اتجهت اليونان خلال أيار الحالي لتحقيق تقارب دبلوماسي مع النظام السوري الذي يتشارك معها في ملفات سياسية واقتصادية عدة، في سبيل توحيد بعض الرؤى حيال ملفات تحتاج فيها أثينا إلى تعزيز حلفائها.
وبالمقابل، يسعى النظام إلى إقامة علاقات دبلوماسية تضفي على حكمه الشرعية في ظل غياب أي تمثيل دبلوماسي أمريكي أو أوروبي في دمشق، وعدم اعتراف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالانتخابات الرئاسية التي أجراها النظام السوري، في 26 من أيار الحالي.
وتداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، الاثنين 31 من أيار، صورًا تظهر رفع العلم اليوناني فوق السفارة اليونانية في دمشق.
وفي 7 من أيار الحالي، عيّنت اليونان تاسيا أثاناسو مبعوثة خاصة إلى سوريا، وفق ما أعلنته وزارة الخارجية اليونانية، في خطوة فسرتها الصحافة اليونانية على أنها اتجاه لأثينا نحو تطبيع علاقاتها مع النظام السوري بالكامل.
وسبق أن شغلت أثاناسو منصب سفيرة اليونان لدى سوريا بين عامي 2009 و2012 وكذلك سفيرة اليونان لدى روسيا.
وربطت صحيفة “Greek City Times” بين تعيين المبعوثة الخاصة وجهود اليونان في شرق البحر الأبيض المتوسط، ورغبتها في “الإسهام بجهود الحل في سوريا”.
تحالف من أجل غاز المتوسط
قسّم الخلاف على ثروات الغاز في البحر المتوسط الدول المستفيدة إلى حلفين، تقف تركيا في أحدهما، في حين تتقارب المواقف اليونانية والمصرية والإسرائيلية، بالإضافة إلى إمكانية استقطاب سوريا من قبل اليونان، بالاستفادة من تدهور العلاقات السياسية بين النظام السوري، وأنقرة.
وفي تشرين الثاني 2019، وقعت أنقرة مع حكومة الوفاق الليبية، المعترف بها دوليًا، مذكرة تفاهم للحصول على الحق الحصري للمنطقة الاقتصادية في المتوسط من جزيرة كريتا حتى قبرص.
هذه المذكرة تبعها اتفاق مصري- يوناني لترسيم الحدود البحرية المشتركة بين البلدين في آب 2020، في محاولة يونانية للاستفادة من تدهور العلاقات المصرية- التركية في تلك الفترة.
ووفقًا لتقرير صادر عن هيئة المسح الجيولوجية الأمريكية عام 2010، يوجد في المتوسط نحو 122 تريليون قدم مكعب، أو 3455 مليار متر مكعب من الغاز، بالإضافة إلى 1.7 مليار برميل من النفط في المنطقة.
وتشكّل هذه الثروات نزاعًا اقتصاديًا يضاف إلى آخر سياسي بين معظم الدول المتنافسة، تسعى خلاله كل من اليونان ومصر وتركيا ولبنان وإسرائيل والسلطة الفلسطينية لتجهيز مشاريع التنقيب عن النفط والغاز في المتوسط.
وكانت تركيا اكتشفت نحو 405 مليار متر مكعب من الغاز عام 2020، وسط آمال باكتشاف كميات أخرى في مياه البحر المتوسط.
وفي آذار الماضي، صدّقت وزارة النفط والثروة المعدنية في حكومة النظام السوري، على ثاني عقد مع شركة روسية للتنقيب عن البترول في المياه الإقليمية السورية بالبحر المتوسط، ما أثار خلافًا بحريًا على المنطقة البحرية الاقتصادية بين سوريا ولبنان.
وأمام إدراك اليونان لتأثيرات محتملة للتقارب التركي- المصري، وعدم رغبة إسرائيل في التصعيد مع تركيا لاعتبارات اقتصادية، تتجه اليونان للتقارب مع سوريا لبعدها في المدى المنظور عن المحور التركي.
ملف اللاجئين
يشكّل ملف اللاجئين مصدر قلق بالنسبة للحكومة اليونانية التي تتخذ موقفًا سلبيًا من تدفقهم إلى أراضيها لاتخاذها بوابة للعبور إلى أوروبا.
ويبدو بوضوح خلافها مع أنقرة في هذا الملف، أمام اتهامات مستمرة من قبل الجانب التركي لليونان بإساءة معاملة اللاجئين وإفشال محاولات بعضهم بالخروج من تركيا إلى اليونان، وإعادتهم إلى الجانب التركي.
وتواجه اليونان دعاوى قضائية متكررة حيال طريقتها في التعامل مع اللاجئين، إذ تنتهج سياسة مغايرة لسياسات دول الاتحاد الأوربي الأخرى في الملف ذاته.
وفي نيسان الماضي، دعا “ديوان المظالم في اليونان”، وهو هيئة حكومية مستقلة، حكومة بلاده إلى وقف السياسة التي تتبعها أثينا في إجبار طالبي اللجوء على العودة إلى تركيا، عبر نهر “مريج” الفاصل بين البلدين.
وأشار تقرير صادر عن المنظمة في 28 من نيسان الماضي، إلى وجود بلاغات تفيد بضلوع الشرطة اليونانية في عمليات إجبار طالبي لجوء من دول أجنبية على العودة إلى المياه الإقليمية التركية.
وفي نيسان أيضًا رفع “المركز القانوني في ليسفوس”، وهو منظمة يونانية غير حكومية، دعوى قضائية ضد الدولة اليونانية في “المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان”.
واتهم المركز خلال الدعوى أثينا باستخدام مستوى “مروّع من العنف” في عمليات معقدة مشتركة بين الوكالات، تشكّل جزءًا من استراتيجية صد “غير قانونية” لوقف وصول اللاجئين إليها.
واستندت المنظمة في دعواها إلى تقرير نشرته في 26 من نيسان، يوثق حادثة حصلت لمجموعة من 180 إلى 200 شخص، من بينهم 40 طفلًا وامرأة حاملًا، كانوا متوجهين إلى إيطاليا لطلب اللجوء فيها، في تشرين الأول 2020.
بينما يسعى النظام السوري بشكل متواصل لإعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا، واستقطابهم لإضفاء الشرعية على وجوده، وتقديم نفسه كممثل عن الشعب السوري.
ولهذا الغرض نظم في تشرين الثاني 2020، مؤتمرًا برعاية روسية، وحضور دول غير معنية بالملف السوري، في سبيل إعادتهم، رغم اعتراف أوروبا على لسان منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوربي، جوزيف بوريل، أن الشروط الحالية في سوريا لا تشجع على الترويج لعودة طوعية ضمن ظروف أمنية وكرامة تتماشى مع القانون الدولي.
محاصرة تركيا
وفي 5 من أيار الحالي، عيّن وزير الخارجية اليوناني، نيكوس دندياس، السفيرة السابقة، تاسيا أثاناسو، مبعوثة خاصة إلى سوريا، بحسب ما نشره عبر حسابه في “تويتر”.
Με απόφασή μου, η Πρέσβυς Τασία Αθανασίου ορίζεται ως Ειδικός Απεσταλμένος του @GreeceMFA για θέματα Συρίας. https://t.co/7UkndaKhkR
— Nikos Dendias (@NikosDendias) May 5, 2020
وذكرت صحيفة “Greek City Times“، في 7 من أيار الحالي، أن هذه الخطوة تعني سير اليونان على طريق تطبيع العلاقات مع النظام السوري، بعد تعليقها في 2012، بموجب أوامر من حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوربي، بحسب الصحيفة.
وقالت إن اليونان تسعى لمحاصرة تركيا بفتح سفارتها في دمشق، إذ ترى “Greek City Times”، أن هذه الخطوة من شأنها إعادة توازن القوى في شرق البحر الأبيض المتوسط.
وتوجد بين تركيا واليونان خلافات عميقة تعود إلى القرن الـ20، مع غزو اليونان تركيا بعد الحرب العالمية الأولى، ودخول القوات التركية إلى جزيرة قبرص عقب انقلاب عسكري برعاية يونانية، ما أدى إلى تقسيم الجزيرة.
لكن بوادر حلول للتوتر بين الجانبين لا تزال ممكنة، خاصة مع زيارة وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إلى أثينا اليوم، وإبداء استعداد بلاده للتفاوض مع اليونان دون شروط.
–