علي درويش | خالد الجرعتلي
يجلس أحمد وحيدًا في منزله بقرية معرة حرمة بريف إدلب الجنوبي، صوت الرصاص والقذائف هدأ، لكن هدير الطائرات المسيّرة (دون طيار) يقطع السكون، في قرية نزح أهلها بعد دمار طال نسبة واسعة من مبانيها.
تتبّعت طائرة مسيّرة قريب أحمد، وهو مقاتل في صفوف المعارضة من أبناء المنطقة، توجه إلى نفس المنزل بواسطة دراجة نارية، وبعد دقائق قليلة بدأت المدفعية في بلدتي الهبيط وخان شيخون باستهداف محيط المنزل، حسبما قال أحمد لعنب بلدي.
حددت طائرة الاستطلاع المنزل، وصححت الهدف لتصيب المدفعية الموقع بشكل أدق، وهو ما أدى إلى تشتت الشابين رغم أنهما متمرسان في القتال.
اغتنم الشابان 30 ثانية لإخلاء المنزل بعد سقوط دفعة قذائف، وانطلقا إلى منزل ثانٍ في القرية يحتوي مغارة، لكن الطائرة المسيّرة رصدت تحركهما مجددًا، ووجهت المدفعية قذائفها إلى مخبئهما.
نجا أحمد وقريبه من القصف، الذي كان مركّزًا بسبب رصد الطائرة، وهو ما يتوافق مع ما أخبر به مقاتلون من فصائل المعارضة عنب بلدي، عن دور الطائرات المسيّرة في العمليات العسكرية لقوات النظام المدعوم روسيًا وإيرانيًا، في الجيب الأخير للمعارضة السورية شمال غربي سوريا، في الفترة بين شباط 2019 وآذار 2020.
وقال مقاتلون على خطوط التماس، إن الطائرات المسيّرة أجبرتهم على اتخاذ تدابير إضافية، أبرزها غياب الاجتماعات المباشرة في النقاط العسكرية والاستعاضة عنها بالحديث على القبضات اللاسلكية.
تسلّط عنب بلدي في هذا الملف الضوء على دور الطائرات المسيّرة في المعارك على الأراضي السورية والجهات التي استخدمتها، وأثرها على سير المعارك.
طفرة لا تملكها القوى المحلية
الناطق باسم “الجيش الوطني السوري”، الرائد الطيار يوسف حمود، قال لعنب بلدي، إن الطائرات المسيّرة أحدثت طفرة في العلوم التقنية العسكرية، أدت إلى ثورة في آلية خوض الحروب، خاصة طائرات الاستطلاع، وهي من أهم الصنوف الموجودة في القوات العسكرية (البرية والبحرية).
تحول الطيران المسيّر إلى عصب المعركة، وتعني زيادة تطور منظومة الاستطلاع لدى الجيوش، ارتفاع إمكانية الجيش وقدراته القتالية، وذلك بدءًا من العمليات العسكرية البسيطة لمجموعة من المقاتلين الذين يستهدفون نقطة عسكرية، حتى أكبر العمليات العسكرية، حسب الرائد يوسف حمود.
ولا يملك النظام السوري طائرات مسيّرة متطورة، لكن استخدام الروس وإيران و”حزب الله” اللبناني لهذا النوع من الطائرات، وفّر استطلاع معلومات أكبر تتضمن صورًا دقيقة للمواقع في مناطق سيطرة المعارضة.
ويستخدم النظام السوري طائرات “فانتوم”، وهي مخصصة للتصوير، ولا تتمتع بمدى (كيلومتر واحد) ومدة (نصف ساعة) طيران طويلين، بحسب ما أفاد به خبير عسكري عنب بلدي، تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية.
وأضاف الخبير، وهو عقيد سوري منشق عن قوات الدفاع الجوي، أن مركز البحوث العلمية في حماة يعمل حاليًا على تطوير طائرة مسيّرة انتحارية، تشبه الطائرات المسيّرة الإسرائيلية لكن أجنحتها أقصر.
