إبراهيم العلوش
تداولت وكالات الأنباء ووسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية مشهد ضرب أحد المواطنين الفرنسيين للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في أثناء قيامه بزيارة في إحدى المدن الفرنسية، وأثارت صفعة الرئيس الكثير من الجدل بين السوريين والعرب وصدمتهم.
طبعًا لم يقم الرئيس الفرنسي بعد الصفعة التي تلقاها، مثل الأسد، باستعمال سلاح الطيران أو المدفعية لإبادة المدينة التي قام أحد أبنائها بصفعه أمام الجمهور، ولم يستعمل الترسانة الكيماوية أو النووية الفرنسية، ولم يأمر الدبابات باقتحام الكنائس والأحياء، ولم تنفلت قطعان “شبيحته” بحمل البنادق والمسدسات وممارسة المجازر حماية للسيد الرئيس وسمعته.
عندما استعمل بعض أطفال درعا نوعًا بسيطًا من الاحتجاج، وكتبوا على الجدران “جاك الدور يا دكتور” في آذار 2011، أبلغ عاطف نجيب، ابن خالة الأسد، أهاليهم بأن ينجبوا غيرهم، طبعًا هم لم يصفعوا الرئيس ولا حتى أحد أقارب الرئيس.
وقبل تلك الحادثة بـ40 سنة، عندما قام أهالي إدلب بالاحتجاج على انقلاب حافظ الأسد 1970، ورفضوا زيارته إلى مدينة إدلب ورموا موكبه بالبندورة، أقصى حافظ الأسد إدلب من الخارطة السورية بأن حوّل الشريان الرئيس للمواصلات السورية (الطريق M4 ومن بعده M5)، ومنع مروره بالقرب من مدينة إدلب، ما أضعفها اقتصاديًا وسبّب الكثير من حركات الاحتجاج والتمرد فيها.
صفعة الرئيس ماكرون من قبل أحد أنصار “السترات الصفر” المحتجين على نهج السياسة الحكومية وقيامها قبل سنتين بزيادة أسعار الوقود، لم تتسبب بالإعدام المباشر للمواطن الفرنسي من قبل مرافقة السيد الرئيس، ولا من قبل أجهزة المخابرات العسكرية والجوية ولا أمن الدولة أو الأمن السياسي، ولا من قبل الحرس الجمهوري، ولم تزحف أي من فرق الجيش إلى المدينة المعتدية على هيبة رئيس الدولة، وطبعًا لم يقم أخو الرئيس، مثل رفعت الأسد بعد محاولة اغتيال أخيه، بإعدام عدد من السجناء المدنيين في سجن “تدمر” انتقامًا من الأبرياء أو تعبيرًا عن فرحه بنجاة أخيه الرئيس.
وعندما قام حافظ الأسد بانقلابه الذي كرّسه كآلهة، قال أعضاء القيادة الذين سُجنوا في سجن “المزة العسكري” لصلاح جديد، إنهم ذهبوا فرق عملة، “أما أنت يا رفيق صلاح فسيتم الإفراج عنك خلال الأيام المقبلة لأنك من نفس طائفة الأسد”.
لكن صلاح جديد ردّ عليهم بالنفي، وأكدّ لهم أن حافظ الأسد شخصية حقودة “لن يفرج عن أيٍّ منا”، وعاش معتقلو القيادة القطرية والقومية مع صلاح جديد ونور الدين الأتاسي، الرئيس السابق، أكثر من 20 سنة في السجن.
لن نعيد الحديث عن مصير مدينة إدلب التي تم قصفها بالكيماوي وتم تشريد مئات الألوف من أهاليها في العراء، ولا عن مدينة درعا والجامع “العمري” وتدمير المدينة الذي لا يزال مستمرًا حتى اليوم، ولا عن مدينة حمص التي مزقت صورة بشار الأسد في أولى المظاهرات، ولا عن مدينة حلب التي تم تسليمها للإيرانيين والروس بعد تدمير نصف أحيائها، ولا عن مدينة الرقة ومدينة دير الزور التي حطمت تماثيل الأسد الأب وابنه باسل، والمصير المأساوي الذي حل بهما، ولكن ما فعله الأسد يفوق ما فعلته كل آلهة التمر الوثنية، وما فعله “الشبيحة” في كل ركن من سوريا يفوق ما فعلته الحروب الصليبية وحروب التتار والمغول مجتمعة في سوريا!
ولكن بعد أن تمت إزاحة سيطرة الأسد عن بعض المدن السورية، فإن آلهة وثنية جديدة سرعان ما وصلت ومن مختلف المبادئ والقياسات، فقد وصل وثن “أبو بكر البغدادي” إلى الرقة، ووصل وثن عبد الله أوجلان إلى الجزيرة السورية، ووصل وثن “الجولاني” إلى إدلب، وصار عبيد الفتاوى المقدسة يتقاطرون إلى المدن السورية، وينتهكون كرامات أهلها، فتجد من يقدّس حسن نصر الله والخامنئي، ومن يقدّس الرئيس التركي أردوغان، ولن ينقصك لقب الكافر أو الخائن أينما كنت في ربوع سوريا الأسد سابقًا.
صفعة الرئيس الفرنسي ماكرون من قبل رجل مدني محتج لن تكلفه أكثر من السجن عدة أشهر مع الغرامة المالية، أما الصفعة في سوريا، إن حدثت، فإنها تكلف إبادة مدينة أو طائفة أو تسليم البلاد للمستعمرين نكاية بمن لا يقدّس الأسد ونهجه.
في الرقة، ورغم أن أحدًا ما لم يتمكن من صفع “أبو بكر البغدادي” احتجاجًا على جرائمه ومفخخاته وسجونه، فإن أنصار “داعش” عندما خرجوا من المدينة بصفقة مع أنصار الأمريكيين و”شبيحة” “البي كي كي”، قالوا سنعود من جديد لتدمير هذه المدينة بعدما تنتهون من إعادة إعمارها، فهذه المدينة لم تدافع عن الخليفة “البغدادي”.
أُصيب أتباع آلهة التمر في سوريا وفي العالم العربي بصدمة كبيرة من وراء صفع الرئيس الفرنسي من قبل مواطن عادي، ولم يستوعبوا أنهم مجرد عبدة للأوثان السياسية، للرؤساء والملوك والعسكريين، أو الأوثان الدينية من شيوخ متكسبين ومتوحشين، ومن أنصار فتاوى صارت تنافس آيات القرآن في قدسيتها، ولن يستوعبوا أنهم يعيشون خارج العالم، ويشكّلون كابوسًا دائمًا لكل من يطلب الحرية السياسية أو الدينية في بلدانهم.