بيلسان عمر
يخرج الحاج من بيته عاقدًا النية بقصد أداء مناسك الحج، فيحرم عند حدود الميقات، ويدخل مكة مستحمًّا أو متوضئًا، ثم يتوجه للحرم المكي والطواف حول الكعبة، يتبعها ساعيًا بين الصفا والمروة، متوجهًا إلى منى بعد طواف القدوم في اليوم الثامن من ذي الحجة، ثم إلى عرفة في اليوم التالي، ثم عشية إلى المزدلفة، وصبيحة اليوم العاشر من ذي الحجة يرمي جمرة العقبة، ثم ينحر الأضاحي، ويحلق رأسه، ويستكمل ما فاته، ليكون قد أدى حجّته ويعود كيوم ولدته أمه.
طقوس دارانية في استقبال الحاج
اعتاد أهالي داريا أن يجتمع أهالي الحاج، وأقرباؤه، والجيران والأحبة، قبل وصوله، ويزينون باب بيته بأغصان من شجر السرو، ويتفنن كل واحد بطريقة التزيين، التي تصبح حديث أهل الحي بأكمله، ويعلقون المصابيح والأعلام وعبارات التهنئة من قبيل: «حجًا مبرورًا وسعيًا مشكورًا، أهلًا وسهلًا بحجاج بيت الله الحرام».
ويوم وصوله يتجمعون مرة أخرى، ويخرجون في موكب لاستقباله في المطار، ويدخل منزله في عراضة شعبية، مع إطلاق نار تعبيرًا عن فرحهم، وإظهارًا لمحبتهم بمن اختاره الله أن كان من حجيج بيته ذاك العام، وتستمر الاحتفالات سبعة أيام بلياليها، ويتوافد المهنئون حاملين معهم الهدايا و«النقوط» للحاج، ويقدم لهم التمور وماء زمزم والقهوة المرة ومسابح مختلفة الألوان، وأنوعًا شتى من السكاكر والحلوى، ففرحة الحج لا تعادلها فرحة، حتى الأطفال يتكومون على الحاج ليفتح الهدايا، التي كثيرًا ما تكررت بين تلفاز صغير يعرض صور الكعبة والحرم المكي، وإكسسوارات للبنات، ومسك سعودي، و»فرد» يصدر صوتًا مع إضاءة، وغيرهم الكثير.
حتى في الحج طبقات ومستويات
يخلع الحاج ما ملك ويذهب لأداء المناسك، يتكاتف الفقير والغني، كلهم بمشهد واحد، مرتدين ذات الثياب، لا ماركات ولا قصاصات تذيّل بها ثياب الأغنياء هذه المرة،
ولكن يأبى الغني إلا أن يكون له نجمه الساطع، غير آبه بأفول كل نجوم الآخرين، وسط هذه الأجواء الرحمانية، فها هي المناطق المحيطة بالحرم قد صمم فيها أفخم الفنادق، التي لا يرتادها إلا الأغنياء، تاركين للفقراء الأماكن البعيدة، ليقضوا جل وقتهم في الطرقات ريثما يصلوا إلى الحرم، فيجدوه مزدحمًا بمن سبقهم.
أنت في طقوس الحج..
وغيرك يدخلون البسمة على قلوب الأطفال
العيد للأطفال كما يرى البعض، وإدخال فرحة على قلب طفل يعادل الدنيا بما فيها، وقد أطلقت العديد من الجمعيات الأهلية، وفرق التطوع، والمنظمات الأهلية، وناشطو المجتمعات المحلية، مبادرات لرسم بسمة العيد على أطفال الأسر التي تعيلها، والأطفال المهجرين من منازلهم، والمقيمين في مراكز الإيواء، لتحتضن صقيع حنينهم لبيوتهم الخاوية على عروشها، ولقلوبهم التي مزقها الحنين لمعتقلين وشهداء يكاد لا تخلو أسرة منهم، وذلك ضمن أجواء من اللعب الممنهج، والتحفيز، والرسم على الوجوه، وتحضير خرفان العيد، كرمز للأضحية التي أمرنا بها، وتبادل الهدايا والألعاب، وغيرها الكثير من الألعاب المسلية.
فللسنة الخامسة على التوالي في سوريا تتقلص أحلام أطفالها في العيد، أن يمر بسلام، دونما فقد لغال جديد، أو تهجير لمرة أخرى، وحتى «العيدية» حلم الأطفال من عيد لناظره، اضمحلت كثيرًا في ظل ندرة تبادل الزيارات العائلية، فلا بيوت لأقاربهم، ولا أقارب لآخرين، ولا عيد عند أم شهيد ومعتقل، واختلطت ذاكرة الأطفال الصغيرة، بالكثير من مشاهد الخوف والقتل والرعب التي زادت حجم ذواكرهم حد الهذيان، وافتقاد قيمة الأشياء الجميلة التي كانت تدخل السرور على قلوبهم المنهكة من الحرب.
أطفال سوريا ليسوا بحاجة لمساعدات مادية فقط، فكم من بسمة أمل التأمت جراح بعدها؟ وكم من يد حانية مسحت رأس طفل طحنت رحى الحرب والده وأحباءه، فالفرح لديهم أصبح شحيحًا، ومكلفًا، ونادرًا، يحتاج إلى من يزرعه، ويقتلعه من قلب الدمار والركام.
وحج البيت، وذبح عظيم
هل وقفت على عرفات وغُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ورجعت الآن كيوم ولدتك أمك، كيف ذلك إن لم تقف عند الخطوط الحمراء، لا أن تبقى دائرًا حول الشبهات، توشك أن ترتع فيها، بل تجتنبها، وتتجنبها مستبرئًا لدينك وعرضك، وتصون حقوقك، لا تتركها مهدورة بين نعال الحكّام وتجار الدم والحروب.
وهل رميت عدوك بجمرات، وخلت نفسك أنك أصبحت آمنًا في سربك، لتعود غافلًا أدراجك عما يمكر بك الذين أخرجوك وأهلك من ديارك بغير ذنب، فلا جديد سوى الحوادث التي نسمعها في الحج، والتي أودت بحياة العديد من الحجيج، وسط كيل من تبادل الاتهامات لمفتعليها، وهل سنبقى يضحي كل منها بالآخر مقابل مصلحته لا بأضحية يتقرب بها إلى الله، وهل ستستمر في صمتك عمن يريق دماء المسلمين، مشاركًا بصمتك جريمته؟
وأنت للمرة الخامسة كسوري يسمح لك بالحج ضمن شروط قاسية، وتخرج بصمت وتعود بصمت أكثر، لا أحد يشاركك مثل هذه الفرحة إلا ما ندر، فهل فكرت يومًا بأن الحج في هذه الأيام قد أصبح ترفًا في ظل حاجة كثر غيرك ليكون عونك لهم حجة لك ولهم هذه المرة لا لك فقط كما في الحج.
«صورني سيلفي، والكعبة خلفي»، بحق رب الكعبة، هل هذا هو الحج المبرور، المشكور سعيه!