس، فإن من غير المرجّح أن يتمّ ذلك في أي وقت قريب.
هل يقلب لقاء بوتين وبايدن الموازين في سوريا
توقع الدبلوماسي السوري بسام بربندي أن اللقاء بين الرئيسين الأمريكي، جو بايدن، والروسي، فلاديمير بوتين، سيقتصر على فتح المعابر وإيصال المساعدات إلى سوريا، ويبتعد عن الجانب السياسي في سوريا. وقد يجري ذلك بتقديم عرض أمريكي لروسيا، وفي حال رفضت روسيا الاتفاق ستكون أمريكا متشددة مع الروس في سوريا، وعليه من الصعب معرفة إلى أين تتجه الأمور في ظل المفاوضات المقبلة.
وسيلتقي بايدن ببوتين، في 16 من حزيران الحالي، بجنيف، وسط خلافات حادة بشأن التدخل في الانتخابات والهجمات الإلكترونية وحقوق الإنسان وأوكرانيا وقضية المعابر السورية.
الجزء المتعلق بسوريا من اللقاء المرتقب بين بوتين وبايدن، يعتبر اختبارًا لكلا الرئيسين، لأن كيفية تعامل الولايات المتحدة وروسيا مع القضية السورية لا يوضح موقف بوتين فحسب، بل سيكشف أيضًا عن مدى التزام إدارة بايدن بالارتقاء بحقوق الإنسان والديمقراطية كأولوية في سياستها الخارجية، بحسب ما نقلته صحيفة “واشنطن بوست”.
وقال بريان كاتوليسن، وهو زميل بارز في مركز التقدم الأمريكي، للصحيفة، إن القمة بين الرئيسين “لحظة توضيحية”، مع اقتراب الموعد النهائي لجلسة الأمم المتحدة حول فتح المعابر.
كان موقف موسكو هو أن المساعدات الإنسانية يجب أن تتدفق عبر النظام السوري، وهو اقتراح “سخيف”، بحسب كاتوليسن، بالنظر إلى أن الأسد هو الذي يجعل المدنيين يتضورون جوعًا في إدلب بالمقام الأول.
وبحسب الصحيفة، يرى مسؤولون أمريكيون أن موسكو تبحث عن رفع العقوبات عن الأسد، مقابل إعادة تفويض طريق المساعدات، لكن هذا من شأنه أن يرقى إلى مكافأة بوتين على عدم تجويع المدنيين وهي “فكرة بشعة”.
إذا رفض بوتين عرض بايدن ولم يسمح لطرق المساعدات الإنسانية بالاستمرار، فستواجه الولايات المتحدة وشركاؤها، بما في ذلك تركيا، تحديًا هائلًا في العمل خارج نظام الأمم المتحدة لإيصال المساعدات إلى إدلب، وستكون تصرفات بايدن بشأن سوريا في جنيف بمثابة اختبار حاسم لكيفية مقاومة الولايات المتحدة للتوسع الروسي والصيني في المنطقة.
وأشاد بوتين ببايدن على اعتباره سياسيًا متمرسًا، بحسب وصفه، متوقعًا أن تعقد قمة “جنيف” في جو إيجابي، وقال إن الاجتماع سيكون أكثر حول محاولة رسم مسار لاستعادة العلاقات الأمريكية- الروسية المتدهورة التي توترت بسبب عدة قضايا، منها سجن روسيا ناقد “الكرملين” أليكسي نافالني، وأوكرانيا، وسوريا.
ومن جهته، قال بايدن إنه سيضغط على بوتين لاحترام حقوق الإنسان خلال القمة المرتقبة.
وأكد مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، في بيان صحفي صدر في 9 من حزيران الحالي، أن سوريا من القضايا ضمن جدول الأعمال المقرر مناقشتها في القمة، متحدثًا عن وضوح موقف الولايات المتحدة من وصول المساعدات الإنسانية، مع عدم الخوض بالتفاصيل المقرر مناقشتها لإعطاء مساحة للمحادثات التي تسبق فترة جنيف.
ما دور الاتفاق النووي؟
يتوازى تجاهل الإدارة الأمريكية للملف السوري مع استمرار المحادثات الأمريكية- الإيرانية من أجل الاتفاق النووي في فيينا، وسط تحليلات تربط الوضع السوري بمفاوضات الاتفاق، خاصة أن الإدارة الأمريكية تدرك ترابط المصالح الإيرانية في سوريا مع شلّ الاقتصاد السوري بالعقوبات.
في آذار الماضي، حثّ أكثر من 100 عضو في “الكونجرس” من كلا الحزبين إدارة بايدن على استخدام نفوذها للضغط على إيران التي تبسط يدها العسكرية في سوريا.
ويرى رئيس جمعية “سوريون مسيحيون من أجل السلام”، أيمن عبد النور، في حديث إلى عنب بلدي، أن سوريا هي جزء من الملف الإيراني، بالنسبة لبعض المستشارين في البيت الأبيض، وتسعى المعارضة السورية لأن تكون خارج تلك المعادلة كي لا تُقدَّم كجزء من الأرباح التي تحققها إيران بعد الاتفاق، كما حصل أيام ولاية الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما.
ومع بدء المحادثات الأمريكية- الإيرانية في فيينا، رُفعت شركات ومسؤولون إيرانيون عن قائمة العقوبات الأمريكية، ولكن حتى الآن لا يوجد أي رابط بين الاتفاق النووي وتغير السياسة الأمريكية تجاه النظام السوري، بحسب عبد النور.
وبحسب دراسة لـ”المعهد الأطلسي” بعنوان “دور تخفيف العقوبات الأمريكية عن إيران في استمرارية تمويلها للنظام السوري”، فإن العقوبات التي فُرضت من قبل أمريكا على إيران عام 2018، تسببت بتضاؤل الاحتياطيات الأجنبية الإيرانية إلى أربعة مليارات دولار أمريكي، وفقًا لتقرير صادر عن “صندوق النقد الدولي”، الأمر الذي يحد من احتياطي النظام السوري في تمويل آلته الحربية.
وبالعكس، إذا خففت أمريكا العقوبات، فإن احتياطيات طهران الأجنبية ستتضخم إلى أكثر من 100 مليار دولار أمريكي، ما يتيح لإيران تمويل النظام.
وأشار وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، خلال إحاطة لمجلس الأمن في 29 من آذار الماضي، إلى أن على الإدارة الأمريكية “قطع الحنفية التي تغرق خزائن النظام السوري وجيشه”.
وبحسب الدراسة، ففي حال عودة أمريكا إلى خطة “العمل الشاملة المشتركة” (الاتفاق النووي) دون الحصول على تنازلات من إيران، وتحديدًا في حملتها “القاتلة في سوريا”، فإن عدد القتلى سيستمر في الازدياد، وإذا كانت هناك حرب يجب إيقافها، فهي هذه الحرب التي تشنها إيران في سوريا نيابة عن الأسد، والتركيز على التهديد النووي وحده لن يمنع الحرب بل سيموّلها.