النصر هو بقائي..
الأسد يكرّس انقسام السوريين في خطاب الانتخابات
عنب بلدي – نور الدين رمضان
لم يفوّت رئيس النظام السوري، بشار الأسد، فرصة مخاطبة ناخبيه وتمجيدهم بعد إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية السورية لولاية رابعة منذ تسلّمه الحكم في عام 2000، واستخدام مصطلحات ترتقي إلى مستوى الشتائم لكل من عارضه حتى من السوريين.
عشر دقائق من كلمة للأسد، في 28 من أيار الحالي، اعتبرها الإعلام الرسمي السوري ووسائل الإعلام المقربة من النظام “خطاب النصر”، غاب عنها الحديث عن خططه في الولاية الانتخابية الجديدة، وغلب عليه طابع الهجوم على معارضيه بشكل مباشر، بعكس ما يتحدث به عادة المسؤولون الذين يفوزون برئاسة بلادهم من لغة تخاطب الجميع، وتفتح باب المصالحة والعمل الجماعي بهدف تحسين الواقع.
وتمسّك الأسد بنفس وتيرة خطاباته منذ ثورة 2011، محافظًا على اتهام كل من يعارضه بالخيانة والإرهاب، دون أي ملامح لإصلاحات يريد أن يتبناها في سوريا أو تغيير ما في سياساته المقبلة.
وجاء الخطاب بعد إعلان مجلس الشعب السوري فوز الأسد بالانتخابات، التي ترفضها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وأمريكا، بنسبة 95.1% أمام مرشحَين مغمورَين، هما محمود مرعي وحصل على نتيجة 3.3%، وعبد الله سلوم عبد الله بـ1.5%.
وحملت الانتخابات مظاهر احتفالية في مختلف المحافظات التي يسيطر عليها الأسد، بينما قوبلت بالرفض في المناطق الخارجة عن سيطرته وفي الدول التي يوجد فيها سوريون بالخارج، وفي مناطق لا يتمتع فيها بسلطة أمنية محكمة مثل درعا والقنيطرة في الجنوب السوري.
خطاب يعبر عن الغضب والضعف؟
الصحفي السوري صخر إدريس يرى، في حديث إلى عنب بلدي، أن خروج الأسد عن البروتوكولات المتبعة في خطابات كهذه، وشتم من يعارضه ووصفهم بـ”الثيران الهائجة” بهذه الطريقة، توضح أن الأسد يعاني من حالة نفسية.
وقال إدريس، إن لغة جسد الأسد تدل على غضب شديد، بغض النظر عمن كتب كلمات الخطاب، مرجعًا سبب الغضب إلى معارضة السوريين له ولانتخاباته، وهذا دليل على عدم تقبله وجود معارضين ومقاطعين لهذه الانتخابات، مضيفًا أن تكريس الانقسام بين السوريين ليس جديدًا على الأسد، فهو الذي لم يترك سابقًا المجال للحياديين والرماديين، فإما أن يكونوا في صفه وإما في صفوف “داعمي الإرهاب”.
النصر ببقاء الحاكم
الصحفي السوري نضال معلوف يرى أن الأسد بدا، في خطابه الأخير، مزهوًا بالنصر، لكن المشكلة في سوريا على العموم بأن النصر دائمًا يُقاس ببقاء الحاكم.
وأضاف معلوف، في حديث إلى عنب بلدي، “لو غيّرنا المعيار إلى ما أصاب الوطن لكنا نتحدث عن أقسى هزيمة مُنيت بها سوريا منذ تاريخ تأسيس الدولة السورية”.
وتابع، “كنا نأمل أن يكون الخطاب خطابًا جامعًا، يدعو إلى وضع الخلافات جانبًا، إلى العمل لجمع أبناء الشعب الواحد المشتت اليوم بين الداخل والخارج، دعوة إلى عودة ملايين اللاجئين، إلى العمل من أجل إعادة وحدة الجغرافيا والشعب، دعوة إلى الصفح والعفو وتغليب مصلحة الوطن على المصالح الشخصية، وتحمّل ألم الجراح والأذى من أجل مستقبل أفضل لسوريا”.
ولكن “مع الأسف هذا لم يحصل”، بحسب معلوف، “كان خطابًا أشبه ما يكون بالتشفي، تشفٍّ ونكاية بالذين يرون أن بقاء بشار الأسد في الحكم لم يعد يخدم سوريا، لأن سوريا خلال السنوات الـ20 الماضية في ظل وجود الأسد على رأس الحكم، دُمرت وجُزّئت وأُفقرت واحتُلت، وهذا المعيار هو عند السوري الواعي”.
المعيار، بحسب معلوف، هو الوطن وليس الفرد، الانتصار ببقاء الوطن وليس ببقاء الفرد، “الخطاب يعزز مفهوم تقديس الفرد والانتصار من خلال بقائه، وهذا ما ينذر بخسارة ما تبقى من سوريا على حساب انتصار زائف ببقاء فرد واحد على كرسي الحكم”.
ويعيش 90% من السوريين اليوم تحت خط الفقر، بحسب أرقام الأمم المتحدة، ولجأ منهم إلى خارج سوريا نحو 6.6 مليون، ونزح مثلهم داخليًا، وهم يمثلون نصف السوريين.
عجرفة الخطاب الرسمي
النسبة التي أعلن الأسد فوزه بها (95%) تراها المحاضِرة في دراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الدكتورة رهف الدغلي، أنها تعبير وتأكيد على عجرفة الخطاب الرسمي الموجه لسوريّي الداخل والخارج.
وقالت الدغلي، في تغريدات عبر “تويتر”، إن اختيار النظام رقمًا يفوق التسعينيات، بفارق واضح عما كان في 2014 (88%)، يوجه رسالة للدول الغربية أن الأسد متسلح بشعبية عارمة، مضيفة أن مازوخية وفاشية التصويت بالدم تقدم صورًا مرعبة للجميع، على حد وصفها.
وترى الباحثة أن هناك ذوات سياسية سورية في الداخل كانت قد تماهت مع النظام، وأصبح مفهومها للانتماء للوطن متقزمًا بشخصية الأسد، وطبعًا هذا التماهي هو نتيجة أيديولوجية تأبه عبادة الفرد لأكثر من خمسة عقود تذوب فيها فردانية المواطن.
الدول الحليفة تهنئ ردًا على رفض أوسع
هنّأت الدول الحليفة للنظام السوري، الأسد، بعد إعلان مجلس الشعب السوري فوزه بمنصب رئاسة الجمهورية، إذ قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في برقية تهنئة أرسلها إلى الأسد، في 28 من أيار الحالي، إن “نتائج التصويت أكدت على سلطتك السياسية العليا، ثقة إخوانك المواطنين في المسار تحت قيادتكم لتثبيت الوضع في سوريا في أسرع وقت ممكن وتعزيز مؤسسات الدولة فيها”.
وأضاف بوتين أن الجانب الروسي سيواصل تقديم الدعم للنظام السوري في “محاربة الإرهاب”، ودفع عملية التسوية السياسية، وإعادة إعمار البلاد بعد انتهاء الصراع.
ولم يتصل الرئيس الروسي ويبارك للأسد كما يفعل عادة مع حلفائه مثل ما حدث مع كازاخستان وبيلاروسيا والدول التي تربطها علاقة قوية بروسيا حتى الغربية منها، ونفى متحدث الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، أن يكون بوتين يرغب بإجراء أي اتصال في المرحلة المقبلة مع الأسد.
وهنّأت وزارة الخارجية الإيرانية، في بيان لها، الأسد بفوزه “الحاسم” في الانتخابات الرئاسية، موضحة أن “إجراءها بنجاح ومشاركة الشعب السوري الواسعة فيها خطوة مهمة في إرساء الاستقرار وإعادة الإعمار والازدهار في سوريا”.
وهنّأ المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، زهاو ليجيان، الأسد بإعادة انتخابه، مضيفًا أن العام الحالي يصادف الذكرى الـ65 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وسوريا، “التي تتميز بصداقة طويلة الأمد”.
كما تلقى الأسد برقية تهنئة من رئيس جمهورية فنزويلا، نيكولاس مادورو، قال فيها إن الانتخابات الرئاسية شكّلت “انتصارًا للسلام” بقيادة الأسد، مجددًا دعم بلاده للنظام السوري، واستعدادها “لتعميق وتوسيع التعاون الثنائي للإسهام في رخاء كلا الشعبين”.
وتعتبر فنزويلا والصين من الدول الداعمة للنظام السوري، إذ لم تقطع علاقاتها السياسية مع نظام الأسد منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، بينما تتدخل كل من روسيا وإيران عسكريًا بالحرب في سوريا إلى جانب النظام السوري.
وجاءت هذه المواقف بعد رفض دول كبرى الانتخابات، إذ استنكر وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا إجراء انتخابات في سوريا خارج إطار القرار الأممي “2254”، مؤكدين أنها غير شرعية.
وفي بيان مشترك لهم، في 25 من أيار الحالي، قال الوزراء إنه “يجب إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة وفقًا لأعلى المعايير الدولية للشفافية والمساءلة”.
وأضاف البيان أن الانتخابات العادلة يجب أن تتم برقابة أممية، وأن يُتاح لكل السوريين المشاركة بها في بيئة آمنة ومحايدة، بمن فيهم النازحون واللاجئون والسوريون في الشتات.
وتابع البيان، “من دون هذه العناصر، هذه الانتخابات غير الشرعية لا تعبر عن تقدم باتجاه التسوية السياسية”.
وأبدى الوزراء دعمهم للأصوات السورية التي أدانت العملية الانتخابية، بمن فيهم المعارضون السوريون ومنظمات المجتمع المدني.
كما أعلنت الأمم المتحدة أنها غير منخرطة في الانتخابات الرئاسية التي جرت في سوريا، مؤكدة أهمية التوصل إلى حل سياسي وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم “2254″.
وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في 21 من نيسان الماضي، “نرى أن هذه الانتخابات ستجري في ظل الدستور الحالي، وهي ليست جزءًا من العملية السياسية، لسنا طرفًا منخرطًا في هذه الانتخابات، ولا يوجد تفويض لنا بذلك”.
وأضاف، “نحن مستمرون في التأكيد على أهمية التوصل إلى حل سياسي للصراع، وأود التأكيد هنا على حقيقة مفادها أن قرار مجلس الأمن رقم (2254) يمنحنا تفويضًا بالإسهام في عملية سياسية ستتكلل بإجراء انتخابات حرة ونزيهة بموجب دستور جديد، وتحت رعاية أممية، بالتوافق مع أعلى المعايير الدولية لتشمل كل السوريين بينهم أبناء الجاليات”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :