الوثنية السورية

  • 2021/05/30
  • 9:31 ص

إبراهيم العلوش

يوم جديد من العار في التاريخ السوري (الأربعاء 26 من أيار الحالي)، مرّ ضمن مسرحية الانتخابات التي أعادت تكريس الأسد للمرة الرابعة، وبحماية روسية وإيرانية، فأُجبر الضحايا على تأليه من قتل أبناءهم ومن هجرّ نصف السوريين من بيوتهم ومن وطنهم!

العلامة البارزة لهذه الانتخابات هي ذهاب رفعت الأسد إلى سفارة النظام في باريس، والإدلاء بصوته تثبيتًا لتاريخه ولدوره في مذابح حماة وتدمر، واسترجاعًا لحقيقة عائلة الأسد وممارساتها التي تفقأ أعين من يحاولون التستر على جرائمها!

ولا يعود استرجاع التاريخ الأسدي فقط بالظهور المفاجئ لرفعت الأسد في السفارة (الخميس 20 من أيار الحالي) وتخليه عن أكاذيب معارضته لنظام بشار، بل إن الطريقة التي تم تنظيم الانتخابات بها تسترجع كل مسرحيات الأسد الأب، من سَوق الناس بالقوة وتحت التهديد إلى صناديق الاقتراع، والتزوير العلني الذي ظهر في فيديوهات عديدة انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يظهر عناصر المخابرات وهم يكدسون الهويات وينتخبون الأسد بأنفسهم وعلنًا بدلًا من أصحاب الهويات الذين ظهروا وهم يراقبون التزوير بعيون تنتظر الخلاص من كابوس التهديد والوعيد الذي ساقهم إلى هذه المجزرة الانتخابية!

وتظهر مدرسة الأسد الأب أيضًا في نسبة الفوز (الدقيقة والأسطورية 95.05%) التي تثبتها أصوات الموتى والمهجّرين، ما ضاعف عدد سكان سوريا المخطوفين لدى النظام ليصل إلى 26 مليونًا إذا حسبنا النسبة التي أعلن عنها حمودة الصباغ، رئيس ما يسمى “مجلس الشعب السوري”، الذي أعلن بكل استخفاف أن عدد من يحق لهم الانتخاب هو 18 مليون سوري في مناطق النظام متضمنًا عدة آلاف صوّتوا في الخارج!

ومن مظاهر الاستخفاف أيضًا ظهور بشار الأسد في دوما، حيث ارتكب أبشع الجرائم من الحصار الذي امتد سنوات وصولًا إلى الكيماوي والتهجير الجماعي لأهل الغوطة، وكأن نظريات علم الجريمة تعيد مصداقيتها عندما يعود المجرم إلى ساحة الجريمة غير آبه بكل ما ارتكبه بحق أهل دوما والغوطة من جرائم غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية!

ووسط رفض دولي للانتخابات المخالفة للقرار الأممي “2254”، انسحبت المظاهر الإيرانية والروسية من المشهد الانتخابي، تاركة للمافيا الأسدية إعادة تمثيل دورها الانتخابي الذي طالما تدربت عليه منذ أيام الأسد الأب عبر ترسيخ الوثنية السياسية والعسكرية، واستثمار الوحشية عبر الاعتقال والخطف والتهديد وكل الطرق غير المشروعة التي تنتهجها من أجل اكتمال مسرحية الانتخابات.

لم يبقَ على الأسد إلا إعادة تعديل الدستور من أجل نيل مرحلة خامسة وسادسة، قبل أن يورث حكم العائلة لأحد أبنائه إذا استمرت الوثنية التي ترفد الأسد بقوة البقاء، بالإضافة إلى قوة توقيف الزمن السوري أو إعادته إلى الخلف، ومن أجل أن تبقى المافيا المخابراتية تنعم بدور الوسيط الدولي، والمقاول الذي يكفل التعاون لاستمرار تحويل سوريا إلى صحراء سياسية وعسكرية، وموطن للمحتلين الذي يكفلون بدورهم بقاء المافيا العسكرية التي تغتصب البلاد!

ما يلفت الأنظار في هذه المأساة الانتخابية الجديدة هو الزخم الكبير الذي صنعته أجهزة المخابرات للوثنية الأسدية، حيث تحوّل “الشبيحة” والمؤيدون إلى أناس راضخين بشكل مفجع لسطوة الأجهزة وتأثيراتها المادية والمعنوية، وظهروا بمظهر مسلوبي الإرادة، سواء من كان منهم تحت التهديد أو من كان راضخًا لشعور الدونية تجاه الأسد وسطوته.

لقد كانت صناعة الوثنية في منتهى الخطورة، فهذا الرضوخ التام الذي أظهرته الانتخابات الأسدية يهدد مستقبل السوريين لأجيال عديدة قادمة، وهو لا يقل خطورة عن رضوخ عناصر “داعش” و”النصرة” لوثنية الفتاوى وعبادة الفقهاء الذين تفوقت مكانتهم على مكانة الصحابة، واحتلت نصوص فتاويهم مكانة القرآن الكريم.

وكذلك لا يقل عن خطورة توثين آل البيت الذين تتاجر بهم إيران، وتجسد أخيرًا بصناعة وثن قاسم سليماني ووثن حسن نصر الله أسوة بأوثان “أبو بكر البغدادي” و”أبو محمد الجولاني” وبشار وماهر ورفعت الأسد!

لقد قام السوريون بثورتهم في ربيع 2011 مطالبين بكرامتهم رافضين وثنية عائلة الأسد، لكن بذور الوثنية انفجرت ودمّرت البلاد، ونشرت الأوثان من مختلف المذاهب والاتجاهات، وصار الاستثمار في هذه الذهنية أكبر مكسب للديكتاتور، وللمحتلين الروس والإيرانيين، بالإضافة إلى المحتلين الآخرين الذين يعكفون على صناعة أوثان أخرى، مثل أوجلان وأبو جاسم والنمر، بالإضافة إلى قطيع من الأنصاب القادمة التي ترسخ الاستخفاف بإرادة الناس، وتجبرهم على الرضوخ والتنازل عن إرادتهم وعن كرامتهم من أجل أن يكبر الوثن الذي يحلم بالتهام الأوثان الأخرى!

ولعل رفض الانتخابات من قبل معظم السوريين في الداخل الذي أجبر النظام على اللجوء إلى التزوير، بالإضافة إلى الرفض العلني في درعا وفي السويداء وفي الشمال السوري وفي منطقة الفرات وفي المهاجر الكثيرة، أكدّ أن اسم ثورة الكرامة ليس مجرد اسم عابر، فالسوريون حطموا أصنام حافظ الأسد ومزقوا صور بشار الأسد، ولن يقبلوا بأوثان أخرى، لا باسم الوطن، ولا باسم الدين، ولا تحت أي مسميات أخرى، لقد خرج السوريون بثورتهم من القمقم، ولن يعودوا إليه مهما كانت قوة الأوثان التي تحاول إجبارهم على ذلك!

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي