الانجذاب الجنسي للأطفال.. ماذا نعرف عن البيدوفيليا
د. أكرم خولاني
رغم ما يسببه التحرش الجنسي بالأطفال من أضرار جسدية ونفسية وسلوكية، يحاول البعض تبريره بأنه سلوك طبيعي عند بعض الأشخاص نتيجة ميولهم الجنسية نحو الأطفال بشكل فطري، وهو ما يسمى بالبيدوفيليا، لكن الحقيقة أن البيدوفيليا هي اضطراب نفسي يمكن علاجه بينما التحرش هو جريمة تجب معاقبة فاعلها.
ما البيدوفيليا أو الغلمانية
البيدوفيليا (Pedophile) أو الغلمانية أو الولع الجنسي بالأطفال أو الانجذاب الجنسي للأطفال، كلها مصطلحات مترادفة تشير إلى اضطراب جنسي يميل فيه الشخص البالغ جنسيًا نحو الأطفال دون سن البلوغ، التي تكون عادة 13 عامًا أو أصغر، وغالبًا من سن سبع إلى 13 سنة، وتعتمد شهوته الجنسية على تخيل ممارسة سلوكيات جنسية مع الأطفال، وقد تصل إلى التحرش أو الاعتداء الجنسي بحالات نادرة، وقد يكون الانجذاب إلى أحد الجنسين أو كليهما.
ربما يدرك المصاب ميوله الجنسية تجاه الأطفال عند البلوغ، وقد يكون الاضطراب مستمرًا مدى الحياة، وقد تقل حدته مع الوقت.
عادة ما توجد النسبة الكبرى من المصابين بهذا الاضطراب بين الرجال (بنسبة 3- 5%) مقارنة بالنساء اللاتي يصبن بنسبة قليلة جدًا.
ويبدو أن خطر البيدوفيليا ليس ببعيد، فإذا استمرت الحال على الوتيرة نفسها، وتصاعدت الأصوات المطالبة بمساواة البيدوفيل مع بقية أفراد المجتمع، بدعوى ترسيخ الحريات وتعزيز حقوق الأطفال وتمكين الشباب، فإنه لا يستبعد أن نجد المجتمعات الغربية في يوم من الأيام تحتفي بزواج رجل بيدوفيل بطفل.
ولتطبيع مسألة البيدوفيليا هناك أربع خطوات يسير عليها أصحاب حركة البيدوفيليا:
تبدأ أولى الخطوات بكسر “التابو” الاجتماعي عبر الحديث عن البيدوفيليا، سلبًا أو إيجابًا، بشكل علني ومفتوح أمام الجماهير وفي وسائل الإعلام.
ثم تتبعها خطوة نزع الصفات السلبية عن البيدوفيل وتبرئة البيدوفيليا من أي طعن أو خلل يوجه إليها من أجل إزالة أي اتهام أخلاقي عن المتحرشين بالأطفال وتحويلهم من مجرمين إلى ضحايا، لجذب التعاطف تجاههم.
بعد ذلك، تأتي خطوة إثبات أن البيدوفيل هو بشر كالبقية، يستحق نفس الحقوق والكرامة والمساواة.
وأخيرًا تنتهي المسيرة بتقنين وضع البيدوفيليا دستوريًا وقانونيًا لتصبح إعاقة البيدوفيل شكلًا من أشكال الرجعية وتكميم الأفواه وتعطيل مسيرة التقدم والحرية.
هل من علاقة بين البيدوفيليا والتحرش الجنسي بالأطفال؟
يجب التفريق بين الميل الجنسي للأطفال (Pedophilia) والتحرش الجنسي بالأطفال(Child Sexual Offending)، فليس كل من لديهم ميل جنسي للأطفال يقومون بسلوكيات وفقًا لهذا الميل (الانتقال من الفكرة إلى السلوك)، أي أنه ليس كل مشتهٍ للأطفال هو متحرشًا بهم، وكذلك ليس كل المتحرشين بالأطفال مصابين بالبيدوفيليا، وبالتالي فإن المتحرّشين بالأطفال يتم التعرف عليهم عن طريق أفعالهم، في حين أن مشتهي الأطفال يتم التعرف عليهم من خلال رغباتهم.
ما أسباب الإصابة بالبيدوفيليا؟
إن أسباب ودوافع البيدوفيليا والاضطرابات الجنسية الأُخرى ما زالت غير معروفة، ويرجع كثير من المتخصصين هذا الاضطراب الجنسي إلى العوامل الآتية:
- خلل جيني: توجد بعض الأدلة التي تشير إلى سريان الاضطراب بين العائلات، مع هذا لا يمكننا الجزم إذا كان الاضطراب نتيجة خلل جيني أو سلوك مكتسب.
