قبل انتهاء التفويض.. المساعدات الإنسانية إلى سوريا على مفترق طرق

  • 2021/06/04
  • 5:08 م

تعبيرية_ المساعدات الإنسانية إلى سوريا (عنب بلدي)

يتجدد الحديث بشأن موضوع إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا مع اقتراب انتهاء تفويض مجلس الأمن لإيصال المساعدات إلى سوريا، في 10 من تموز المقبل.

وانتهت فاعلية قرار المجلس المتعلق بمرور المساعدات إلى سوريا، والذي استمر ست سنوات بعد تجديده لأكثر من مرّة، في 10 من تموز 2020.

واقتصر إدخال المساعدات منذ ذلك الوقت على معبر “باب الهوى” الحدودي بين سوريا وتركيا، بعد إغلاق معبر “باب السلامة” إثر “فيتو” مزدوج، روسي صيني، لرفض مشروع قرار بلجيكي- ألماني، ينص على تمديد الموافقة على نقل المساعدات عبر معبري “باب الهوى” و”باب السلامة”، ما يعني حصر إدخال المساعدات بمعبر “باب الهوى” الذي يربط شمال غربي سوريا بالأراضي التركية.

ووفقًا لبيان صادر عن السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، خلال زيارتها إلى الحدود التركية- السورية، الخميس 3 من حزيران، أعلنت غرينفيلد تعهد بلادها بتقديم نحو 240 مليون دولار أمريكي، على شكل تمويل إنساني إضافي لشعب سوريا وللمجتمعات التي تستضيفهم.

ومع اقتراب انتهاء تفويض مجلس الأمن لإيصال المساعدات إلى سوريا، والحديث عن مصير المعابر الحدودية، الذي سينعكس بالضرورة على وضع واحتياجات السوريين شمال غربي سوريا، تشير التوقعات نحو مساعٍ روسية لمحاولة إغلاق معبر “باب الهوى”، المعبر الأخير الذي يشكل الشريان الوحيد لتغذية الشمال السوري.

والغرض من الإغلاق هو تسليم المساعدات للنظام السوري، واللجوء إلى فتح معابر داخلية لإيصال المساعدات وسط مخاوف من استعمال النظام لهذه المساعدات كوسيلة للانتقام من السوريين، أو لأغراض تجارية في ظل واقع اقتصادي هش تعيشه المناطق التي يسيطر عليها.

ما الذي سيتغير؟

عن التأثيرات الاقتصادية المحتملة لتحويل مسار المساعدات الإنسانية، يرى الباحث الاقتصادي السوري الدكتور فراس شعبو، أن اقتصاد الشمال السوري قائم على عمل المنظمات في ظل عدم وجود قطاع إنتاجي، وضعف القطاع الصناعي، ما يضاعف دور المنظمات الإنسانية والإغاثية التي تتحرك وفق ما تتيحه المساعدات الإنسانية الدولية.

والمنظمات برأي شعبو، هي التي تدير العجلة الاقتصادية عبر تقديم منح ومساعدات وتمويل مشاريع صغيرة، وتوقف المساعدات أو تغيير مسارها سينعكس بقوة على الوضع الاقتصادي والمعيشي في الشمال.

وسعى النظام السوري للسيطرة على المعابر الحدودية التي استخدمها المجتمع الدولي كبوابات لإدخال المساعدات الإنسانية، ما سبب تقلّص عدد المعابر المستخدمة من أربعة معابر إلى معبر واحد، بعد إلغاء معبري “الرمثا” مع الأردن، و”اليعربية” مع العراق، وتقليص مدة ترخيصها أيضًا من سنة إلى ستة أو ثلاثة أشهر، بناء على مطالب روسية.

وأضاف شعبو أن الدعم الإنساني الدولي أسهم في دعم اقتصاد النظام عبر ضخ مبالغ كبيرة، يذهب جزء بسيط منها إلى الخدمات والعمل الإغاثي، وبالتالي ستسهم المساعدات في حال تحويلها إلى قبضة النظام في دعم قدرته المالية، دون أن يعني ذلك خلق حالة انتعاش اقتصادي، لكنها مصدر يمكن الاستفادة منه في ظل شح الدعم الاقتصادي الذي يتلقاه النظام.

وأشار الباحث الاقتصادي إلى احتمالية توجيه النظام للمساعدات نحو مناطق معيّنة دون غيرها، في سبيل إرضائها وامتصاص غضبها، مشيرًا إلى الساحل السوري الذي يشكّل بيئة حاضنة للنظام، بالإضافة إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية.

تفشي الجوع

وعن الفجوة التي يمكن أن يحدثها تحويل مسار المساعدات، يعتقد شعبو أن الجانب التركي يملك قوة صناعية تؤهله لسد متطلبات الشمال السوري، لكن المشكلة تكمن في عدم قدرة الطرف الآخر على الشراء والاقتناء، وهنا يبرز دور المنظمات التي يسهم عملها في توفير فرص عمل لبعض الأسر، وتحريك العجلة الاقتصادية.