بينما تملك فصائل المعارضة طائرات مسيّرة يطلق عليها اسم “الطيران المكبسي” للاستخدامات البسيطة، إذ لا تستطيع التحليق على علوّ مرتفع، ما يمكّن من إسقاطها بنيران عربات “الشيلكا” أو مدافع “عيار 23 مليمترًا”.
ولم تأخذ الطائرات المسيّرة التي تملكها الفصائل دورًا بارزًا في عملية الرصد والاستطلاع على خطوط الجبهات، بعكس الطائرات التركية الداعمة لهذه الفصائل.
كما تؤثر موجات تطلقها القواعد التركية عند تحليق الطيران المسيّر التركي على جودة الطيران المسيّر التكتيكي لدى المعارضة.
لكن استخدام بعض الفصائل للطائرات المسيّرة على خطوط الجبهات، يعطي معلومات جيدة عن القواعد ومواقع سلاح قوات النظام وانتشارها، ويرصد خط الجبهة بعمق كيلومتر واحد، أي كشف المنطقة أمام المقاتلين على الأرض، حسب الرائد يوسف حمود.
وأكد القيادي في “جيش العزة”، المنضوي ضمن “الجبهة الوطنية للتحرير”، العقيد مصطفى بكور، أن الطائرات المسيّرة استُخدمت من قبل الفصائل للتصوير والاستطلاع والمراقبة وتوجيه المقاتلين والآليات في أثناء التحرك على الأرض، من خلال المراقبة الآنية وإعطاء التعليمات في أثناء التحرك، وأدت “خدمات كبيرة” في هذا المجال.
أما الطائرات المسيّرة “المذخرة”، فلم تستخدمها الفصائل العسكرية للمعارضة، حسب المعلومات المتوفرة لدى العقيد مصطفى بكور، لأنها “تحتاج إلى إمكانيات دول وليس فصائل ثورية”.
ما الطائرات المسيّرة
– الطائرات المسيّرة دون طيار (Unmanned Aerial Vehicle)، هي الطائرات الزنانة التي تحمل حمولة عسكرية ككاميرات الرصد أو القذائف (صواريخ أو قذائف تلقى منها).
– وهي طائرات موجّهة لاسلكيًا يُتحكم بها عن بُعد، يمكنها الطيران في اتجاهات وارتفاعات مختلفة، تنطلق من مطارات أو قواعد عسكرية أرضية، أو عن طريق إطلاقها بدفع يدوي، كما يمكنها الإقلاع من السفن أو تُلقى من الطائرات.
– يمكنها العودة إلى مكان الإطلاق أو مكان آخر يحدده القائد في غرفة العمليات، في حال لم تتعرض لحادث أو عطل خلال أداء مهمتها.
– تنقسم الطائرات المسيّرة من ناحية التوجيه إلى نوعين، الموجهة ذاتيًا، والموجهة عن بُعد.
– أما من ناحية المهام، فمنها ما يُستخدم للرصد والتصوير وبالتالي تحديد الأهداف، ومنها متعدد المهام، أي الرصد والاستطلاع وتحديد وقصف الأهداف.
قدرة على الرصد.. كيف يمكن التخفيف من الخطر
“المرصد 80″، المتخصص برصد التحركات العسكرية في شمال غربي سوريا، أفاد عنب بلدي أنه يحذر جميع النقاط العسكرية التابعة للمعارضة عند إقلاع طيران الاستطلاع الروسي والإيراني بضرورة التخفي والتمويه وتخفيف الحركة، لكن الأخطر عند إقلاع الطائرات المسيّرة “المذخرة”، التي لا يمكن رصدها إلا في حال مشاهدتها في الجو.
يملك المرصد اليوم خبرة بتمييز نوع الطائرة من الصوت، ويستند إلى “كتالوج” معدّ محليًا للطائرات المستخدمة في سوريا، سواء المستخدمة من قبل النظام أو روسيا وإيران أو التحالف.
وأوضح العقيد مصطفى بكور أنه يمكن الحد من تأثير الطائرات المسيّرة من خلال اتخاذ إجراءات مضادة، كالتمويه بأشكاله، وتغيير أماكن التمركز بشكل مستمر، والتقليل من حركة الآليات والأفراد عندما تكون الطائرة في الجو.
إضافة إلى إعطاء دروس عن أخطار الطائرات المسيّرة للمقاتلين، وخصائصها وآلية تجنبها، حسب الرائد يوسف حمود.
مكاسب بتكاليف أقل
– تبث الطائرات المسيّرة صورًا مباشرة لغرفة العمليات خلال عملية الرصد، ما يتيح سهولة وسرعة ودقة للمدفعية وحتى الطيران الحربي بالقصف.
– ربطت الطائرات المسيّرة العمق على الأرض مع النسق الأول وقيادة العمليات، لتحقق “الوعي الظرفي” في المعركة.
– حققت مدة الطيران الطويل للطائرات المسيّرة، مع تزويدها بمعدات تصوير ليلية ونهارية عالية الدقة، استطلاعًا مستمرًا.
– خفضت الطائرات المسيّرة التكلفة مقارنة بالطيران الحربي الكلاسيكي، كالوقود وأجهزة التحكم والأجهزة الملحقة الأخرى، وسهّلت قيادة العمليات بعيدًا عن مسرح العمليات دون وجود العنصر البشري في العملية بشكل مباشر، وأعطت أداء أفضل ودقة أكبر.
– البصمة الرادارية للطائرات المسيّرة ضعيفة، ما يصعّب عملية استهدافها بمضادات الطيران، ويمكّن الطائرات المسيّرة من التسلل وضرب الدفاعات الجوية (منظومات أو رشاشات)، ما يؤدي إلى سهولة دخول الطيران الحربي الكلاسيكي وتنفيذ ضربات.
– دقة قصف الطيران المسيّر تحقق القصف الجراحي، الذي يعرف بأنه قصف هدف منفرد أو نقطي (مساحته أقل من 150×150 مترًا)، وغالبًا يكون استهدافه في المناطق المأهولة بالسكان كي لا يوقع ضحايا مدنيين، والتي لا يجب استخدام الذخائر العمياء في استهدافها كمدافع “الهاون” وصواريخ “الغراد”.
كيف استخدمت الجيوش الأجنبية الطائرات في سوريا
على الرغم من الاستخدام الضعيف للطائرات المسيّرة من قبل المعارضة والنظام، اعتمدت الجيوش النظامية الأجنبية والميليشيات العسكرية الموجودة على الأراضي السورية عليها بكثرة، وكان لها أثر كبير في سير المعارك.
كما كانت لها أهداف مختلفة حسب القوى التي استخدمتها، منها اغتيال شخصيات محددة، ومنها ما كان عاملًا مهمًا في حسم المعارك.
“بيرقدار” و”أنكا”.. أحرجت الدفاعات الجوية الروسية
وقفت منظومات الدفاع الجوي الروسية من أنواع “تور إم- 2″، “Pechora-2M”، “Pantsir-S1″، عاجزة أمام الطائرات المسيّرة التركية “بيرقدار” و”أنكا” خلال معارك شمال غربي سوريا أواخر شباط وبداية آذار 2020.
وتمكنت الطائرات التركية من تدمير منظومات دفاعية متخصصة بإسقاط الأهداف القريبة والمتوسطة المدى، كما استخدم الجيش التركي الطائرات المسيّرة في قصف دبابات وآليات قوات النظام السوري في محافظة إدلب، حيث كبدته خسائر مادية وبشرية كبيرة، واستخدمت حينها رؤوسًا حربية متخصصة في اختراق الدروع من طراز “MAM-L”.
وجاء استخدام تركيا لهذا النوع من السلاح بعد مقتل أكثر من 30 جنديًا بقصف لقوات النظام، وعدم قدرة أنقرة على استخدام سلاحها الجوي، بسبب حظر الطيران الذي فرضته روسيا على سوريا.
