عنب بلدي – خاص
تشهد محافظة حماة تصعيدًا عسكريًا يعتبر الأكبر من نوعه منذ مطلع الاحتجاجات ضد نظام الأسد، في حملة برية تقودها قوات الأسد بالاشتراك مع ميليشيات أجنبية ومحلية موالية، وبإسناد من الطيران الحربي الروسي بمختلف أنواعه، إضافة إلى الطيران السوري.
وعلى الرغم من التقدم الذي حققته القوات المهاجمة، وانتزاعها مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة خلال الأيام الماضية، إلا أن خسائر بشرية ومادية كبيرة منيت بها، اعتبرها ناشطون الأضخم منذ بداية النزاع المسلح.
ساعة الصفر
فجر الخميس 8 تشرين الأول، بدأت قوات الأسد مدعومة بغطاء جوي روسي، حملة برية استهدفت من خلالها مواقع المعارضة في ريف حماة الشمالي من ثلاثة محاور، في نية لاستعادة مدن وبلدات كفربنودة وكفرزيتا واللطامنة ولطمين والصياد، وصولًا إلى ريف إدلب الجنوبي، تزامنًا مع فتح جبهة رابعة في سهل الغاب، شمال غرب حماة.
لكن اليوم الأول، حمل معه خسائر كبيرة للقوات المهاجمة دون إحراز تقدم يذكر، وسط استنفار معظم فصائل المنطقة من الجيش الحر أو الفصائل الإسلامية المنضوية في غرفة عمليات جيش الفتح، فاستطاعت المعارضة تدمير ما يزيد عن 30 دبابة وآلية لقوات الأسد، وقتل العشرات من قوات الأسد على جبهات كفرنبودة والصياد ومعان في الريف الشمالي، وفي محيط قريتي المنصورة والبحصة إلى الغرب منها.
نجاح فصائل الجيش الحر في صد الهجوم بالاعتماد على مضادات الدروع التي تمتلكها، قابله تفاعل كبير من الأهالي والناشطين في حملات عبر الفيسبوك، حيت الجيش الحر واسترجعت الانتصارات التي حققها مطلع الثورة، قبيل الانقسام وحالة الشرذمة التي أصابت المعارضة السياسية والعسكرية على حد سواء.
إصرار كبير رغم الخسائر
واستمرت قوات الأسد في حملتها، يومي الجمعة والسبت 9 و 10 تشرين الأول، من محورين رئيسيين في ريف حماة الشمالي، الأول من جهة قرية معان الموالية باتجاه قرى وبلدات عطشان وأم حارتين، شمال شرق حماة، والثاني من المغير باتجاه كفربنودة إلى الغرب منها.
فصائل المعارضة بدورها، تابعت أسلوبها الناجح في صد قوات الأسد بالاعتماد على الصواريخ الموجهة والمضادة للدروع، بنوعيها الأمريكي «تاو» والروسي «فاغوث»، مدمرة خلال يومين ما يزيد عن 20 دبابة وآلية على مختلف الجبهات، إضافة إلى إعطاب مروحية كانت تقوم بعملية إنزال لمقاتلين على الأرض.
ولم يتوان الطيران الروسي عن تنفيذ عشرات الغارات الجوية، معتمدًا على المقاتلات الحديثة التي جيء بها إلى سوريا مؤخرًا «سوخوي 24»، والتي نفذت هجمات بالصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية، ولا سيما على مدينة كفرزيتا وبلدة كفربنودة، في ظل نزوح كبير للأهالي باتجاه ريف إدلب.
كما اعتمدت روسيا على الطيران العمودي الهجومي، والذي حلق للمرة الأولى على علو منخفض جدًا، نفذ فيها عمليات إنزال لمقاتلين على الأرض، ومستهدفًا البلدات بالقنابل العنقودية والصواريخ الموجهة، رغم محاولات فصائل المنطقة إسقاطها.
وتمكنت قوات الأسد، السبت، من تحقيق تقدم ملموس شمال شرق حماة، تمثل بسيطرتها على بلدة عطشان وقريتي أم حارتين وسكيك، كما استطاعت فرض تمركزها في صوامع بلدة كفرنبودة على الطرف المقابل، كذلك أحكمت قبضتها على قرية البحصة في سهل الغاب.
ما الهدف من معارك حماة؟
تظهر مجرى العمليات والمعارك المستمرة في حماة، نية واضحة لقوات الأسد في إحكام قبضتها على البلدات الرئيسية الخارجة عن سيطرته، معتمدًا على أسلوب «الكماشة» في هجوم من محورين رئيسيين: معان باتجاه عطشان والقرى المجاورة وصولًا إلى التمانعة في ريف إدلب الجنوبي، والمغير باتجاه كفرنبودة ثم الهبيط في ريف إدلب أيضًا.
وهذه الخطة أكدتها قيادات في الجيش الحر لعنب بلدي، وفق رؤية حددها ضباط روس يشرفون بشكل مباشر على سير العملية البرية فيها، وتستهدف بشكل مباشر مدينة خان شيخون والحواجز التي تحيط بها، بما فيها الخزانات والصياد، إضافة إلى إنهاء خطر المدينتين الرئيسيتين للمعارضة في ريف حماة وهما اللطامنة وكفرزيتا.
دخول قوات الأسد إلى ريف إدلب الجنوبي، يرافقه وفق الخطة تقدم جديد في سهل الغاب وصولًا إلى زيزون ومن ثم ريف إدلب الغربي، أي باتجاه جسر الشغور ومن ثم أريحا، بهدف تأمين خط الساحل السوري بشكل كامل لصالح قوات الأسد، تزامنًا مع معارك تجري هذه الأثناء في محيط بلدة سلمى في ريف اللاذقية.
لكن قيادات في الجيش الحر والمعارضة المسلحة، قللت من احتمال نجاح الخطة المرسومة، واعتبر أبو الوليد، قائد تجمع «جند دمشق» في الجيش الحر، أن خسائر قوات الأسد الكبيرة ستلزمه بالوقوف عند حدود معينة، وعندها يبدأ «ثوارنا» بهجوم معاكس.
من يقاتل إلى جانب قوات الأسد؟
أكدت مصادر لبنانية، السبت، مقتل القيادي في صفوف حزب الله، حسن حسين الحاج (أبو محمد الإقليم)، وذلك خلال معارك سهل الغاب، وتحديدًا في محاولات اقتحام قرية المنصورة، الأمر الذي يثبت فعليًا دخول حزب الله اللبناني إلى جانب قوات الأسد في معارك حماة.
أيضًا تلعب ميليشيا «الدفاع الوطني» دورًا مهمًا ورديفًا لقوات الأسد، إذ أفادت شبكة أخبار حمص الموالية، عبر الفيسبوك، بأن قرارًا عسكريًا وقعت عليه قيادات أمنية في دمشق، الخميس، انتهى بإرسال عشرات مقاتلي الدفاع الوطني في حمص إلى جبهات حماة، عدا عن الميليشيات المنتشرة في قرى المحافظة الموالية.
ميليشيات أخرى كان لها تواجد خلال سير العمليات، وفق ما أظهرت صفحاتها وحساباتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كـ «نسور الزوبعة»، وهي الجناح العسكري للحزب القومي السوري، إضافة إلى كتائب البعث وحزب الله السوري وغيرها.
الهجوم، وبحسب المراصد العسكرية، يجري بإشراف روسي كامل من خلال غرفتي عمليات في حماة واللاذقية، وبتنسيق مع الجانب الإيراني، وتطبيق من قبل ضباط اللواء 47 مدرعات، والفرقة الرابعة، والقوات الخاصة، من ملاك الجيش النظامي.
يعتبر الجيش الحر علامة فارقة في التصدي للهجوم الأعنف لقوات الأسد على ريف حماة، وأبرز فصائله: تجمع العزة والفرقة الوسطى وصقور الغاب وفرسان الحق والفرقة 13 والفرقة 101 مشاة، إلى جانب فصائل منضوية في غرفة عمليات جيش الفتح، وهي: حركة أحرار الشام وأجناد الشام وفيلق الشام وجبهة النصرة.
تقدم طفيف في اللاذقية .. والضربات الروسية تنشط حركة النزوح إلى تركيا
يبدو ريف اللاذقية هذه الأيام مهيأً أكثر من أي وقت مضى لمعارك مصيرية، توحي بها التعزيزات العسكرية الكبيرة لطرفي القتال على محاور الاشتباك، ومشاركة الطائرات الروسية ضمن هذه التجهيزات وعدم مفارقة طائراتها الاستطلاعية لسماء الريف المحرر.
وسبق ذلك خلال الأيام الماضية غارات روسية استهدفت مقرات ومستودعات ذخيرة وقرى تقع على الشريط الحدودي مع تركيا.
ورغم إغلاق الحدود بوجه النازحين وبناء سياج عازل ورفع سواتر ترابية على طول الحدود، فإن حركة العبور بطرق غير نظامية تنشط كثيرًا في المنطقة.
يروي الحاج أبو مروان، وهو أحد نازحي مدينة جسر الشغور الذين التقتهم عنب بلدي على الحدود التركية، قصة النزوح للمرة الثالثة هذا العام، ولكن هذه المرة خارج سوريا، فبعد مغادرته جسر الشغور نحو قرية الجانودية مع أبنائه الأربعة وزوجته.
