نبيل محمد
تعلو أصواتهم التي يحاولون أن يثبتوا بها انتماءهم للوطن والمواطن، وأنهم جزء من هذا الشعب الذي يقاسي الأمرَّين في ظل الأزمات المعيشية المتتالية، فيجعلون من تصريحاتهم عناوين رنّانة، تربط صفة الشجاعة والجرأة بشخصياتهم، فيبتسمون صباحًا عند قراءة الصحف حين يجدون عناوين رنانة تحتوي أسماءهم، وجملًا نارية يتحدثون فيها عن أوضاع بلادهم، وعن أزمة المحروقات، والفساد وعمالقة الاقتصاد الذي يأكلون الأخضر واليابس، جملٌ توحي بأن مواقفهم تغيّرت، وأن صبرهم بدأ ينفد، وأنهم ليسوا مجرّد دمى متحركة تؤدي أدوارًا مكتوبة لهم لا يحيدون عنها. تأتي الانتخابات ليثبتوا أن كل ما قالوه بجرأته المنقوصة، ومصطلحاته المكرورة، ليس إلا جزءًا من مسلسل طويل يلعبون فيه الدور نفسه كطبول تُقرع ليرقص القائد، حيث لدى أغلبية الفنانين السوريين خط أحمر هو بشار الأسد.
تناقلت وسائل الإعلام مؤخرًا لقاءات مع مجموعة من الفنانين قبل وفي أثناء العملية الانتخابية التي أفضت كما هو مؤكد قبل أن تبدأ إلى استمرار الأسد حاكمًا للغابة، قدّموا فيها مراسم الولاء، فهم بلا شك، سينتخبون من لم يغادر البلاد خلال السنوات العشر الماضية، ومن صمد رغم تقدّم “المسلحين” تجاه دمشق، وخطورة الأوضاع السياسية المحيطة.
لا محاسن للعملية الانتخابية الممجوجة في سوريا، سوى أنها تعيد أيمن زيدان وزهير عبد الكريم ووائل رمضان وسواهم إلى مواقعهم كهتّافين، وتقدّم اعتذارات غير مباشرة عن تصريحات سابقة، ربما تمادوا بها بكلمة أو اثنتين بحق القيادة الحكيمة، معيدين بتصريحاتهم الجديدة صورتهم أمام الجمهور إلى 2011، فما قالوه قبل عشر سنوات يقولونه اليوم، وكأن شيئًا لم يطرأ.
السؤال الصعب على قناة سكاي نيوز، له جواب سهل عند أيمن زيدان، “أكيد سأدعم بصراحة يعني سأدعم الرئيس الدكتور بشار الأسد”، وهل كان متوقعًا غير ذلك؟ وهل أنجزت أصلًا تلك الصيحات بين فترة وأخرى غضبًا من الراهن المعيشي شيئًا سوى الإصرار على الحفاظ على المسبب الرئيس لهذه الأزمة؟
الاستمرار لعشر سنوات في المنصب، والذي جعل زيدان ينتخب الأسد، هو بلا شك الإصرار على استمرار الأوضاع المعيشية على حالها في مسيرة الانهيار المتجدد، التي يدرك الفنان بلا شك أنها مستمرة، فيصرّ على هذا الاستمرار ويعطيه صوته، كما يفعل آخرون، كانوا قد أبدوا ما حاولوا أن يقدّموه كثورة فنية ضد ديكتاتورية نقابة الفنانين، وفساد الحكومة، وحكم العصابات، ثم عادوا اليوم ليضمنوا للنقابة والحكومة والعصابات ولأنفسهم استمرار المظلة الراعية للفقر والموت والديكتاتورية في بلادهم، تلك المكونات التي ليس نافعًا أن نصنّف فئة من الفانين بأنها ضحية لها، بقدر ما هي ماكينة منتجة لها، ورديف فعّال في صناعتها.
يحاول فنانون آخرون، يفتقدون جرأة تسمية الأمور بمسمياتها، التأكيد على أهمية المشاركة في الانتخابات، دون ذكر اسم الأسد، فالقضية ليست بأسماء المرشحين، وإنما بالمشاركة التي قد تعني التغيير، مدركين تمامًا أن أي تأكيد على المشاركة في الانتخابات، أو أي تلميح على وجود الانتخابات أصلًا من أساسها، ليس إلا تأكيدًا على استمرار الأسد بكل ما تملك آلة سلطته من مافيوية وأسلحة محرمة وبراميل وكذب يومي. فتقول رشا شربتجي، تلك التي اقترن اسمها في يوم من الأيام بمدرسة جديدة في الدراما السورية تحاول إخراجها من قدرية الرضوخ للسلطة، “الاستحقاق الرئاسي موعد لتجسيد إرادة السوريين في اختيار مرشحهم بكل ديمقراطية وحرية ومسؤولية” بأسلوب لا يختلف عن أسلوب أي مسؤول سوري تعفّنت قفاه على كرسي لا يضمنه له سوى الولاء والمشاركة بالجريمة، جملة لم ينقصها سوى أن تكتمل بما قاله وزير الخارجية، فيصل المقداد، حين رأى أن الانتخابات السورية على الأقل هي أفضل من “مهزلة الانتخابات الأمريكية”، فهل من مسلسل درامي سوري مهما حطّ شأنه، وتقاذرت أدواته، وافتقد لأي مكون فني، أكثر حقيقية وواقعية وتعبيرًا عن الراهن من هذا المسلسل الذي يلعب بطولته نجوم الدراما السورية التي بأغلبيتها كانت شريكة الأسد في كل ما يفعل.