وتحدث الخبير العسكري الذي قابلته عنب بلدي (عقيد سوري منشق عن قوات الدفاع الجوي)، أن دخول “بيرقدار” التركية في المعارك قلب الموازين، إذ كان النظام قد سيطر على مساحات واسعة من أرياف إدلب وحماة وحلب.
ولا يمكن التشويش على “بيرقدار”، حسب الخبير، لأنها تعمل بالارتباط بالأقمار الصناعية ولا يمكن قطع الاتصال عنها، ومدعمة بنظام التوجيه الثنائي (النظام التلفزيوني أو الكهروبصري)، إضافة إلى قيادتها العمليات.
وأشار الرائد يوسف حمود إلى أن الأتراك أدخلوا أسلوبًا جديدًا في الطيران المسيّر، وهو زج أسراب من الطائرات المسيّرة على خطوط الجبهات، من طرازات مختلفة (تكتيكي لتحديد المواقع والتصوير، و”بيرقدار” المتعددة القدرات).
وما فعله الأتراك هو إنشاء غرفة عمليات كاملة تقود هذه الطائرات، و”استخدام أسلوب جديد في المعركة يعتبر مفاجئًا للعدو للإحباط والتأثير عليه”، حسب حمود.
وأنتجت تركيا أول نسخة من طائرتها المسيّرة عام 2007، وأجرت أول رحلة لها عام 2009، وبدأ إنتاجها التسلسلي عام 2011.
في تقرير لمجلة “فوربس” الأمريكية، في أيلول 2020، ذكرت أن طائرة “أكسونغور” (Aksungur) التركية دون طيار، التي صنعتها شركة صناعات الفضاء التركية (TAI)، أكملت رحلة تجريبية استغرقت 28 ساعة.
وأوضح التقرير أن “أكسونغور” تحمل تحت أجنحتها 12 صاروخًا من طراز “سمارت ميكرو ميونيشن” (Smart Micro Munition)، “وهي حمولة أكبر بكثير مما يمكن حمله بواسطة Bayraktar TB2 أو Anka-S”. صاروخ “MAM-L” الذي يزن 22 كيلوغرامًا يمكنه إصابة أهداف بمدى 14 كيلومترًا، كما يمكن تزويده بأنواع مختلفة من الرؤوس الحربية، التي قد تحوي مواد شديدة الانفجار، أو الرؤوس الحربية المتخصصة باختراق دروع الدبابات. وبحسب ما أوردته المجلة، أصبحت “أكسونغور” أول طائرة من دون طيار تسقط قنبلة “مارك 82” (87 كيلوغرامًا) للأغراض العامة، لافتة إلى أنه يتم توجيهها عبر مجموعة التوجيه (Teber) تركية الصنع، التي تحوّل القنابل التقليدية “الغبية” إلى قنابل “ذكية” دقيقة التوجيه. |
إيران وروسيا.. دور متكامل
تصنف إيران وروسيا من بين الدول الخمس الأكثر تطورًا في صناعة الطائرات دون طيار (الدرون) إلى جانب الولايات المتحدة وإسرائيل والصين، بحسب مركز “المصلحة الوطنية الأمريكي” (The National Interest).
واستخدمت إيران وروسيا أنواعًا مختلفة من الطيران المسيّر في سوريا ضد فصائل المعارضة أو تنظيم “الدولة الإسلامية”، إلا أن الطائرات المسيّرة الانتحارية (الكاميكازي) زاد استخدامها من قبلهما.
وقتلت الطائرات المسيّرة الإيرانية، خاصة الانتحارية منها، مدنيين في مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا خلال عملهم في الأراضي الزراعية.
ووثق “الدفاع المدني”، في تشرين الأول 2020، مقتل وإصابة خمسة مدنيين بينهم أطفال نتيجة إلقاء طائرة استطلاع مسيّرة ألغامًا من نوع “POM-2” على مزرعة مأهولة بالمدنيين قرب قرية الشيخ بحر غربي إدلب.
واستُخدمت الطائرات الانتحارية لأول مرة في الحرب العالمية الثانية من قبل الطيارين اليابانيين (الكاميكازي) لضرب القوات البحرية الأمريكية.
وبحسب “المرصد 80″، المتخصص برصد العمليات العسكرية، تنطلق الطائرات المسيّرة الروسية التي تستهدف الأرياف الشرقية لمناطق سيطرة المعارضة من قاعدة في قريتي الغدفة ومعر شورين جنوبي إدلب، وغالبًا ما تستخدم نوع “أورلان- 10”.
أما الطيران الذي يستهدف منطقة الساحل والطائرات المسيّرة الكبيرة الحجم، فتقلع من قاعدة “حميميم” الجوية.
والطيران الإيراني المسيّر التكتيكي ينطلق من مطار “حماة”، و”المذخر” من معسكر “جورين” في سهل الغاب شمال غربي حماة، حسب المرصد.
ما أنواع الطائرات الروسية والإيرانية المستخدمة في سوريا
بحسب رصد خبير عسكري لحركة الطيران المسيّر الروسي والإيراني، فإن النسخ المستخدمة من قبل إيران على الأراضي السورية هي:
“أبابيل- CEL” ثنائية الذيل، هجومية تستخدم لاستهداف تجمعات العناصر والآليات، وزن القذيفة بين 30 و50 كيلوغرامًا تنفجر أعلى من الهدف بـ15 مترًا، ومدى الطيران 30 كيلومترًا.
“مهاجر- 1″، يُطلق عليها من قبل المعارضة اسم “النسر”، تُستخدم للتصوير وتوجيه القصف المدفعي.
“مهاجر- 2” نسخة “M”، يسميها “حزب الله” اللبناني “رعد- 85″، وهي طائرة انتحارية مزوّدة بشحنة متفجرة بحدود خمسة كيلوغرامات، موجهة تلفزيونيًا، استُخدمت بقصف شركة “وتد” للمحروقات، والاغتيالات، مسافة الطيران 50 كيلومترًا، تُطلق من “الفوج 46” غربي حلب.
“أبابيل- 3” ثنائية الذيل، طائرة هجومية، تحمل قذائف مداها ستة كيلومترات، توجه بالليزر للأهداف المتحركة والثابتة، تُطبّق قطعها في مطار “T4” شرقي حلب، وتُستعمل في البادية ضد تنظيم “الدولة”.
“مهاجر- 6″، تجري جولات استطلاعية، وشوهدت بمطار “حماة” والبوحمدان في البوكمال شرقي سوريا.
أما الروس، فاستخدموا طائرات “A- 50″ المسماة بـ”البجعة” و”إيل- 20″ في العمليات العسكرية الكبيرة، إضافة إلى طائرات “أوريون” و”أورلان”.
ومنذ تدخلها إلى جانب النظام عسكريًا في 30 من أيلول 2015، حتى آذار 2019، استخدمت روسيا أكثر من 70 طائرة مسيّرة على الأراضي السورية، حسب “سبوتنيك”.
ومن ضمن الطائرات التي استخدمتها القوات الروسية، طائرة “أليرون-3 إس”، وهي طائرة صغيرة الحجم قريبة المدى تقوم بمهام الاستطلاع والمراقبة خلال مدة تزيد على ساعة ونصف.
واستخدم العسكريون الروس طائرة “تاخيون” المسيّرة الصغيرة الحجم، والتي يبلغ طول جناحها نحو مترين، وبإمكانها القيام بمهام المراقبة وتحديد الأهداف، وتدوم طلعتها الجوية نحو ساعتين.
وتعتبر طائرة “أورلان-10” من الطائرات المسيّرة الكبيرة الحجم والمتوسطة المدى، ويمكن أن تدوم طلعتها الجوية 16 ساعة، وبإمكانها حمل خمسة كيلوغرامات من الأجهزة.
ومن ضمن الطائرات التي استخدمتها القوات الروسية طائرة “فوربوست” المسيّرة التي يمكنها حمل 100 كيلوغرام من الأجهزة، وتدوم طلعتها الجوية نحو 17 ساعة، وبإمكانها رصد ما يقع على بعد 250 كيلومترًا، واستُخدمت هذه الطائرة لأغراض المراقبة ومتابعة عمليات القصف.
وجربت روسيا نماذج من طائرتي “كورسار” و”أوريون”، و”لانسيت- 3″ لمهاجمة قوات المعارضة السورية، حسب “سبوتنيك”.
التحالف.. الطائرات المسيّرة وسيلة لإقصاء “الجهاديين”
اعتمد التحالف الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، على الطائرات المسيّرة في عمليات اغتيال قادة في الجماعات “الجهادية”، وعلى رأسها تنظيم “حراس الدين” فرع “القاعدة” في سوريا.
وقتلت الطائرات المسيّرة خلال خمسة أشهر عام 2020 (بين أيار وأيلول) 11 قائدًا عسكريًا ومقاتلًا شمالي سوريا، بعضهم مستقلون يعملون في مجال التدريب، وآخرون قادة من تنظيم “حراس الدين” إضافة إلى أشخاص لم تُعرف هويتهم.
وجرت معظم هذه الاستهدافات باستخدام صواريخ “النينجا” أمريكية الصنع.
وفي حين لا يتبنى التحالف بقيادة واشنطن هذه العمليات رسميًا، تواصلت عنب بلدي مع القيادة المركزية الأمريكية في وقت سابق عبر الإيميل، واستفسرت عن مسؤولية التحالف عن هذه الضربات، وقال المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية، النقيب في البحرية بيل أوربان، “نحن على علم بالتقارير المتعلقة بالغارات في شمالي سوريا”.
وأضاف أن “الولايات المتحدة تدعم بشكل كامل كل العمليات التي تهدف إلى القضاء على تنظيم (الدولة الإسلامية) في أي فرصة ممكنة”.
ماذا ينقص التشكيلات العسكرية المحلية في سوريا؟
الدخول في قطاع الطائرات المسيّرة ليس حكرًا على الجيوش النظامية، ويمكن تصنيع طائرات مسيّرة لأهداف محدودة، إذا توفر الدعم والخبرات، لكن التجارب المحدودة في سوريا اقتصرت على الجماعات “الجهادية”.
تشكيلات “جهادية” تحاول
وذكر مركز “أبحاث تسليح النزاعات”، نهاية عام 2020، أن تنظيم “الدولة” يمتلك “قدرات إنتاج متطورة للأسلحة التي تُصنع محليًا وبسرعة” بعيدًا عن مصانع الأسلحة المعروفة، بحسب ما نقلته شبكة “BBC“.
بينما استخدم فصيل “جند الأقصى” لأول مرة طائرات من دون طيار، في معاركه لقصف قوات النظام السوري، عام 2016، وأظهر تسجيل مصوّر بثه المكتب الإعلامي لـ”جند الأقصى”، “تذخير” طائرة “درون” في قصف قوات النظام بريف حماة الشمالي.
وجاء استخدام الطائرة في قرية معردس، في أثناء محاولة قوات النظام استعادة مواقع فقدتها في المنطقة.
وكتب قائد وحدة في الدفاع الجوي، الرائد المنشق عن النظام السوري المعروف بـ”أبو البراء”، آنذاك، عبر صفحته في “فيس بوك”، “الحمد لله الذي وفقني لتصنيع تسليح الطائرة الاستطلاعية التي بحوزة إخوتنا المجاهدين بدارة إلكترونية وقنبلة مضادة للأفراد أسميتها (سجيل 2)”.
الشركة المصنعة للطائرة المستخدمة من قبل الفصيل، هي “DJI” المتخصصة في صنع الطائرات من دون طيار ومقرها الصين، وأطلقت الطائرة من نوع “فانتوم 3” في أيار 2015، وهي مطورة لأغراض التصوير.
إلا أن فصيل “جند الأقصى” طوّر هذا النوع من الطائرات المسيّرة، وجعله قابلًا لحمل قذائف متفجرة من نوع “هاون”، بحسب ما ظهر في التسجيل الذي بثّه الفصيل العسكري عام 2016.
