خطيب بدلة
“الشركة السورية للاتصالات”، التابعة لوزارة الاتصالات، لم تكن موجودة على زماننا، فعلى ما يبدو أنها أُحدثت بعدما تمكن المجرم ابن حافظ الأسد من قتل قسم كبير من أبناء هذا الشعب الغلبان، وتهجيرنا نحن ذوي العمر الطويل.
يقول خبر نشرته صحيفة “عنب بلدي”، إن “السورية للاتصالات” رفعت رسوم التصريح عن الهواتف الخلوية (الجمركة) بنسبة 100%، وقسّمتها إلى شرائح تبدأ، على ضوء التسعيرة الجديدة، بـ40 دولارًا على الخط الواحد، وتصل إلى 159 دولارًا. ومَن يتخيل كم هو كبير عدد الهواتف الخلوية الموجودة في سوريا الآن، يدرك ضخامة الرقم الذي يُجبى من بقايا الشعب السوري (بعد القتل والتهجير) لمصلحة العصابة الحاكمة.
أنا لا أستخدم كلمة “العصابة” كشتيمة، وإنما هذا توصيف دقيق للواقع. الدولة السورية، يا شباب، بدأت تتحول إلى عصابة منذ أواخر السبعينيات، حيث أسس المجرم رفعت الأسد “سرايا الدفاع”، وأفلت عناصره (أو كلابَه، كما يغني الشيخ إمام) في الشوارع، بعد أن أفهمهم أن الدستور الذي وضعه أخوه، والقانون الساري في الدولة السورية منذ أيام الفرنسيين، على قفا صرمايتهم، حاشا السامعين. ولم يقتصر السلوك العِصَابَوي على “سرايا الدفاع”، و”سرايا الصراع”، و”الوحدات الخاصة”، وفروع الأمن التي تعمل أصلاً مثل العصابات، بل راح رفعت يقود مجموعة من الزعران المسلحين، ويقتحمون أماكن تغص بالسوريين العزل، يحاصرونهم، ويقتلونهم، مثلما فعلوا يوم قتلوا سجناء “تدمر” في مهاجعهم، بالإضافة إلى المجازر التي ارتكبوها في حلب، وجسر الشغور، وجبل الزاوية، وحماة.
أُسّست، في الثمانينيات، تشكيلة واسعة من العصابات المرتبطة بالعصابة المركزية. يُحكى أن رفعت الأسد اقترح على حافظ، بعد توقف المساعدات الخليجية التي أعقبت حرب تشرين 1973، أن تؤسس عصابتُهما صندوقًا للعائلة، من موارد الدولة السورية، وجيء بالحرامي الكبير محمد مخلوف، وأُطلقت يده في أكبر قطاع اقتصادي ريعي، هو النفط، ومحمد مخلوف ركب المنشار على مبيعات النفط، وصار يقص على الطالعة والنازلة. وبعد أزمة الصراع على الحكم بين حافظ ورفعت، في سنة 1983، بزغ نجم حرامي لا يقل شراهة عن الآخرين، هو جميل الأسد، الذي أُعطي، مكافأة له على وقوفه في صف حافظ، قطاعَ التخليص الجمركي، وما عاد المرء يدخل مبنى حدود برية، أو جوية، أو بحرية، إلا ويرى مكاتب جميل الأسد حوله وحواليه. ولم تكن هذه الجباية تُشبع نهم هذا الشفاط المرعب، فسارع إلى إحداث قافلة للتهريب، وتسييرها، بشكل يومي، بين القرداحة وحلب، وصارت لها سفرتان، تشريقة صباحية إلى حلب، في ست أو سبع سيارات “مرسيدس شبح”، ذات نوافذ مفيَّمة، وتغريبة مسائية، ولم يكن أحد يعرف ما نوع الحمولات الواردة من الغرب أو العائدة من الشرق، كل ما يعرفه أهالي جسر الشغور وفريكة ومحمبل وأورم الجوز وأريحا، أن سائقي هذه السيارات وركابها يُعرفون بـ”الشبيحة”، وأن طباعهم نزقة، غاضبة، بمجرد ما ينزعجون من إنسان أو حيوان أو نبات، يُخرجون “الروسيات” من الشبابيك، ويفرغون مخازنها من الرصاص في الهواء، ويضحكون، فيتمتم الأهالي في سرهم: ضحكة عنزة في مسلخ.