- تعزيز الأفكار: عادةً ما تبدأ الاهتمامات الجنسية عند الإنسان في سن مبكرة، ما يتيح لها مجالًا زمنيًا واسعًا للتعزيز عن طريق التكرار، ولكن التخيلات والأفكار الجنسية ذات طبيعة شخصية وليس من المقبول أن نشاركها مع الآخرين، فإذا ما كانت مثل هذه الأفكار منحرفة فإنها مع مرور الزمن تتعزز في الذاكرة باستمرار، حتى تأتي المثيرات البيولوجية والخارجية لتحفيزها، عندها فقط يبدأ الشخص في إدراك أن مثل هذه الاهتمامات والدوافع المنحرفة تتعارض مع المعايير المجتمعية، ولكن بحلول ذلك الوقت، أصبح الاستخدام المتكرر لمثل هذه التخيلات متأصلًا، وأصبحت الأفكار والسلوكيات الجنسية المرتبطة بها هي المثير الوحيد.
- التجارب المبكرة: إن كثرة تعرض الطفل مجتمعيًا للمثيرات الجنسية تحفز عنده هذه الخيالات، ومن ثم يقتدي بتلك السلوكيات ويستمر بممارستها.
- تعرض الطفل للتحرش، أو الاعتداء الجنسي، في أثناء الطفولة، قد يزيد ذلك من احتمالية إصابته باضطراب البيدوفيليا عند البلوغ، ولكن لم يتم إثبات ذلك كليًا.
- لم تثبت العوامل الأخرى، كالخلل في هرمونات الذكورة، أو في السيروتونين، أي دور في حدوث الاضطرابات الجنسية، التي من بينها البيدوفيليا.
كيف تُشخّص الإصابة بالبيدوفيليا؟
ليتم التشخيص يجب استيفاء المعايير التالية:
- تخيلات جنسية قوية، وملحة، أو ممارسة سلوكيات جنسية مع أطفال دون سن البلوغ (13 عامًا أو أصغر)، لفترة تبلغ على الأقل ستة أشهر.
- دوافع جنسية مترجمة في صورة اعتداءات وانتهاكات، أو في صورة قلق وخلل اجتماعي أو وظيفي، أو حياتي.
- يبلغ المصاب على الأقل 16 عامًا، ويكون فارق السن بينه وبين الطفل المعتدى عليه خمس سنوات على الأقل.
- لا ينطبق التشخيص على الأفراد في نهاية فترة المراهقة، الذين تجمعهم علاقة جنسية مع الأطفال البالغين (12 أو 13عامًا).
على الشخص التصرف على أساس رغباته الجنسية أو أن يشعر بعدم راحة نتيجة لرغباته أو خيالاته، من دون هذين المعيارين، قد يمتلك الشخص توجهات بيدوفيلية، لا اضطراب البيدوفيليا.
ما طرق علاج البيدوفيليا؟
توجد وسيلتان للتداخل العلاجي في حالات اشتهاء الأطفال، وهما: العلاج الدوائي والعلاج السلوكي المعرفي، ومن الممكن استخدام الأدوية بالتزامن مع العلاج السلوكي.
ويكون العلاج الدوائي عن طريق:
- مضادات الأندروجين التي تخفض مستويات هرمون الذكورة لتقليل الإثارة الجنسية، أسيتات ميدروكسي بروجستيرون (بروفيرا) وليبروليد.
- من الممكن وصف مثبط استرجاع السيروتونين الانتقائية لعلاج الاضطرابات الجنسية الشديدة وللاستفادة من أحد آثاره الجانبية، وهو تقليل الرغبة الجنسية.
- يتم إعطاء جرعات عالية من بعض الأدوية، مثل سيرترالين (زولوفت)، فلوكزتين (بروزاك)، فلوفوكسامين (لوفوكس)، سيتالوبرام (سيليكسا)، والباروكزتين (باكسيل) المستخدمة لعلاج الاكتئاب.
- وقد تستخدم كذلك مثبطات استعادة السيروتونين، مثل فلوكستين (بروزاك).
أما العلاج السلوكي المعرفي فيتضمن:
التشريط المنفّر، وإعادة هيكلة الانحرافات المعرفية، وتمارين التعاطف مع الضحايا.
يتضمن التشريط المنفّر استخدام محفز سلبي للتقليل أو القضاء على تصرفات معيّنة، ومثال على ذلك استرخاء المريض وعرض مقطع لسلوك منحرف على الشاشة، وبعدها يتم عرض حدث سلبي مثل مقطع يعلق فيه القضيب في سحاب البنطال، والهدف هنا هو قيام المريض بربط السلوك المنحرف بالحدث السلبي إلى أن يتوقف عن القيام بهذا السلوك.
وتنطوي إعادة الهيكلة المعرفية على تصحيح الفكرة البيدوفيلية القائلة إن الطفل يود الانخراط في هذه الفعالية، فالمصاب بالبيدوفيليا إذا رأى طفلة ترتدي سراويل قصيرة من الممكن أن يفكر بصورة خاطئة أن هذه الطفلة تريده جنسيًا.
وتنطوي تمارين التعاطف على مساعدة المريض في أخذ منظور الضحية وفهم الضرر الذي يسببه، ويتم ذلك مثلًا عن طريق عرض مقاطع فيديو تبين الآثار التي سيعاني منها الضحايا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :