يستمر التدخل الروسي في سوريا عسكريًا من أجل ما وصفته موسكو بـ “محارية الإرهاب”، حيث تشهد معظم الأراضي السورية معارك عنيفة بين قوات المعارضة السورية وقوات الأسد بدعم جوي روسي، لكن وبالتوازي مع هذا التدخل العلني هناك تمدد روسي في سوريا من نوع آخر، إذ تسعى موسكو للسيطرة على قطاع الأعمال عبر خلق شراكات مع رجال أعمال وشخصيات معروفة.
ويبلغ حجم التبادل التجاري بين سوريا وروسيا 500 مليون دولار فقط، في الفترة ما بين النصف الثاني من عام 2013 والنصف الأول من العام الماضي 2014، وفق بيانات رسمية.
المتابع لحال الشركات السورية الوليدة في دمشق وطرطوس واللاذقية، يلحظ إعلانات عن شراكات وطلبات توظيف من قبل مؤسسات ترغب بتوظيف عمالة سورية تتقن اللغة الروسية، وهذا ما فتح الباب أمام فرص استثمارية جديدة لمؤسسات تعليمية هدفها نشر وتعليم اللغة الروسية.
اليوم، الثلاثاء 13 تشرين الأول، كشف الملحق التجاري لسفارة روسيا في دمشق، إيغور ماتفيف، لصحيفة الوطن المقربة من النظام، عن “إطلاق قرية الصادرات قبل نهاية العام الجاري”.
وتوقع ماتفيف أن يكون الإطلاق خلال الشهر القادم، كشركة مرخصة على الأراضي السورية بشريك سوري وشريك روسي من القطاع الخاص، مبيناً أنها سوف تكون “خطوة مهمة جداً لتفعيل العلاقات الاقتصادية والتجارية، من بوابة الاستيراد والتصدير، وأن افتتاح الشركة سوف يشجع على تنفيذ العديد من المشاريع الأخرى، والتي ينظر إليها بأنها مشاريع حيوية وضمن قائمة المشاريع التنفيذية أو قيد التنفيذ، وخاصة في مجال الكهرباء وما يتعلق ببناء المحولات وأعمدة التوتر العالي والمنخفض، وغيرها العديد من المشاريع”.
ويرى متابعون للشأن السوري أن النظام يسعى إلى استمالة روسيا في حربه ضد المعارضة السورية، عبر فتح الباب للشركات الروسية للاستثمار في شتى القطاعات وخاصة النفط والغاز في البحر المتوسط بالتوازي مع الحلفاء التقليديين في إيران، إذ يتوقع أن تبلغ قيمة الاستثمارات الروسية في سوريا نحو 250 مليون دولار مع نهاية العام 2015.
وخلال شهر آب الماضي وصل إلى سوريا وفد من رجال الأعمال الروس لاستكشاف واستطلاع فرص التعاون، ولتلمس حاجة الشركات السورية والمصانع من المواد الخام والأولية في ظل العقوبات الدولية والعربية المفروضة على سوريا.
وناقش الطرفان خلال اللقاء تنفيذ عدد من المشاريع الصناعية، واتفقا مبدئياً على البدء بـ 5 مشاريع كمرحلة أولى في مجال الصناعة، هي معمل لإنتاج البيرة والإطارات ومعمل لإنتاج البطاريات ومشروع لإقامة معمل للبرادات والغسالات والأفران وآخر لإقامة محولات، وذلك وفقًا لما أوردت صحيفة الوطن، 25 آب الماضي.
في المقابل وأمام هذا الزحف الروسي في مجال الاستثمارات والتوق للتعاون الاقتصادي مع الجانب السوري، يبدو المشهد أكثر غموضًا فيما لو تحدثنا عن قطاع النفط والغاز والذي يعتبر مثار جدل كبير، وأحد أسباب الصراع في سوريا بين الأطراف الإقليمية.
وأدى غموض المشهد السوري وما ستؤول إليه نتيجة الصراع إلى دفع شركات طاقة روسية بتغيير موقفها وإعادة النظر بخططها الاستثمارية في سوريا، فقد أعلن رئيس مجلس إدارة شركة “سويوز نفت جاز” الروسية، خلال أيلول الماضي، أن الشركة تخلت عن خطط للتنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحل سوريا بسبب الصراع هناك.
وتأتي خطوة الشركة وفق متابعين في ظل استمرار تدهور الوضع السوري واشتداد الأعمال العسكرية والتي فاقمها التدخل الروسي الأخير.
لكن ما يتفق عليه المحللون الآن، وفق اطلاعهم على وضع سوريا وروسيا وعلاقة الطرفين عسكريًا واقتصاديًا، أنهما يقضيان “شهر عسل” مجهول النتيجة، فالروس لا يعرفون نتيجة قتالهم المباشر ضد المعارضة السورية ولا ما ستؤول إليه استثماراتهم في حال سقط النظام أو تغيرت التوقعات بناء على المعطيات على الأرض.
–