فرضت القضية الفلسطينية حضورها عربيًا على مختلف نواحي الحياة السياسية والاجتماعية، وأمام الاستمرار الزمني للقضية دون حل، وجد الفلسطيني نفسه مضطرًا لتنويع أساليب المقاومة، وزرع قضيته أمام أنظار العالم الذي يحاول غض الطرف عن السلب المستمر للأراضي الفلسطينية وتهجير أهلها لإيواء غيرهم دون حق.
ومنذ النكبة الفلسطينية عام 1948، توالى على القضية شعراء وكتّاب تبنوها ودافعوا عنها وعن المدافعين عنها، وقدموا للقارئ العربي ثقافة المقاومة والرفض، للإسهام في تنشئة جيل لا ينسى ولا يفرط ببلاده، من خلال القصص والروايات التي حافظت على صلتها بالواقع وملامسته، مع خدش طفيف في المشاعر يمنحها صلابة أكبر.
ومن أبرز الكتّاب الفلسطينيين الذين تعاملوا مع القضية كهم شخصي وشأن ذاتي الأسماء التالية:
إبراهيم نصر الله
كاتب وشاعر وأديب ورسام ومصوّر أردني من أصل فلسطيني، ولد في الأردن عام 1954، لأبوين فلسطينيين.
قضى إبراهيم نصر الله طفولته في مخيم “الوحدات” للاجئين الفلسطينيين في الأردن، ودرس في مدارس “وكالة غوث اللاجئين”، ثم انتقل إلى السعودية ليعمل في سلك التدريس قبل أن يتجه للصحافة.
وبعد تفرغه للعمل الأدبي عام 2006، قدّم نصر الله نتاجًا أدبيًا غزيرًا تجلى بوضوح في 14 ديوانًا من الشعر و14 رواية شكّلت “الملهاة الفلسطينية” سبع روايات منها، وهي مشروع روائي يتناول حقبة من تاريخ فلسطين تمتد نحو 250 عامًا، مستعينًا بشهادات حية ودراسات وأبحاث تخدم مواضيع السلسلة الأدبية.
تأثر نصر الله بالأدب العالمي، وتحديدًا بأحزان هذا الأدب، والجانب المأساوي فيه، فافتتح مشواره بالقراءة مع كتاب “كوخ العم توم”، و”أحدب نوتردام”، و”قصة مدينتين”، و”آلام فارتر”.
تُرجمت أعمال إبراهيم نصر الله إلى لغات حية مختلفة، كالإنجليزية والإيطالية والتركية والدنماركية، واختارت صحيفة “الجارديان” روايته “براري الحمى” واحدة من أهم عشر روايات كتبها عرب أو أجانب عن العالم العربي.
وتتحدث الرواية عن مدرّس يعمل في السعودية، تطالبه مجموعة من الرجال بدفع مبلغ 100 ريال كمساهمة منه في إجراءات دفنه، لأنه ميت.
فاز إبراهيم نصر الله بالعديد من الجوائز خلال مسيرته الأدبية المستمرة، ومنها جائزة “كتارا” للرواية العربية عام 2016، عن روايته “أرواح كليمنجارو” الصادرة عام 2015.
ومن أبرز دواوينه الشعرية “الخيول على مشارف المدينة” (1980)، و”مرايا الملائكة” (2001)، و”حجرة الناي” (2007)، و”الحب شرير” (2017).
كما تشكّل “زمن الخيول البيضاء” و”قناديل ملك الجليل” و”أعراس آمنة” و”أرواح كليمنجارو”، أبرز روايات نصر الله، وأعمقها تأثيرًا.
تشكّل أعمال نصر الله تكريسًا لارتباطه بأرض وطنه رغم ولادته في الجوار الأردني، لكنه حافظ على الرابط الروحي والتاريخي مع بلده الأم، وأدى واجبه بنقل وأرشفة التاريخ الفلسطيني عبر الشعر والرواية.
يقول إبراهيم نصر الله في رواية “أعراس آمنة” الصادرة عام 2004، “الذي يجبرنا على أن نزغرد في جنازات شهدائنا هو ذلك الذي قتلهم، نزغرد حتى لا نجعله يحس لحظة أنه هزمنا، وإن عشنا سأذكرك أننا سنبكي كثيرًا بعد أن نتحرر”.
مريد البرغوثي
واحد من أبرز الشعراء الفلسطينيين المعاصرين الذين قدّموا قضية بلادهم عبر الأدب، إذ عاصر محمود درويش ورثاه في موته، وهو زوج الروائية المصرية الراحلة رضوى عاشور، ووالد الشاعر تميم البرغوثي.
ولد مريد عام 1944 قرب رام الله في الضفة الغربية، ودرس اللغة الإنجليزية قبل أن يتجه للكتابة ويصدر ديوانه الشعري الأول عام 1972 بعنوان “الطوفان وإعادة التكوين”.
جمعت مريد البرغوثي علاقة صداقة عميقة مع الرسام الفلسطيني الراحل ناجي العلي، والكاتب الراحل غسان كنفاني، كما بدأ مشواره الشعري في وقت مبكر، فكتب أولى قصائده الموزونة وهو لا يزال طفلًا.
وتوفي في شباط الماضي، تاركًا خلفه إرثًا أدبيًا وشعريًا يصل إلى نحو 18 كتابًا يتراوح مضمونها بين الشعر والنثر، وتميل بأغلبيتها نحو بلاده وجهتها ووجهتها، وقضيتها التي تحضر في مسموع ومرئي ومقروء وسائل إعلام العالم منذ أربعينيات القرن الماضي.
ومن أبرز أعمال مريد البرغوثي “قصائد الرصيف”، وهو ديوان شعري صدر عام 1980، و”استيقظ لتحلم” وهو آخر أعمال مريد المنشورة في عام 2018.
وتشكّل قصيدة “الشهوات” على بساطة طموحاتها غصة في حلق المواطن العربي الذي يفتقر ويعوز كثيرًا مما تذكره القصيدة، إن لم يكن كل ما تذكره أصلًا.
ولمريد البرغوثي كتابان غير شعريين هما “رأيت رام الله”، ويعبّر عنوان الكتاب كثيرًا عن فحواه، وهو رواية تندرج في إطار السيرة الذاتية ورحلة العودة إلى وطن مفكك بعد 30 عامًا من الغربة.
ومن أبرز الأقوال التي وردت في الرواية: “لماذا يظن كل شخص في هذا العالم أن وضعه بالذات هو وضع مختلف؟ هل يريد ابن آدم أن يتميز عن سواه من بني آدم حتى في الخسران؟ هل هي أنانية الأنا التي لا نستطيع التخلص منها؟”.
غسان كنفاني
يعتبر غسان كنفاني واحدًا من أكثر الكتّاب الفلسطينيين غزارة في الإنتاج الفكري والأدبي والسياسي، قياسًا بعمره، ومن أكثرهم غضبًا ورفضًا أيضًا، ويتجلى ذلك بوضوح في تسخيره للكلمات التي تحمل أبعادًا نفسية وعاطفية يضعها الكاتب المقتول في سياقها الأصيل، ما يعطي المفردات وقعًا أعمق في النفس والوجدان.
ولد غسان كنفاني في عكا، ونزح عنها إلى يافا مع آلاف الفلسطينيين الذين نزحوا عن قراهم وبيوتهم تحت ضغط الهجمات الصهيونية، ثم انتقل إلى لبنان ومنها إلى سوريا، حيث عمل مدرّسًا في مدارس “وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين” (أونروا) في دمشق.
وسخّر قلمه في خدمة العمل السياسي والقضية الفلسطينية التي شكّلت الفلك الذي تدور حوله معظم أعماله الأدبية، حتى تلك التي تتناول مواضيع مختلفة لم تخلُ من الإسقاطات السياسية والوطنية على القضية، بالإضافة إلى اتخاذ المدن والقرى الفلسطينية مسرحًا لكثير من أحداث رواياته.
إلى جانب الأدب والكتابة، مارس غسان العمل السياسي وحمل بحماسة قضية بلاده، وتبناها حتى اغتياله.
وفي عام 1970، أجرى مقابلة مع الصحفي الأسترالي ريتشارد كارلتون، للحديث عن الوضع في فلسطين، ومستقبلها من منظور غسان.
كتب غسان لنفسه وللمرأة التي أحب، للوطن وقضاياه التي تحمل في طياتها خلافات مزمنة، وعقدًا لم يحلّها الوقت ولم تفقد سلطانها على عذابات الفلسطينيين.
ومن أبرز أعمال غسان كنفاني رواية “رجال في الشمس” (1961)، ورواية “ما تبقى لكم” (1966)، والمجموعة القصصية “عن الرجال والبنادق” (1966)، ورواية “أم سعد” (1969)، والمجموعة القصصية “موت سرير رقم 12” (1961)، ورواية “الشيء الآخر” التي تبدأ وتنتهي برسالة اعتراف من رجل سائر نحو حتفه لزوجته، ليخبرها بملابسات جريمة شائكة سيذهب بعد قليل ضحية لها.
وفي “الشيء الآخر”، تبرز قوة غسان على ربط الأحداث وتكوين حبكة تدين وتبرئ بطل الرواية في نفس الوقت من جريمة قتل تشير المعطيات فيها نحو البطل دون إثبات قطعي.
وفي تموز 1972، تعرض غسان كنفاني للاغتيال على يد جهاز “الموساد” الإسرائيلي، في شارع الحازمية في قلب العاصمة اللبنانية، بيروت، تاركًا خلفه قضية بلد وشعب لم يشهد انتصارها، والكثير من المقالات الصحفية والروايات والأعمال الكاملة، وتلك التي أكملها غيابه عن المشهد الفكري والسياسي وهو ابن 36 عامًا.
ويقول غسان في روايته “أم سعد”: “كل واحد يقول الآن أنا لم أقصد شيئًا، فلماذا يحدث كل الذي يحدث؟ لماذا؟ لماذا لا يتركون الطريق للذين يقصدون؟ لماذا أنت لا تقصد شيئًا؟”.
محمود درويش
تشكّل القضية الفلسطينية وهمومها الأرضية الخصبة لكثير من أعمال محمود درويش، شاعر القضية كما يلقبه محبوه، فرغم ابتعاده عن بلاده منذ الطفولة جراء النزوح والتشرد، حافظ درويش على الحبل السري الذي يربطه بوطنه وأرض آبائه من قبله.
ولد محمود درويش في قرية البروة في الجليل الأعلى في فلسطين، وكان في السادسة من عمره حين احتُلت قريته، وافتتح وأسرته مشوار النزوح الفلسطيني الذي لم ينتهِ بعد.
أكمل محمود دراسته الثانوية في حيفا، ثم عمل محررًا صحفيًا في صحيفة “الاتحاد”، قبل أن يسافر إلى موسكو لمتابعة الدراسة، ومنها إلى القاهرة، حيث التقى وجمعته الصداقة بكبار كتّاب تلك الفترة مثل نجيب محفوظ، ويوسف إدريس.
كانت أول مجموعة شعرية له بعنوان “أوراق الزيتون”، عام 1964، عندما كان عمره 22 عامًا، ومنذ ذلك الحين نشر درويش ما يقرب من 35 مجموعة شعرية ونثرية، تُرجمت إلى أكثر من 22 لغة.
حصل محمود درويش على العديد من الجوائز، منها جائزة “ابن سينا”، وجائزة “لينين” للسلام، وجائزة “لوتس” لعام 1969 من “اتحاد الكتّاب الأفرو آسيويين”، ومُنح ميدالية “بيلز ليترز” عام 1997، وجائزة عام 2001 للحرية الثقافية من مؤسسة “لانان”، وجائزة “ستالين” للسلام من الاتحاد السوفييتي.
أحب درويش فتاة يهودية تدعى ريتا، لكنهما افترقا حين اختارت الالتحاق بالجيش الإسرائيلي، وهو ما قاله درويش بنفسه شعرًا، وغناه الفنان اللبناني مارسيل خليفة.
توفي محمود في 9 آب عام 2008، إثر خضوعه لعملية جراحية في القلب بولاية تكساس الأمريكية، تاركًا توقيعه على قصائد خالدة جمعت بين الوطن والمرأة والثورة، وتحولت بسموّ صورها إلى أناشيد تتوارثها الأجيال التي يعوّل الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه على نسيانهم وإعراضهم عن القضية.
ناقش البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) إدخال بعض قصائد درويش في المنهاج التعليمي الإسرائيلي عام 2007، وفي عام 2014، أُزيح الستار عن تمثال لمحمود درويش في مدرسة لتعليم اللغات الشرقية في موسكو.
وتسببت قصيدته التي تحمل عنوان “بطاقة هوية” وتُعرف بين الناس بـ”سجّل أنا عربي” بانسحاب وزيرة الثقافة الإسرائيلية، ميري ريغيف، عام 2016، من حفل سينمائي أُقيم في مستوطنة أسدود، إذ اعتبرت الوزيرة أن القصيدة تحمل تهديدًا للشعب اليهودي عبر قول درويش “ولكني إذا ما جعت، آكل لحم مغتصبي، حذارِ حذارِ من جوعي ومن غضبي، سجّل أنا عربي”.
اعتقل الاحتلال محمود درويش عدة مرات، ومن المعتقل كتب “أحن إلى خبز أمي” التي لا تزال حاضرة في الوجدان العربي، ومن أبرز قصائده “أيها المارون” التي غنتها أصالة نصري شارة لمسلسل صلاح الدين الأيوبي.
سميح القاسم
يشكّل سميح القاسم ومحمود درويش ما يسميه الكاتب إيميل حبيبي “شقي البرتقالة الفلسطينية”، في إشارة إلى علاقة الصداقة والانسجام في الفكر والمواقف بين الرجلين.
ولد سميح في الأردن عام 1939، وهو فلسطيني الأصل من قرية الرامة في الجليل الأعلى، شمالي عكا.
اشتغل بالصحافة والسياسة، وانتقد الوضع المعيشي والأمني في القدس في أكثر من مناسبة، وشهدت مسيرته الفكرية غزارة في الإنتاج الذي يتجلى في 73 كتابًا في الشعر والمسرح والمقالة والترجمة، كما تُرجمت قصائده لأكثر من 14 لغة حية، من بينها الإنجليزية والفرنسية.
غُنيت قصائد سميح القاسم وتحولت لأناشيد زمن الانتفاضة الفلسطينية، لما فيها من تعبئة وشحن عاطفي، إذ غنى مارسيل خليفة “منتصب القامة أمشي”، من كلمات القاسم.
ويعبّر سميح القاسم بدقة عبر سربيته “خذلتني الصحارى” عن حالة الخذلان التي عاشها الفلسطيني بعد إعراض البلدان العربية عن قضيته باستثناء الشعارات، وانشغالها بقضاياها الداخلية وهمومها الحقيقية والمفتعلة.
ومن أبرز قصائده أيضًا قصيدة “أنا متأسف” التي يتوجه فيها إلى الله شاكيًا مرارة الواقع العربي، وما يجري في فلسطين، قبل أن يقدّم اعتذاره، سائلًا المغفرة.
–