مطالب بتطوير قدرات المعارضة
طالب الناطق باسم “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، الرائد يوسف حمود، برعاية الاهتمام بالطائرات المسيّرة وتطويرها، وتأهيل عدد كبير من الكوادر القادرة على استخدام هذا النوع، وتقديم المعلومات لفصائل المعارضة.
“بقدر ما تملك معلومات عن العدو، بقدر ما تحبط هجومه وتتفوق عليه في حال الهجوم، وتحقق الإصابات والخسائر في صفوفه”، بحسب الرائد حمود، فـ”الحرب اليوم حرب معلومات”.
وأوضح الرائد الطيار أن بنية الحروب المقبلة والجارية حاليًا هي حروب هجينة، لذلك لا تخرج البنى العسكرية للجيوش النظامية خارج الحدود السياسية للدولة، إنما تعتمد على الصنوف التكتيكية، والقوى الجوية، والمرتزقة.
وامتلاك الفصائل العسكرية للمعارضة هذه المنظومات وتشغيلها بفاعلية، “سيغير الأمور لمصلحة الثورة”، حسب العقيد مصطفى بكور.
وطالبت المعارضة منذ بداية المعارك بفرض حظر طيران فوق سوريا، ليمنع النظام من القصف الجوي، أو تزويد المعارضة بمضادات طيران، إلا أن الأمر لم يلقَ استجابة من مجلس الأمن أو من الدول “الداعمة” للمعارضة.
وتعلن روسيا بشكل متكرر تعرض قاعدة “حميميم” العسكرية لهجوم بالطائرات المسيّرة مسببة أضرارًا، وهو ما اتخذته روسيا وسيلة لاستهداف مناطق سيطرة المعارضة.
وسائل دولية لصد الطائرات المسيّرة
ذكر تقرير لصحيفة “الشرق الأوسط” بعض التكنولوجيا الجديدة التي تتعامل مع الطائرات المسيّرة والتصدي لها، من أبرزها طائرات تعرف بـ”Anti- Drone Squad 1″، وظهر هذا النوع من الطائرات في اليابان، وهي تعتمد على شبكة كبيرة لاصطياد الطائرة.
ومن أهم عوامل التصدي لهذه الطائرات، وفق التقرير، التشويش على الإشارات الهوائية بواسطة “هوائي توجيهي” يجمّد الطائرة لفترة قصيرة، ليجعل مشغلها يعتقد أن فيها عطلًا، أو لمدة أطول حتى يفرغ شحنها من الطاقة وتسقط.
وتمكنت أنظمة شركة “أفتوماتيكا” الروسية من تطوير تقنية لاكتشاف طائرة مسيّرة وتتبّعها وتدميرها من خلال التأثير على القنوات الراديوية الخاصة بها، بحسب التقرير.
وأشار التقرير إلى وجود طريقة أخرى للتصدي للطائرات المسيّرة، وهي نظام “تاران” (القبة غير المرئية)، وهي قبة واقية غير مرئية فوق الموقع، يصل مداها إلى 900 متر على الأقل تعجز الطائرة المسيّرة عن اختراقها.
وتوجد أيضًا منظومة “بيشال المدمج”، وهي بندقية ذكية تزن ثلاثة كيلوغرامات، قادرة على كشف الهدف وتشويش الملاحة والاتصال على جميع الترددات.
وتكفي البطارية، التي تعمل عليها “البندقية”، لمدة ساعة من الاستخدام المتواصل، إضافة إلى الطرق التقليدية لأنظمة الدفاع من البنادق الرشاشة وتقنية التصدي بالنسور المدربة.
أما في هولندا، فاستخدمت الشرطة الهولندية، عام 2016، النسور لمكافحة هذا النوع من الطائرات، لتستنسخ هذه التجربة عدة أجهزة أمنية حول العالم لاحقًا، وهي طريقة غير مكلفة، لكنها تحتاج إلى التدريب قرابة السنة، ويشترط توفر هذه الطيور في الأماكن المهمة.
لكن ما يعيبها عدم إمكانية استخدامها في كل الأماكن مثل المطارات، نظرًا إلى مساحتها الجغرافية الكبيرة.