عنب بلدي – حسام المحمود
تصدّر موضوع المشغّل الثالث لشركات الخلوي في سوريا، حديث وسائل الإعلام السورية المحلية منذ 30 من أيار الماضي، حين نشرت الجريدة الرسمية في العدد الـ20 لسنة 2021، قرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك “رقم 2590″، الذي ينص على تصديق النظام الأساسي لشركة “وفا تيليكوم” لتكون المشغّل الثالث للهواتف المحمولة في سوريا.
ويأتي هذا الإجراء بعد أكثر من عشر سنوات جرى خلالها الحديث عن مشغّل ثالث للخلوي في سوريا لأكثر من مرّة دون أن يبصر النور.
وفي 31 من أيار الماضي، أوضحت “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد” أن المشغّل الثالث لم يحصل على الترخيص النهائي، وبالتالي فالشركة تحتاج إلى ترخيص من الهيئة حتى تباشر أعمالها، وأن ما تتناقله وسائل الإعلام هو قرار التأسيس فقط.
وتوجد في سوريا شركتا اتصالات خلوية حاليًا، هما شركة “سيريتل” التي كان يملكها رامي مخلوف ابن خال رئيس النظام، قبل أن تهيمن عليها وزارة الاتصالات في حكومة النظام في أيار الماضي، واضعة بذلك يدها على الشركة الأكثر انتشارًا في البلاد، مقارنة بالشركة الثانية “MTN” وهي ذات ملكية لبنانية- سورية مشتركة.
وكان يتلقى خدمات الشركتين قبل عام 2011 نحو عشرة ملايين مستخدم، بحسب أرقام وزارة الاتصالات.
“وفا” والعقد المشبوه
وفقًا لما نشرته الجريدة الرسمية، التي اطلعت عليها عنب بلدي، فالشركة المذكورة والمؤسسة عام 2017، تهدف لتقديم خدمات اتصالات الخلوي، وجميع الخدمات الفرعية أو ذات الصلة، وأي نشاط تجاري واقتصادي مسموح به في سوريا، متضمنة استيراد وتصدير وتجارة أجهزة الاتصالات والشرائح الإلكترونية، بالإضافة إلى الأنشطة المالية والتجارية والاقتصادية والاستثمارية، والتعاون مع الشركات والأفراد الوطنيين والأجانب.
ويبلغ رأس مال “وفا تيليكوم” المعلَن عشرة مليارات ليرة سورية، بعدد أسهم يبلغ 100 مليون سهم، قيمة كل منها 100 ليرة سورية، وهو مبلغ قليل جدًا مقارنة برأس مال الشركتين الحاليتين حين تأسيسهما، وبالنظر إلى فارق قيمة العملة التي تقلصت قيمتها بشكل كبير خلال العقد الأخير، ما يجعل الرقم بسيطًا جدًا عند الحديث عن الاستثمار في قطاع الاتصالات الذي يعتبر مورد نفط ثانيًا من حيث المردود الاقتصادي، وفقًا لما قاله المحلل الاقتصادي السوري الدكتور فراس شعبو، في حديث إلى عنب بلدي.
وأُسست شركة “سيريتل” عام 2001 برأس مال قدره ثلاثة مليارات و350 مليون ليرة، بينما أُسست شركة “MTN” عام 2002، برأس مال قدره 1.5 مليار ليرة (في وقت كان سعر الدولار يقابل أقل من 50 ليرة سورية)، بحسب “سوق دمشق للأوراق المالية”.
ومن المقرر أن تكون مدة ترخيص الشركة الجديدة 22 عامًا قابلة للتجديد، ومقرها الرئيس في العاصمة السورية، دمشق.
وتتكون الشركة من تحالف سبع شركات سورية حديثة الإنشاء ولا وجود لها على الأرض، مؤسسة في عام 2017، وعام 2019، وعام 2020، وهي: “ABC”، و”LBC advanced”، و”LBC Technonlogy”، و”LBC Telecom”، و”Wafa Invest”، و”Tele Space”، و”You Tell”.
وبحسب حصة الشركات المساهمة في تأسيس المشغّل، يتضح أن خمسًا من أصل سبع شركات قدمت إسهامات مالية وحصلت على 50 سهمًا بقيمة ألف ليرة لكل شركة من أصل 100 مليون سهم، فيما يبدو أنها واجهات اقتصادية أو أسماء شكلية ليس أكثر، بينما تتشارك “ABC” و”Wafa Invest” الشركة ككل، وتتقارب فيها حصصهما، مع ارتفاع حصة “ABC” التي تشكّل نحو 52 مليون سهم.
منافع اقتصادية؟
استبعد الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو أن تحقق “وفا تيليكوم”، في حال أبصرت النور، أي منافع اقتصادية، أو أي تحسن في مستوى الخدمة بالنسبة للمواطن السوري، باعتبار أن هذه الشركات لا تضخ أموالها لمصلحة الداخل السوري، بل في جيوب شخصيات محددة.
وفي حال استخدمت الشركة تجهيزات “سيريتل” وأبراجها، بعد الخلاف الأخير بين الحكومة ورجل الأعمال رامي مخلوف الذي كان يملك الحصة الكبرى في الشركة، ستكون عبارة عن إعادة تموضع اقتصادي لمصلحة الفئة الاقتصادية الحاكمة الجديدة، برأي المحلل الاقتصادي، الذي لفت إلى استخدام النظام أسماء جديدة صورية عوضًا عن القديمة المعاقَبة، في سبيل تسهيل عملياته الاقتصادية.
