فيلم “الجهادي” يعيد ملف المعتقلين في سجون “تحرير الشام” إلى الواجهة

  • 2021/06/08
  • 3:51 م

قائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني (عنب بلدي)

عاد الحديث عن المعتقلين في سجون “هيئة تحرير الشام” إلى الواجهة بعد المقابلة التي أجراها زعيم “الهيئة”، “أبو محمد الجولاني”، مع الصحفي الأمريكي مارتن سميث، والتي نشرها موقع “فرونت لاين” الأمريكي مطلع حزيران الحالي.

وخصص الوثائقي زاوية للحديث فيها عن ملف الانتهاكات في سجون “تحرير الشام”، وقضايا التعذيب التي تعرض لها صحفيون أجانب ومحليون في سجون “الهيئة”.

إذ قال “الجولاني” خلال الوثائقي، عن اعتقال “الهيئة” سجناء أمريكيين، إنه “لم يكن لدى (تحرير الشام) سجناء أمريكيون، في المقام الأول، لا في عهد (النصرة) ولا حتى الآن”.

ورجح أن يكون بعض المقاتلين الذين انشقوا عن “النصرة” سابقًا، وارتكبوا أفعالًا خارجة عن قانون “الهيئة”، أو ربما كانوا أعضاء في تنظيم “الدولة”، هم من ارتكبوا هذه الأفعال السيئة باسم “الهيئة”، مؤكدًا أن “الهيئة” لم تعتقل أو تحتجز أحدًا.

ودعا “الجولاني”، خلال حديثه إلى الصحفي الأمريكي، المنظمات الإنسانية والدولية إلى الإشراف أو مراقبة السجون الموجودة في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام”، التي اعتبرها “الجولاني” تابعة لحكومة “الإنقاذ” وتساعد “الهيئة” في إدارتها أحيانًا.

أصوات التعذيب تُسمع في سجون “الهيئة”

انتقد الصحفي الأمريكي داريل فيلبس، المعروف باسم “بلال عبد الكريم” سجون “تحرير الشام”، وزعيمها “أبو محمد الجولاني”، وحكومة “الإنقاذ”، خلال لقائه مع موقع “MEE” البريطاني.

وأكد بلال لموقع “MEE”، في 4 من حزيران الحالي، أن التعذيب موجود في سجون “تحرير الشام”، وذلك على عكس ما تحدث به “الجولاني” في لقائه مع الصحفي الأمريكي مارتن سميث بنفيه وجود تعذيب في سجون “الهيئة”.

بلال قال إن “الجولاني بصراحة كاذب” في حديثه عن السجون، إذ كان الصحفي الأمريكي خلال فترة احتجازه يستمع إلى أصوات صراخ تعذيب المسجونين في الزنازين الأخرى.

خضع الصحفي الأمريكي للحبس الانفرادي في سجن تابع لـ”تحرير الشام” لأكثر من ستة أشهر، واستُجوب بشكل يومي، تحت تهديد من المحقق بالضرب، بحسب ما قاله في المقابلة.

واعتبر بلال أن “الجولاني” غير مؤهل للحكم، وأن حكومة “الإنقاذ” لا أحد يعطيها مصداقية كبيرة، ولا تملك سلطة.

أطلقت “تحرير الشام”، في شباط الماضي، سراح بلال عبد الكريم، بعد أكثر من ستة أشهر على اعتقاله، عقب طلب استرحام قدمه وجهاء منطقة أطمة وعدد من الشخصيات.

ونُشرت خلال الوثائقي الذي أعده الصحفي الأمريكي، مداخلة للصحفي السوري محمد السلوم، قال فيها إن هناك تعذيبًا “وحشيًا” يخضع له المعتقلون في سجون “تحرير الشام”، وأضاف، “هناك أساليب همجية في التعامل من قبل عناصر (الهيئة)”.

بينما قالت باحثة سوريا في منظمة “هيومن رايتس ووتش” سارة كيالي، إن هناك شهادات لدى المنظمة تثبت وجود عمليات تعذيب في سجون “الهيئة” على عكس ما قاله “الجولاني” خلال الفيلم.

وتعقيبًا على كلام “الجولاني” بأنه سيدعو المنظمات الحقوقية والإنسانية إلى تفقد أحوال السجون في سوريا، أضافت كيالي أنه سيكون من الجيد السماح لمنظمات حقوقية بالدخول إلى سوريا وتفقد السجون المعلَن وغير المعلَن عنها والتي تديرها “تحرير الشام”، كون المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في سوريا لم تشهد أي زيارة لمنظمات حقوقية لتفقد أحوال السجون فيها.

وتسيطر حكومة “الإنقاذ” على محافظة إدلب وجزء من ريف حلب الغربي، وتُتهم بتبعيتها لـ”هيئة تحرير الشام”.

