خطيب بدلة
يصف أهل بلدنا “حَبّ الآس” بأنه طيب ولذيذ، ولكن له غَصّة! وهذا، يا سيدي الكريم، ينطبق على الإنسان، ابن آدم، فبينما هو مبسوط، ومروق، يحدث أمر تراجيدي، فينقهر، ويحزن، ويغص كما لو أنه بلع كمية مبحبحة من حَبّ الآس دفعة واحدة.
هذا ما حصل مع عشاق ابن حافظ الأسد الحلبيين مؤخرًا، في أثناء احتفالهم بانتخابه رئيسًا لسوريا، مدة سبع سنوات أخرى. نص الخبر الذي نشرته “عنب بلدي” على أن عددًا كبيرًا من الجرحى، بعضُهم في حالة خطيرة، قد جيء بهم، في حالة إسعاف، إلى مستشفيي “الرازي” و”الجامعة”، وهم مصابون بعيارات نارية، في أثناء احتفالهم بنجاح ابن حافظ، في أماكن مختلفة من مدينة حلب، وتوفي شخص واحد هو الشاب يحيى ناصر، ولا يزال هناك جرحى في حالة خطيرة.
عندما يقرأ معارضو الأسد هذا الخبر، سيشمتون، دون أدنى شك، بهؤلاء المحتفلين، ويطلقون عليهم سلسلة من الأوصاف المهينة، من قبيل شبيحة، ونبيحة، ومنحبكجية، ومنركعجية، ودبيكة، ونخيخة، ويتمنون أن تتطور إصاباتهم، فيلحق حَبْلُهم بدلو الشاب القتيل، فالذي بلغت الرصاصة مكانًا قريبًا من عموده الفقري، مثلًا، يدعون الله أن تتقدم قليلًا فتصيب النخاع الشوكي، فينطرح الشبيح المنحبكجي الوسخ، فراشًا، ولا يعود قادرًا على المشاركة في احتفال أو دبكة، وتشل يده فلا يستطيع أن يحمل مسدسًا أو بارودة روسية أو رشاش “بي كي إس”، يطلق بها النار في الهواء، سواء صار ابن حافظ رئيسًا لسبع سنوات، أو انقرف عمره الآن وذهب إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم، ويتمنون، كذلك، أن يمرض ابن حافظ الأسد ثم يشفى، مثلما حصل مع محروق النَفَس والده، ويعود هؤلاء إلى إطلاق النار، ولكن بعد أن يكونوا قد اكتسبوا رجفة في أيديهم، جراء الإصابات الحالية، وبدلًا من أن يطلقوا النار في الهواء، يصيبون بها بعضهم بعضًا، فيتساقطون على الأرض مثل أكياس الخردق، ولا يعود مستشفى رازي أو مازي، أو جامعة أو مامعة، بقادر على إنقاذ حياتهم.
هذا الحقد، في الحقيقة، لا يليق بالمعارضين، وكان حريًا بهم، لو كانوا منصفين، أن يلتمسوا لهؤلاء المنحبكجية عذرًا، فالجماعة، أعانهم الله، عاشوا خلال الأسابيع الماضية على أعصابهم، فالمجرم ابن حافظ الأسد الذي قتل أبناءهم، وشرد أقاربهم وأبناء شعبهم في المخيمات، وفي بلاد الله الواسعة، تأخر في إعلان ترشحه للرئاسة حتى خُيّل إليهم أنه سيترك العمل السياسي ويتفرغ لحب الوطن، ويبدو أن بعض الناس الوطنيين في دمشق قد تمكنوا من إقناعه بالترشح، وهنا تنفس منحبكجية حلب الصعداء، ولكن إلى حين، فقد فوجئوا، مثلما فوجئنا كلنا، بنزول مرشحين من ذوي الوزن الثقيل إلى ميدان المنافسة، وأصبح الخوف، كل الخوف، من أن يتمكن هؤلاء المنافسون من مراقبة عمليات الاقتراع، فلا يستطيع أمناء الصناديق الموالون لابن حافظ أن ينتخبوا عن شخص مهجر، أو امرأة مفجوعة بولدها، أو إنسان ميت منذ سنين طويلة، ووقتها قد يسقط ابن حافظ في الانتخابات، ويعم الحزن في بيوت الناس، وبالأخص الذين قتل هذا المجرم أبناءهم.