منصور العمري
تحتفي الأمم المتحدة سنويًا بـ”اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال” في 12 من حزيران/ يونيو منذ عام 2002، إذ أطلقت منظمة العمل الدولية هذا اليوم لتركيز الانتباه على المدى العالمي لعمالة الأطفال، والإجراءات والجهود اللازمة للقضاء عليها.
يجمع هذا اليوم كل عام الحكومات وأصحاب العمل والمنظمات العمالية والمجتمع المدني بالإضافة إلى ملايين الأشخاص من جميع أنحاء العالم، لتسليط الضوء على محنة الأطفال العاملين وما يمكن فعله لمساعدتهم. كما اعتمدت الأمم المتحدة بالإجماع قرارًا يعلن عام 2021 سنة دولية للقضاء على عمل الأطفال، وطلبت من منظمة العمل الدولية أن تأخذ زمام المبادرة في تنفيذه.
تعمل منظمة العمل الدولية مع النظام السوري لمواجهة هذه الظاهرة في مناطق سيطرته، وتقيم في العام الحالي عدة فعاليات في طرطوس وحلب ودمشق بالتعاون مع “يونيسف” ووزارة العمل السورية، ومنظمات غير حكومية. لكن لا يبدو أن هناك جهودًا لمواجهة أحد أهم أسباب عمالة الأطفال السوريين داخل سوريا وفي دول الجوار، وهو تغييب نظام الأسد المعيلين البالغين في سجونه.
يمكن للمجتمع المدني السوري اتخاذ إجراءات أو إطلاق حملات وفعاليات بمناسبة هذا اليوم وخلال العام الحالي، وهو عام مكافحة عمالة الأطفال، لإبراز دور تغييب المعتقلين في مفاقمة هذه الظاهرة، والتركيز على أن الإفراج عن المعتقلين، والتعويض المادي لعائلات من قتلهم النظام السوري في معتقلاته، يلعب دورًا مهمًا في مناهضة عمالة الأطفال، ويسهم في تحقيق المقصد السابع من الهدف الثامن لخطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030.
فما عمالة الأطفال:
لا يجب تصنيف جميع الأعمال التي يقوم بها الأطفال على أنها عمالة أطفال يجب القضاء عليها.
حسب الأمم المتحدة، تُعتبر مشاركة الأطفال أو المراهقين في العمل الذي لا يؤثر على صحتهم ونموهم الشخصي أو لا يتعارض مع تعليمهم المدرسي أمرًا إيجابيًا بشكل عام. تشمل هذه الأعمال أنشطة مثل مساعدة والديهم حول المنزل، أو المساعدة في الأعمال التجارية العائلية، أو كسب مصروف الجيب خارج ساعات الدوام المدرسي وفي أثناء العطلات المدرسية. تسهم هذه الأنواع من الأنشطة في نمو الأطفال ورفاهية أسرهم، وتزودهم بالمهارات والخبرة، وتساعد في إعدادهم ليكونوا أعضاء منتجين في المجتمع خلال حياتهم البالغة.
عمالة الأطفال هي عمل يتم تنفيذه على حساب الأطفال ويعرضهم للخطر، في انتهاك للقانون الدولي والتشريعات الوطنية. فهو إما يحرم الأطفال من التعليم وإما يطلب منهم تحمل العبء المزدوج المتمثل في الدراسة والعمل. عمالة الأطفال التي يتعيّن القضاء عليها هي مجموعة فرعية من عمالة الأطفال. تُقسم عمالة الأطفال المحظورة بموجب القانون الدولي إلى ثلاث فئات:
أسوأ أشكال عمل الأطفال غير المشروطة، التي يتم تعريفها دوليًا على أنها العبودية، والاتجار، وعبودية الديون وغيرها من أشكال العمل القسري، والتجنيد القسري للأطفال لاستخدامهم في النزاعات المسلحة، والبغاء والمواد الإباحية، والأنشطة غير المشروعة.
العمل الذي يؤديه طفل دون السن الدنيا المحددة لهذا النوع من العمل (على النحو المحدد في التشريع الوطني، وفقًا للمعايير الدولية المقبولة)، ومن المحتمل أن يعوق تعليم الطفل ونموه الكامل.
العمل الذي يعرض الرفاه الجسدي أو العقلي أو المعنوي للطفل للخطر، إما بسبب طبيعته وإما بسبب الظروف التي يُزاوَل فيها، ويُعرف باسم “العمل الخطر”.
تتضمن أسوأ أشكال عمل الأطفال استعباد الأطفال، وفصلهم عن عائلاتهم، وتعرضهم لمخاطر وأمراض خطيرة و/ أو تركهم لتدبير أمورهم بأنفسهم في شوارع المدن الكبرى غالبًا في سن مبكرة جدًا.
يعتمد ما إذا كان يمكن تسمية أشكال معيّنة من عمل الأطفال على أنها “عمالة الأطفال” أم لا على عمر الطفل، ونوع وساعات العمل المؤدى، والظروف التي يتم إجراؤه في ظلها، والأهداف التي تسعى البلدان الفردية إلى تحقيقها. تختلف الإجابة من بلد إلى آخر، وكذلك بين القطاعات داخل البلدان.
تنتشر عمالة الأطفال في سوريا منذ عقود، وتفاقمت بشكل كبير خلال الحرب، لمقتل واعتقال واختفاء أعداد كبيرة من المعيلين البالغين. لعب نظام الأسد المجرم دورًا كبيرًا في تفاقم هذه الظاهرة، باستهدافه المدنيين، واعتقال وإخفاء مئات آلاف المعيلين البالغين، وحصاره مناطق المعارضة، وتهجير الناس، وقصف البنى التحتية ووسائل المعيشة، ونهب وتدمير مدخرات العائلات.
كما تنتشر عمالة الأطفال السوريين في دول اللجوء المجاورة بشكل كبير، ولا توجد إحصائيات دقيقة متعلقة بهذه المأساة، رغم أن الإحصائيات هي إحدى الخطوات الأولى للتصدي لهذه المشكلة الخطيرة المتفشية بين أطفال سوريا.