الدكتور السوري في الاقتصاد والباحث في معهد “الشرق الأوسط” بواشنطن كرم شعار، تحدث لعنب بلدي عن حجم الاستثمار والأرقام المطروحة كميزانية أولية لمشروع الشركة.
وأكّد الدكتور شعار أن الميزانية المطروحة صغيرة جدًا، لافتًا في الوقت نفسه إلى عدم تعاقد الشركة مع “الهيئة الناظمة للاتصالات”، وبالتالي فهي ليست مشغّلًا ثالثًا رسميًا في سوريا بعد.
وعن أي رد ممكن لرامي مخلوف أمام احتمالية ظهور مشغّل جديد، أوضح الدكتور كرم شعار أن مخلوف محيّد من شركة “سيريتل” التي صارت تحت تصرف الجهاز القضائي السوري، وأن حكومة النظام قادرة على تسخير شركتي “MTN” و”سيريتل” لخدمة “وفا” أو لأي غرض آخر، باعتبار أن الشركتين تخضعان للحراسة القضائية.
واستبعد الدكتور شعار أن تقدّم الشركة الموعودة دورًا مميزًا عن الشركتين الحاليتين، خاصة أن شبكة الهاتف المحمول تغطي معظم الأراضي السورية، وبالتالي فلن تقدّم “وفا” جديدًا في حال حصلت على ترخيص من “الهيئة الناظمة للاتصالات” وأبصرت النور في المدى المنظور، ولم يجرِ إجهاضها كالشركة الإيرانية قبل سنوات.
مَن وراء “وفا”؟
ذكر موقع “الحل” السوري، أن شركة “وفا للاتصالات” أُسّست عام 2017، على يد مدير الدائرة الاقتصادية في القصر الجمهوري، يسار إبراهيم، بالإضافة إلى شخصين آخرين.
كما أشار الموقع إلى حضور اسم علي إبراهيم في تأسيس أربع شركات اتصالات في عام 2020، وهي “تيلي سبيس” و”سبيس تيل” و”البرج الذهبي”، بالإضافة إلى إسهامه في “وفا تيليكوم” عبر شركة “تيلي سبيس”.
الدكتور فراس شعبو، أكد أن معرفة أسباب التسهيلات التي تتلقاها الشركة تسهم في توضيح تبعية الشركة، مرجحًا في الوقت نفسه أن تكون تبعيتها على صلة بأسماء الأسد زوجة رئيس النظام، التي سعت مؤخرًا لإبعاد رامي مخلوف عن المشهد الاقتصادي في سوريا، من خلال رفع يده عن جمعية “البستان”، ووضع “سيريتل” تحت الوصاية القضائية.
وكانت حكومة النظام حجزت، في أيار 2020، على أموال مخلوف المنقولة وغير المنقولة لضمان تسديد المبالغ المترتبة عليه لمصلحة “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد”، وهو ما نفاه مخلوف حينها بإبراز وثيقة تؤكد توجه “سيريتل” إلى “هيئة الاتصالات” بكتاب تعلن من خلاله استعدادها لتسديد المبالغ المفروضة عليها عبر دفعات.
ثم عادت “الهيئة” عقب ذلك وأصدرت بيانًا، وصفت فيه مخلوف بـ”المخادع” بسبب تهربه من دفع المبالغ المستحقة عليه، وبدأت باتخاذ إجراءات ضده أدت إلى إقصائه عن إدارة الشركة.
محاولة فاشلة
إثر أحاديث دارت لسنوات في قطاع الاتصالات السورية، منذ عام 2010، حول طرح شركة اتصالات إيرانية في سوريا، وقعت حكومة النظام، في كانون الثاني 2017، اتفاقية اقتصرت على الإعلان عن مشغّل جديد مع شركة إيرانية، ضمن مجموعة اتفاقيات في عدة مجالات، دون تقديم تفاصيل إضافية.
هذه الاتفاقية سبقها بنحو ثلاثة أشهر تصريح لوزير الاتصالات والتقانة حينها، علي الظفير، جاء فيه أن السوريين “سيسمعون أخبارًا قريبة جدًا حول إدخال مشغّل ثالث في سوريا”، بالإضافة إلى إطلاق “الجيل الرابع” خلال عام 2018.
ووفقًا لتسريبات صدرت عن مسؤولين في الحكومة، في تشرين الثاني 2016، فالشركة الإيرانية هي عبارة عن تحالف عدة شركات إيرانية عاملة.
ومع تصاعد الأحداث في سوريا بعد عام 2011، تقلصت احتمالية تطبيق الاتفاقية المذكورة، عقب انسحاب أبرز الشركات المنافسة، وهي “الاتصالات” السعودية، و”كيوتيل” القطرية، و”تركسيل” التركية.
وفي كانون الثاني من عام 2017، ذكرت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، أن شركة “MCI” الإيرانية حصلت على رخصة المشغّل الثالث للخلوي في سوريا، لكن المشغّل الموعود ظل حبرًا على ورق، حتى أُجهض رسميًا في أيلول 2019، بتصريح لوزير الاتصالات والتقانة، إياد الخطيب.
وقال الخطيب حينها، إن مشغّل الاتصالات الخلوية الثالث في سوريا سيكون من نصيب شركة وطنية سورية، نافيًا في الوقت نفسه خلال حديث لموقع “الاقتصادي” المحلي، أن تكون الشركة من نصيب الاستثمار الإيراني.