صور الأسد.. استعراض الديكتاتورية في وجه أهالي المعتقلين

  • 2021/05/30
  • 9:35 ص

رجل يجلس بجوار تمثال للرئيس السوري السابق حافظ الأسد محاطا بملصقات انتخابية لنجله الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق- 23 من أيار 2021 (AFP)

عنب بلدي- صالح ملص

“كلما أرى صوره (بشار الأسد) في الشوارع، أشعر بالقهر لمعرفتي أنه الشخص المسؤول عن اعتقال ابني، لكني لا أستطيع العمل على أي شيء لمحاسبته، والمصيبة الأكبر هي أنني من الذين ذهبوا وانتخبوه رغمًا عنهم، لأتجنب الكثير من المتاعب الأمنية لي ولعائلتي”.

يسرد “أبو أيمن” (47 عامًا) لعنب بلدي شعوره وهو يشاهد في هذه الفترة صور رئيس النظام السوري، بشار الأسد، معلّقة على أرصفة معظم شوارع مدينة دمشق الرئيسة خلال حملته الانتخابية لترشحه إلى ولاية رئاسية ثالثة، وفي نفس الوقت يغيب ابنه خلف قضبان الاعتقال بسبب مشاركته في مظاهرة ضد النظام عام 2013.

“ليس القهر في الصور فقط، إنما عدم معرفة نهاية هذه الحال ككل وكيف يمكن أن تنتهي، وكيف يمكن معرفة مصير ابني، ومن يساعدني على ذلك، وهل مات أم ما زال على قيد الحياة، كيف يعيش وكيف يأكل وكيف ينام؟”.

تحاصر “أبو أيمن” (الذي تحفظت عنب بلدي على ذكر اسمه لأسباب أمنية) هذه التساؤلات جميعها خلال تعبيره عن إحساسه بفقدان ابنه المعتقل (26 عامًا)، واستمرار إصرار النظام على تمسكه بقرار عدم إطلاق سراح المعتقلين بسبب معارضتهم لسياسته.

الشعور لا يختلف عند محمد (75 عامًا) من سكان مدينة درعا الذي اعتقل النظام اثنين من أبنائه عام 2014، إذ قال لعنب بلدي، إن “المعتقلين أصبحوا منسيين في سجون النظام، وورقة تفاوض تمسك فيها ولم يطلق سراحهم حتى الآن”.

ينتاب محمد الأسى وهو يرى الأسد ينتخب بشكل طبيعي، ويغض الطرف عن جرائمه بحق آلاف المعتقلين، في الوقت الذي لا يعرف فيه مصير ابنيه اللذين لا يزالان مغيبَين لفترة امتدت أكثر من سبع سنوات، ويتخوف من استمرار حكم بشار سبعة أعوام أخرى يُبقي فيها المعتقلين في السجون.

صور الأسد في كل مكان

انتشرت مراكز الاقتراع في المدارس والجامعات، وصناديق عليها أسماء مرشحين، وامتلأت الجدران والشوارع والساحات في مناطق سيطرة النظام السوري بملصقات أبرز المرشحين للرئاسة، مع لافتات الوفاء بالعهد “للأبد”، ضمن صورة يرسمها النظام في سوريا لما يصفه بـ”العرس الانتخابي الديمقراطي”.

وبعد عشر سنوات من الثورة الشعبية التي تطورت إلى العمل المسلح، يريد الأسد أن يصبح الرئيس السابق والمقبل لسوريا من خلال نتيجة انتخابات رئاسية “معروفة من دون شك”، وفق ما وصفته صحيفة “الجارديان” البريطانية.

وروّج بشار الأسد في هذه الانتخابات لنفسه بأنه الشخص الذي سيعيد إعمار سوريا التي دُمرت مساحات واسعة منها بفعل قوات النظام السوري، التي دافعت باستماتة لبقاء السلطة على حالها دون أي تغيير.

وأعلن مجلس الشعب السوري عن نتائج الانتخابات التي ترفضها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وأمريكا، وتعتبرها غير شرعية، بفوز بشار الأسد لولاية رئاسية حتى عام 2028، بنسبة 95.1%..

تعتبر الحملة الانتخابية الخاصة ببشار الأسد “صفاقة غير مقبولة” في وجه أهالي المعتقلين والمفقودين في سوريا، وفق ما وصفه الباحث الاجتماعي السوري محمد سلوم، في حديث إلى عنب بلدي، إذ يعتبر هذا الطقس الاحتفالي بانتخابات معروفة نتائجها مسبقًا إعادة تأهيل لديكتاتورية فوق آلاف المعتقلين في سجون النظام السوري.

“سيشعر أهالي المعتقلين باللاجدوى حين يرون صور الشخص الذي تسبب باعتقال أحبائهم، وباستمرارية الظلم والقهر”، وفق الباحث السلوم، وهذه طريقة لكتم صوتهم وإخماد أي أمل في إطلاق سراحهم.

ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” اعتقال حوالي 149 ألف شخص في سوريا منذ بداية الاحتجاجات عام 2011 وحتى آذار الماضي، اعتقلت قوات النظام السوري أكثر من 131 ألف شخص منهم، من بينهم 8029 امرأة، و3613 طفلًا.

حملة تنشر الخيبة

تصدير صورة رئيس النظام في كل مكان داخل العاصمة تحديدًا، هو بمثابة نشر فكرة مفادها أن الناس في المدن المسيطَر عليها من قبل النظام يملكون رغبة مجتمعية بوجود هذه السلطة، وفق ما يراه الباحث السلوم.

ولكن هذا الانتشار الواسع لصور رمز السلطة في سوريا “استمرار لاستعراض ديكتاتورية مرفوضة من قبل المجتمع، والسلطة تعلم ذلك الأمر لكنها تستمر بإبقاء المأساة”، ما يؤثر على الشعور العام لدى سوريين بـ”الخيبة ومرارة فشل التغيير”.

ولا يزال النظام يستخدم العاصمة دمشق ليعمل على تغيير موقف بعض الدول العربية والأوروبية تجاه ما يحصل في سوريا، ضمن هذه الجهود لصناعة بروباغندا “القبول الشعبي” ببقاء بشار الأسد في الحكم.

ويستدلّ الباحث في حديثه بشأن الرفض المجتمعي لهذه الانتخابات، بوجود اعتراضات واسعة للانتخابات داخل المناطق التي يتمتع سكانها بهامش من التعبير بحرية في جنوبي سوريا، والتي سيطر عليها النظام عقب اتفاق “تسوية” في تموز 2018.

إذ انتشرت في محافظتي درعا والقنيطرة جنوبي سوريا عبارات على الجدران ومنشورات تهديد موجهة للمشرفين على العمليات الانتخابية، ما أدى إلى إلغاء عمليات الاقتراع في عدة مناطق بدرعا والقنيطرة، حسبما أفاد مراسلا عنب بلدي في المحافظتين.

وبإقامة الانتخابات الرئاسية، نسف النظام السوري التزاماته بالقرارات الأممية التي تربط الانتخابات بانتقال سياسي شامل، وسط رفض أممي للاعتراف بشرعية هذه الانتخابات، لعدم ارتباطها بمعايير تحفظ استقلاليتها ونزاهتها تحت إشراف الأمم المتحدة، ما يُنذر بإطالة أمد النزاع في سوريا، باستخدام نفس الأدوات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي يعاني منها الشعب السوري.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع