د. أكرم خولاني
إن ظاهرة التحرش الجنسي ليست حديثة على المجتمع الإنساني، ومع أنها تطال النساء بشكل خاص فإنها تطال الأطفال أيضًا، وقد ازدادت نسبة التحرش بالأطفال في الوطن العربي في الآونة الأخيرة، لكن نسبة حدوثها غير معروفة بدقة، وتكمن المشكلة في عدم الكشف عن جرائم التحرش خشية “الفضيحة”، وتشير الإحصائيات العالمية إلى أن نسبة الأطفال الذين تعرضوا للتحرش في العالم قد تصل إلى 70%، لذا سنعرّف بالطرق الصحيحة لتعامل المربين مع ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال، وطرق الوقاية من حدوثها.
كيف يتصرف الوالدان؟
إن عدم التعامل بطريقة صحيحة مع الأمر قد تنتج عنه سلبيات كثيرة لدى الضحية، وفي بعض الأحيان قد يكون رد فعل أحد الوالدين على التحرش الذي تعرض له طفلهما أكثر سوءًا من التحرش بحد ذاته، لذلك على من يعلم بقضية التحرش أن يتصرف على النحو التالي:
الهدوء وعدم الانفعال: وإن كان الهدوء في هذه اللحظات هو الأصعب، لكن يجب تجنب ردود الفعل المبالغ فيها كالصراخ والانفعال، لأنه في البداية غالبًا ما يوجه الانفعال نحو الضحية، وهذا يشعره بأنه هو المذنب بينما المجرم لا يناله شيء من ذلك، وهذا سيزيد المشكلة سوءًا.
السماع التفصيلي والإصغاء الجيد: في هذه المرحلة يكون الطفل في حالة خوف وتوتر وهو يروي ما حدث، لذا يجب الحصول على معلومات تفصيلية وكافية من الطفل، والتعرف إلى الوضع الحقيقي، وكم عدد مرات الاعتداء أو التحرش وكيفيته ومكانه ووقته وأسباب سكوت الطفل.
وحينما يُسمح للطفل بالتعبير الحر يساعده ذلك على التخلص من المشاعر السلبية التي تسمح له بالانطلاق والتفريغ، ما يخفف من وطأة المشكلة على نفسه.
تهدئة الطفل: الأهم في هذه المرحلة بعد معرفة ما حدث إشعار الطفل بالراحة وتخليصه من التوتر والخوف الذي أصابه نتيجة ما حصل، وذلك بالسماح له بالتعبير الحر، واستعمال لغته وعدم تبديل ألفاظه، وتصديقه فيما يقول، وإظهار الحب له، وعدم سؤاله لمَ لم يخبرنا في وقت مبكر لأن هذا سيشعره بالذنب، والتأكيد أنه هو الذي يهمنا، وأننا سنعاقب من تعرض له، وأننا سنعمل على حمايته مع تعليمه كيف يتصرف مستقبلًا.
عدم إلقاء المسؤولية على الطفل: إفهامه بمدى تفهمنا لما تعرض له وأنه كان ضحية، وتقديرنا لمشاعره الخائفة، وأننا نعذره لعدم قدرته على إبلاغنا بالأمر.
عدم التسرع بالانتقام من الشخص الذي قام بالتحرش: لا يجب التسرع والقيام بتصرف عنيف تجاه المتحرش، فقد يكون شخصًا مقربًا جدًا من الطفل، ولكن هنالك إجراءات لاحقة.
العلاج وإجراءات احتواء الطفل: إن كانت هنالك شكوك بإصابة الطفل بجروح أو رضوض، يجب أخذ الطفل لإجراء الفحص الطبي وتقديم العلاج اللازم، ويجب عرض الطفل على المختص النفسي لعلاج ما يسمى تفاعل ما بعد الصدمة، وللتغلب على مشاعر الخوف والقلق التي يصاب بها الطفل بعد الاعتداء عليه، ولإعادة التأهيل النفسي للطفل.
القيام بما يلزم تجاه المتحرش: إبعاد الطفل عن الشخص الذي قام بالتحرش وحمايته منه، وإخبار الشرطة أو قسم الحماية الأمنية بالحادثة، وإذا كان المتحرش يعمل بمكان يوجد فيه أطفال أو على احتكاك معهم، يجب تحذير الإدارة التي يتبع لها من أجل حماية الأطفال الآخرين، وذلك بعد التأكد التام من أنه هو من قام بالتحرش.
ماذا لو كان المتحرش أحد الأقارب؟
حينما يكون المتحرش هو الأب أو أحد الأقارب فإن العلاقة يجب أن تقطع فورًا ودون أي انتظار، فلا يمكن استمرار الحياة في ظل وجود متحرش سواء كان أبًا أو أمًا أو قريبًا تحت أي حجة، وذلك لسببين:
- حتى لا يظل الطفل تحت الشعور بالتهديد بالتحرش، لأن عدم اتخاذ إجراء ضد المتحرش يغريه بتكرار فعله، وقد يضغط على الطفل معنويًا بحرمانه من بعض الأمور، ويشعر الطفل أنه لم يستطع أحد فعل شيء له، وهو ما يجعله يخضع في النهاية للمتحرش.
- حتى لا يشعر الطفل بالقهر والغبن، وأنه لا يوجد من يحميه أو يدافع عنه، وأن الأم وهي أقرب الناس إليه قد فضّلت مصلحتها في استمرار العلاقة الزوجية على حمايته والدفاع عنه، وهذا يجعل الطفل يحمل درجة عالية من الكراهية للأبوين، للأب لأنه اعتدى عليه وللأم لأنها لم تحمِه، وستمتد هذه الكراهية للمجتمع كله، فيصبح الطفل عدوانيًا شديد الجنوح أو سلبيًا شديد الانطواء.
كيف يمكن حماية الطفل من التحرش الجنسي؟
إن توعية الأطفال هي المفتاح، وصحيح أن الوعي الكافي لا يعني ضمانة حمايتهم من أن يكونوا ضحايا للمتحرشين جنسيًا بالأطفال، لكنه سيمنح الطفل القدرة على إيقاف الأمر في حال استطاع، أو بأسوأ الأحوال أن يقوم بالإبلاغ عما حدث دون خوف من الفضيحة أو من عقاب الأهل، وتشمل توعية الأطفال ما يلي:
- تعليم الأطفال أسماء أعضائهم الخاصة منذ الصغر، فهذا يساعدهم في التعبير عن أنفسهم بشكل جيد.
- تعليم الطفل الالتزام ببعض القواعد المتعلقة بأعضائه الخاصة، مثلًا: لا يجب لمس هذه الأعضاء أمام الناس، لا يجب لمس الأعضاء الخاصة بالأشخاص الآخرين.
- كما أن الأهم هو ألا نسمح لأي شخص عدا الأم والأب بلمس المناطق الحساسة من جسد الطفل، التي سبق وتعلم عنها وعلم أسماءها، وإن حدث هذا عليه أن يشعر بالثقة لإخبار والديه بما حدث.
- تعليم الطفل أنه إذا أراد أحد ما فعل شيء لا يريده أو إخافته أو أشعره بعدم الراحة أو أجبره على شيء ما فيجب أن يقول “لا ” بكل قوة، وإن حاول إجباره على فعله فعليه منعه والهرب.
- تحذير الطفل من الانفراد مع أي شخص بالغ في مكان منعزل بعيد عن الآخرين.
- تحذير الطفل من الذهاب إلى الحمام في المدرسة في أثناء الحصص، حيث قد ينفرد به أحدهم، لذلك فعليه أن يستغل فترة الفسحة.
- تعليم الطفل ألا يستجيب لدعوة رجل غريب يقترب منه بسيارته، أو أي وسيلة يغريه بها.
- تحذير الطفل من تلبية دعوة الإغراءات المادية والمعنوية التي قد يقدمها له أحدهم.
- تحذير الطفل من الذهاب إلى أماكن خالية أو مهجورة.
- تعليم الطفل أنه لا يوجد ما يسمى بالأسرار بينه وبين من يثق به، كالأب والأم، خاصة عندما تتعلق تلك الأسرار بجسده، سواء كان تحرشًا أو ضربًا أو مجرد لمسة بسيطة، وعلى الطفل أن يعلم أنه مهما كان السلوك الذي تعرض له مؤذيًا، فإنه يستطيع على أي حال أن يخبر أهله عنه.
- إحاطة الطفل بالحب والحنان والإشباع العاطفي، حتى لا يبحث عنهما عند شخص آخر وينخدع بذلك.
- المراقبة اللصيقة للأطفال في أثناء لعبهم بعيدًا عن التسلط.
- عدم ترك الطفل وحده في الأماكن العامة كالأسواق والملاهي والمطاعم.
- عدم السماح له بالنوم في بيوت الأقارب والأصدقاء، حيث إن أغلب قصص التحرش تحدث هناك.
- الحذر من ممارسة الوالدين العلاقة الجنسية قريبًا من الأطفال أو حيث يكون بإمكانهم سماع ما يدور بين الوالدين في أثناء ذلك.
ماذا يفعل الطفل عندما يشعر أن شخصًا ما يتحرش به؟
يجب تعليم الطفل أن أفضل وسيلة عند تعرضه للتحرش هي الصراخ بقوة والرجوع ثلاث خطوات للخلف ثم الهرب فورًا من الموقع، والالتجاء إلى الأماكن العامة القريبة أو إلى البيت.
كذلك يجب تعليم الطفل في حالة كهذه أن يخبر والديه عنها بأقصى سرعة، وألا يخجل من الحديث عن هذا الموضوع فور حدوثه، وعلى الوالدين ألا يُشعرا الطفل بالذنب أو المسؤولية فهو ليس المخطئ بما حدث.
أخيرًا، ننبه إلى أنه وعلى الرغم من تحدث الأهالي باستمرار مع أطفالهم حول هذا الأمر وتوعيتهم، فإن الطفل لن يتحرك بحرية في حال تعرضه للتحرش الجنسي، وعلى الأغلب إن واجه موقفًا مثل هذا لن يتوجه إلى الأبوين مباشرة بالكلام، ولن يكون رده واضحًا من المرة الأولى، لذا فإن بناء الثقة مع الطفل، والمتابعة اليومية له ومعرفة أحداث يومه ومن يُصادق وأين ذهب للعب، تُعد أمورًا ضرورية حتى يبوح بأسراره ومشكلاته.