فقد الحاج أحد أبنائه في قصف براميل النظام، وانتقل مع عائلته إلى اليمضية معللًا ذلك بأنّ زوجته كانت ترغب بالبقاء في سوريا، ولم يجدوا مكان أفضل من اليمضية للبقاء، لكنه يردف «مع بداية الضربات الروسية أصبح كل شيء ممكنًا ولم يبق أي مكان آمن».
وتعتبر اليمضية (تبعد أقل من 1 كم عن الحدود التركية)، التي كانت توصف بالآمنة، ملاذًا للعديد من النازحين القادمين من ريف اللاذقية ولاحقًا سهل الغاب وجسر الشغور، ويسكن في مخيماتها ما يقارب 1000 عائلة.
ميدانيًا تدور معارك توصف حاليًا بالكر والفر بين الطرفين في جب الأحمر بجبل الأكراد، حيث استطاعت قوات النظام يوم الجمعة، 9 تشرين الأول، السيطرة على عدة محارس لقوات المعارضة في المنطقة قبل أن تتمكن الفرقة الأولى الساحلية مدعومة بفصائل أخرى من الجيش الحر وأحرار الشام وجبهة النصرة استعادة ما خسرته في المنطقة في اليوم التالي.
وتشير التعزيزات الأخيرة لقوات النظام ووصول قوات أجنبية، بحسب مقاتلين تم رصد أصواتهم عبر قبضات الاتصال، إلى إصرار للتقدم والسيطرة على تلال جب الأحمر الاستراتيجية، والتي تشرف من الجهة الغربية على سهل الغاب وعلى جبل الأكراد من الجهة الشمالية.
وبحسب القائد العسكري في الفرقة الأولى الساحلية النقيب محمد باجيكو فإنّ «قوات المعارضة تدرك نية النظام، وقامت بتعزيز قواتها في المنطقة وإقامة الدشم والمحارس»، مشيرًا إلى «عشرات الغارات الجوية التي تستهدف المنطقة».
وأوضح مصدر من الجيش الحر لعنب بلدي، أن قوات الأسد المدعومة بميليشيات مختلفة وإسناد جوي من طيران السوخوي الروسي، استطاعت السيطرة على قرية كفردلبة وجبل دلبة المحاذي لبلدة سلمى في ريف اللاذقية.
وخلال المعارك الأخيرة قتل في جب الأحمر خلال يومين 5 من مقاتلي الجيش الحر، بينهم قائد عسكري في الفرقة الأولى، كما تصدت قوات المعارضة لمحاولة اقتحام أخرى لمنطقة كفر دلبة القريبة من مدينة سلمى.
وتسعى قوات المعارضة إلى تعطيل حركة مطار حميميم العسكري من خلال قصفه، وكانت حركة أحرار الشام الإسلامية تبنت الجمعة الفائت في بيان لها قصف المطار براجمات صواريخ، دون معلومات واضحة عن حجم الخسائر.
خوجة:
سيواجهون مصير السوفييت في أفغانستان
بدوره، قال خالد خوجة، رئيس الائتلاف السوري المعارض، إن روسيا أرسلت ألفي مقاتلٍ من «المرتزقة» إلى سوريا، وتريد رفع الرقم إلى 20 ألفًا، مؤكدًا أن «اللعبة التي أراد أن يلعبها بوتين في سوريا ستنقلب عليه في نهاية المطاف، ومن الممكن جدًا أن تواجه روسيا مصير الاتحاد السوفياتي في أفغانستان».
ولفت خوجة في مقابلة مع محطة CNN التركية، الجمعة 9 تشرين الأول، إلى أن هدف روسيا في سوريا هو «تقوية بشار الأسد ليجلس بقوة على طاولة المفاوضات»، لافتًا إلى أن «الحل السياسي لن يتحقق وروسيا باتت تحتل سوريا، كما أن الائتلاف لن يجلس معها على طاولة المفاوضات».
وأضاف «على روسيا أن تدرك أنه لا يمكن كسب حرب بقصف جوي همجي، وسيخسر الأسد وروسيا في نهاية المطاف».
وأشار رئيس الائتلاف إلى أن تعداد مقاتلي الجيش الحر يصل إلى نحو 70 ألف مقاتل، وتشكل على أيدي ضباط منشقين عن نظام الأسد، مشددًا على أن «ما يحصل في سوريا ليس حربًا أهلية وإنما عدوان شنَّه نظام الأسد على الشعب السوري».
واعتبر رئيس الائتلاف أن بشار الأسد هو الوحيد الذي يتحمل مسؤولية استمرار العدوان، والحل يكمن في إقصائه عن السلطة، موضحًا أنه «منذ البداية ورؤية الائتلاف تعول على الحل السياسي، إلا أننا اليوم نواجه احتلالًا روسيًا وإيرانيًا، وبات على العالم مساعدة السوريين في التصدي له».