وبحسب التقرير السنوي الذي أصدرته “الشبكة السورية لحقوق الانسان” العام الحالي، بلغ عدد المعتقلين في سجون “تحرير الشام” 2246، منذ شباط 2012 وحتى آذار الماضي.

للصحفيين ومنظمات حقوقية “رأي مختلف”

محمود معتقل سابق في سجن “دار القضاء” التابع لـ”تحرير الشام”، قال لعنب بلدي، إن عمليات الاعتقال العشوائية تشنها “تحرير الشام” منذ عدة سنوات وهي ليست جديدة.

وأضاف محمود (29 عامًا)، الذي تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، المقيم في أحد المخيمات بالقرب من قرية أطمة الحدودية مع تركيا، أنه اعتقل من قبل “الهيئة” في عام 2015، جراء صِدام بين مدنيين ومجموعة أمنية تابعة “للهيئة”.

لم يكن محمود على صلة بالصدام الذي حصل آنذاك، ومجرد وجوده في المنطقة التي شهدت التوتر، أدى إلى اعتقاله مع 18 شابًا آخرين.

وأضاف أن عناصر “الهيئة” الملثمين اقتادوهم  إلى ما بعرف باسم “دار القضاء”، في سرمدا بريف إدلب، وسط ضرب شديد تعرض له محمود وبقية الموقوفين.

وبعد مرور عدة ساعات، أُطلق سراح محمود بعد أن تأكد المحققون أنه لم يكن أحد المشاركين في الصدام الذي حصل في المخيم، وسط اعتذارات من قبل المحققين عن الضرب الذي تعرض له خلال اعتقاله.

وتساءل محمود عن سبب قيام الثورة السورية، “طالما أن انتهاكات النظام استمرت، ولكن تحت أسماء ورايات أخرى”.

ويشهد الشمال السوري مخاوف بين الصحفيين والناشطين، بعد سلسلة الاعتداءات التي تمارَس بحقهم من قبل الفصائل العسكرية، تراوحت بين اعتقال وخطف واغتيال.

“تحرير الشام” تحاول “لصق” نفسها بالمجتمع المحلي

وفي حديث إلى عنب بلدي، قال الباحث في مركز “جسور” للدراسات عباس شريفة، والمختص في شؤون الجماعات الجهادية، إن زعيم “تحرير الشام” يحاول التخلص من الملفات العالقة التي تشكل عليه ضغطًا في مراكز القرار الغربي ومنها ملف السجون.

ويعمل “الجولاني” على تبييض صورة هذه السجون، ومحاولة تصديرها على أنها سجون مثالية ومحكومة بالقانون وخاضعة للمعايير الإنسانية.

ولم يرجح شريفة أن يتحسن وضع السجون التابعة “لتحرير الشام”، كون زعيمها “الجولاني” يصدر نفسه على أنه سلطة قمعية ديكتاتورية غير ديمقراطية، وإحدى أهم أدوات الديكتاتورية هي كتم الأصوات.

ولا يمكن البحث في موضوع تحسّن بيئة السجون التابعة لـ”الهيئة”، إذ اعتبر شريفة أن المشكلة بنيوية في “الهيئة”، وليست مشكلة غياب القانون، إذ اعتبر أن عمليات الاعتقال “مزاجية” بسبب نظرة الفصيل إلى المعارضين له على أنهم خطر على حكمه.

وأرجع شريفة حديث “الجولاني” عن ملف السجون، إلى محاولاته احتكار الصورة العامة في إدلب، إذ يحاول تصدير نفسه على أنه الجهة الوحيدة صاحبة السلطة في المنطقة الخارجة عن سيطرة النظام، وضبط السلطة الإعلامية وحصرها بنفسه.

لا تتمنى “تحرير الشام”، اليوم، أن يكون هناك أي سلطة إعلامية خارجة عن إطار تبييض صورتها، بحسب شريفة، في محاولة منها لصنع تأثير في مركز القرار الغربي.

تنطلق الحركات الجهادية في أغلبية أعمالها من نصوص دينية، إلا أن تعاملها مع حرية التعبير لا يعتبر من المنطلق ذاته، فهي تدخل ضمن السياسة الشرعية، وكون هذه الحركة الجهادية أصبحت “سلطة الأمر الواقع”، وقادتها هم ولاة الأمر، فإنها تعتبر أي نقد للفساد نوعًا من كشف العيوب للأعداء، بحسب شريفة.

بينما تنتشر اليوم رواية تصدّرها “تحرير الشام”، أن من ينتقد هذه المنظومة يحاول تصنيف إدلب كمنطقة إرهابية، واعتبر شريفة أن هذه الممارسات هي محاولة من “الهيئة” للالتصاق بالمجتمع ومحاولة لصق ممارساتها بالمجتمع من منطلق أن “الهيئة” تعتبر الإضرار بها هو الإضرار بالمصالح العامة.

مقالات متعلقة

معتقلون وسجون

المزيد من معتقلون وسجون