وحذّر الباحث الاقتصادي من تفشي حالة “الجوع والفقر” وانتقالها إلى الشمال السوري، في حال تحويل مسار المساعدات، وتسليمها للنظام السوري عبر معابر رسمية يسيطر عليها، لافتًا إلى أن المساعدات لا تحقق الاكتفاء للأسرة السورية وهي فقط تسد الرمق.

وبحسب ما نشره “برنامج الأغذية العالمي” التابع للأمم المتحدة عبر “تويتر”، في 1 من أيار الماضي، فإن 4.8 مليون شخص سوري يعتمدون على المساعدات الغذائية من البرنامج الأممي للبقاء على قيد الحياة، بالتزامن مع فقدان 84% من العائلات السورية مدخراتها بعد عقد من الصراع.

تحركات مسبقة

الوضع الإنساني في سوريا كان حاضرًا قبل ذلك، خلال إحاطة لمجلس الأمن الدولي في 29 من آذار الماضي، وحمل مواقف أمريكية وبريطانية داعية إلى استمرار إدخال المساعدات عبر المعابر الخارجة عن سيطرة النظام السوري، مع تجديد الدعوة إلى فتح معابر أُغلقت في وقت سابق، مثل معبر “اليعربية” شمال شرقي سوريا، في ظل تزايد الحاجات الإنسانية في سوريا.

وخلال الفترة نفسها، تحدثت قناة “روسيا اليوم” عن التوصل إلى اتفاق روسي- تركي لفتح ثلاثة معابر في محافظتي إدلب وحلب، بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة المعارضة، الأمر الذي نفته تركيا على لسان مسؤولي أمن تركيين نقلت عنهما وكالة “رويترز”.

وبيّن وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، أن إدخال المساعدات عبر الحدود أمر حيوي للغاية، لتسليم المساعدات اللازمة بشكل شهري لإنقاذ أرواح 2.4 مليون شخص يحتاجون إليها في شمال غربي سوريا.

كما حث وزير الخارجية الأمريكي مجلس الأمن على إعادة فتح المعبر الحدودي الثاني مع تركيا (باب السلامة)، الذي كان يُستخدم لإيصال المساعدات إلى نحو أربعة ملايين سوري، والمعبر مع العراق (اليعربية) الذي جلب المساعدات إلى 1.3 مليون في الشمال الشرقي، والذي تسيطر عليه “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المتحالفة مع الولايات المتحدة.

المطالب الأمريكية ذاتها كررها رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، فولكان بوزكير، في 10 من نيسان الماضي، حين دعا مجلس الأمن لفتح مزيد من نقاط العبور الإنساني إلى الداخل السوري، بغرض إيصال المساعدات، معربًا عن قلقه بشأن الحاجة المتزايدة للمساعدات الإنسانية في البلاد من هذه البوابة الوحيدة.

وبعد ظهور رسالة إلكترونية مسربة حول نية الحكومة البريطانية خفض مساعداتها للعديد من الدول، بما فيها سوريا، بسبب تداعيات فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) على الاقتصاد، حذر منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، مارك لوك، الدول المانحة من خفض المساعدات إلى سوريا قبل مؤتمر “بروكسل”، بحسب ما نقلته صحيفة “The Guardian” البريطانية.

حاجة ملحة

ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، هناك حاجة إلى أكثر من عشرة مليارات دولار لعام 2021، من أجل دعم السوريين المحتاجين بشكل كامل، وهذا يشمل 4.2 مليار دولار على الأقل للاستجابة في سوريا، و5.8 مليار دولار لدعم اللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة لهم في المنطقة.

وكانت الأمم المتحدة أطلقت، في تشرين الثاني 2020، نداء لتمويل صندوق أعمالها المتعلق بالاستجابة الإقليمية للأزمة السورية، بقيمة 131.6 مليون دولار أمريكي لبرنامج الاستجابة الإقليمية، موضحة أن الدعم سيشمل 11.7 مليون شخص بحاجة إلى المساعدات الإنسانية داخل سوريا، إضافة إلى وجود نحو 5.6 مليون لاجئة ولاجئ سوري في تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر.

وتواجه سوريا، بالإضافة إلى 19 دولة أخرى، مخاطر انعدام الأمن الغذائي، بحسب تقرير نشرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، في آذار الماضي.

ومن المفترض أن يجري تجديد التفويض الخاص بعملية إدخال المساعدات عبر الحدود في 10 من تموز المقبل، إذا صوّت تسعة أعضاء (من أصل 15) لمصلحة القرار، ولم يصطدم بحق “النفض” (الفيتو) من قبل أي من الأعضاء الخمسة الدائمين، روسيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية