د. أكرم خولاني
يحتوي حليب الأم على الفيتامينات والمعادن والمواد التي يحتاجها وليدها لبناء جسمه وتقوية مناعته ليقاوم الأمراض في المستقبل، لكن يمكن الاعتماد الكلي على الرضاعة الطبيعية منذ الولادة وحتى الشهر السادس من عمر الرضيع، وبعدها يجب البدء بإعطاء الأغذية المساعدة، إلا أن الرضيع يبقى على الثدي أيضا لفترة تختلف من طفل لآخر حسب وضعه ووضع أمه الصحي والاجتماعي ليتم الفطام بعدها.
ما المقصود بالفطام؟
لكلمة الفطام بشكل عام أكثر من معنى؛ فهي تطلق على عملية تحويل الرضيع من الرضاعة الطبيعية (من الثدي) إلى الرضاعة من الزجاجة (بيبرونة)، كما تطلق على عملية تحويل الرضيع من الرضاعة (الطبيعية أو من الزجاجة) إلى تناول الطعام (اللين أو الصلب).
وما نقصده في مقالنا هذا هو الوقف الكلي للرضاعة الطبيعية، ليتحول الرضيع إلى تناول أغذية متنوعة بما فيها الرضاعة من الزجاجة.
تعتبر الرضاعة الطبيعية وقتًا مميزًا جدًا في حياة الأم، كما أنها من أكثر المتع بالنسبة للطفل أيضًا، إذ أنها تكون بمثابة جلسة حميمة للتقارب بين الأم وطفلها، ولذلك فإن الفطام يُعد تجربة عاطفية لهما على حدٍ سواء.
كما أن بعض الأمهات يخطئن بجعل الرضاعة الطبيعية مصدرًا للراحة والتهدئة، فإذا بكى الطفل ولجأ إلى الرضاعة الطبيعية يكون بذلك قد ربط بين الرضاعة الطبيعية وبين المواساة.
ولكن رغم كل ذلك فإن عملية الفطام تختلف من طفل لآخر؛ فبينما يبدي بعض الأطفال مرونة ويتكيفون مع الوضع الجديد بسهولة، هناك أطفال آخرون يحولون حياة أسرهم إلى كابوس أثناء عملية الفطام.
ما هو السن المناسب للفطام؟
الأمر متروك للأم لتقرر الوقت الذي تراه مناسبًا لفطام رضيعها، وبشكل عام ينصح بالمواظبة على الرضاعة الطبيعية خلال العام الأول من عمر الطفل على الأقل، إلا أن السن المتعارف عليه للفطام هو من العام ونصف إلى العامين، وهو ما حدده الدين الإسلامي حين أشار إلى أنه لا رضاعة بعد عمر السنتين بقوله تعالى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}، ولا ينصح بالفطام باكرا إلا في حالات استثنائية مثل نقصان إدرار الحليب أو بعض الأمراض التي تصيب الطفل أو الأم.
هل هناك أوقات أنسب من غيرها للفطام؟
نعم؛ فيفضل فطام الطفل في فصل الشتاء أو أوائل الخريف أو أوائل الربيع؛ وذلك تجنبًا لتعرض الطفل للإنتانات المعوية نتيجة تخمر الأطعمة الزائدة في فصل الصيف، إذ أن الطفل غالبًا ما يتناول جزءًا من الوجبة ويرفض البقية، فتضطر أمه لتأجيلها بعض الوقت. كما يجب أن يكون الطفل بصحة جيدة، فلا نبدأ عملية الفطام مع طفل يعاني من أي أمراض مثل الهزال، أو سوء التغذية، أو النزلات المعوية، أو الحمى.
كيف نقوم بعملية الفطام؟
بداية نؤكد على أن الفطام هو عملية تدريجية تحتاج للصبر، وقد يمتد هذا التدرج على مدى أشهر.
ترتكز الخطوة الأولى بالفطام على إقلال عدد مرات الرضاعة الطبيعية، وهي تبدأ عند البعض منذ إعطاء الأم لطفلها وجبات رضاعة بالزجاجة مساعدة للرضاعة الطبيعية في الأشهر الأولى من عمره، وقد تبدأ عند إدخال التغذية المختلطة للطفل بعمر 4-6 أشهر مع تقليل عدد الرضاعات الطبيعية تدريجيًا، حيث يمكن إعطاء وجبة أرز مسلوق مع وجبة خضار مسلوقة ومهروسة، ثم يتم إدخال القمح وصفار البيض بعد عمر 6 أشهر، ثم تضاف اللحوم الحمراء والبيضاء والعدس والجبنة، وهكذا يصل الطفل إلى عمر السنة وقد اعتاد على تناول مجموعة واسعة من الأطعمة ولم يعد اعتماده على الرضاعة بشكل أساسي، وإنما يكتفي بوجبتي رضاعة في اليوم.
أما الخطوة الثانية في الفطام فترتكز على استراتيجيتين رئيستين، هما تقصير مدة الرضاعة الطبيعية وتشتيت انتباه الطفل، فأثناء رضاعة الطفل من ثدي أمه يقلل الوقت المخصص لذلك وتقدم له زجاجة الحليب الصناعي، إذا رفض الزجاجة وأصر على الرضاعة الطبيعية تعاود التجربة في وقتٍ لاحق.
بعدها يتم إلغاء جلسة الرضاعة الطبيعية وتقدم زجاجة الحليب عوضًا عنها، وإذا أصر على الرضاعة من أمه وكان عمره مناسبًا يجب محاولة تشتيت انتباهه بلعبة تفاعلية أو وجبة خفيفة، وافضل طريقة لجعل الطفل يقبل الزجاجة هي إعطاؤه إياها من قبل شخص آخر غير أمه، وخاصة عندما يكون جائعًا جدًا.
من الطبيعي أن يرغب الطفل في الرضاعة طبيعيًا قبل النوم، وسوف يتطلب فطامه عن ذلك تحديدًا بعض الوقت لأنها تكون العادة الأصعب، وهذا يحتاج بعض الصبر، ويمكن التغلب على هذه الصعوبة بتعويد الطفل على طقوس وعادات روتينية لوقت النوم؛ كإجراء حمام دافئ، أو حمل الطفل والمشي به، أو هزه في السرير حتى يستغرق في النوم.
أخيرًا عندما يكون الطفل قد اعتاد على الرضاعة من الزجاجة يمكن إيقاف الرضاعة الطبيعية نهائيًا، وإذا لم يستجب الطفل على ذلك فيجب منحه فترة أسبوع أو أسبوعين قبل المحاولة مجددًا، علمًا أن الكثير من الأطفال يظهرون إشارات تفيد استعدادهم للفطام بشكل كامل مثل رفضهم الرضاعة الطبيعية وعدم اهتمامهم بها أو تشتت انتباههم أثناء الرضاعة أو بكائهم أثناءها.
كم من الوقت تستغرق عملية الفطام؟
لا يوجد جواب محدد، فقد لا يستغرق الأمر سوى بضعة أسابيع للتوقف عن الرضاعة الطبيعية، أو قد يستغرق من شهر إلى ستة أشهر على الأقل أو أي وقت بينهما. وتختلف المدة من طفل لآخر اعتمادًا على مدى سرعته وقدرته على التأقلم.
ملاحظات:
- يفضل بهذه الفترة عدم ارتداء الأم الملابس المفتوحة من الصدر لكي تساعد الطفل على نسيان ثديها بشكل أسرع .
- سوف يستقر الطفل بعد مرور ثلاثة أيام من عدم إعطائه ثدي الأم.
- يجب عدم ترك الطفل مع أشخاص آخرين بعيدًا عن أمه لفترة طويلة كما يفعل البعض لتجاوز المرحلة الصعبة لأن ذلك يسبب ضغطًا نفسيًا على الطفل إضافة للضغط الشديد الناجم عن الفطام، بل يجب على الأم قضاء الكثير من الوقت مع طفلها في هذه المرحلة الصعبة حتى لا يشعر أنه فقد أمه أيضًا كما فقد ثديها.
- سوف يجف حليب الأم تدريجيًا بعد الفطام، ويمكن لها أن تتناول بعض المسكنات التي تخفف من الألم، كما يباع في الصيدليات أدوية لتجفيف الحليب بسرعة خاصة إذا اضطرت للفطام بشكل سريع.