يُعد العنف ضد المرأة واحدًا من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارًا واستمرارًا وتدميرًا في البلدان الغنية والفقيرة على السواء، ولا يزال غير معلن عنه بشكل كافٍ، بسبب ما يحيط به من ظواهر الإفلات من العقاب والصمت والوصم بالعار.
ولطالما كانت الانتهاكات اللفظية والنفسية سمة منتظمة للعنف ضد المرأة، مثل تعرضها للصراخ والنعوت المهينة التي تطلق عليها في بعض الأوقات، واحتقارها، وتعرضها للتهديد والإهانات والترهيب.
خصصت الأمم المتحدة يوم 25 من أيار من كل عام كيوم عالمي لـ”القضاء على العنف ضد المرأة“، ويظهر العنف بالإضافة إلى الانتهاكات اللفظية والنفسية، في أشكال جسدية وجنسية ونفسية ضد المرأة.
وتشمل وفق تقرير الأمم المتحدة، عنف العشيرة أو المجتمع مثل الضرب، والإساءة النفسية، والاغتصاب الزوجي، وقتل النساء.
كما يندرج ضمن العنف ضد المرأة، المضايقات الجنسية مثل الاغتصاب، والأفعال الجنسية القسرية، والتحرش الجنسي في أماكن العمل أو المنزل أو الشارع، والاعتداء الجنسي على الأطفال، والزواج القسري، والملاحقة لتحقيق غرض جنسي قسري، والمضايقة الجنسية الإلكترونية، بالإضافة إلى الاتجار بالبشر ومنها العبودية والاستغلال الجنسي، وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث.
وأوضحت حركة “Me Too” أن التحرش الجنسي هو ظاهرة عالمية تحدث في الأماكن الخاصة والعامة، وفي المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، بما في ذلك الوكالات الحكومية والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة.
وعرّفت اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن القضاء على العنف والتحرش في العمل لعام 2019 التحرش بأنه “مجموعة السلوكيات والممارسات غير المقبولة أو التهديدات المرتبطة بها، سواء حدثت مرة واحدة أم تكررت، تهدف أو تؤدي إلى إلحاق ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي، وتشمل التحرش على أساس النوع الاجتماعي”.
وفي حديث سابق مع عنب بلدي، بينت المستشارة في الإرشاد النفسي الدكتورة الأردنية رزان عبيد، أن التحرش بشكل عام مرتبط بظروف بيئية غير سليمة، تكمن بوجود أفكار مضطربة لدى الأفراد، أو بسبب تنشئة بيئية تحتوي على مشاكل أسرية أو اجتماعية، وهذا ما ينطبق على الظروف المرتبطة بالأشخاص العاملين في المؤسسات الإعلامية.
اقرأ أيضًا: التحرش في مكان العمل.. هل توفر المؤسسات الإعلامية بيئات عمل آمنة
مبادرات لرفع الوعي ضد التحرش الجنسي بالنساء
وتهدف الأمم المتحدة إلى مساعدة الدول والمجتمعات على تعزيز ثقافة حماية المرأة من تعرضها للعنف وخاصة انتهاك التحرش الجنسي، بموجب دليل التشريعات المتعلقة بالعنف ضد المرأة الخاص بالأمم المتحدة والذي أعدته إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية.
ويجب بموجب دليل الأمم المتحدة، نشر فكرة في المجتمع مضمونها الإقرار بأن التحرش الجنسي نوع من العنف ضد المرأة وباعتباره شكلًا من أشكال التمييز وانتهاكًا لحقوق الإنسان للمرأة مع نتائج ضارة بالصحة والسلامة الجسدية والنفسية.
ويجب تعريف التحرش الجنسي على نطاق مجتمعي على أنه سلوكًا غير مقبول تحدده الرغبة الجنسية في العلاقات الاجتماعية، وفق دليل الأمم المتحدة، وأنه سلوك له دوافع جنسية يشمل الإغراءات الجنسية والتماس المجاملات الجنسية والملاحظات ذات الطابع الجنسي، وعرض صور أو ملصقات أو رسوم وكتابات صريحة جنسيًا، دون إبداء رغبة من الطرف الآخر بذلك.
كما يعتبر النظام التعليمي نقطة مهمة للاعتراض على مظاهر العنف ضد المرأة ومنها التحرش الجنسي، وفق دليل الأمم المتحدة، فيجب على المناهج التعليمية، خاصة في المراحل المدرسية المبكرة، التركيز على تعليم جميع المستويات من حقوق المرأة، والتركيز على مشكلة التحرش الجنسي ضد المرأة.
كما يجب أن تشجع التشريعات الوطنية في كل دولة على توفير الدعم والتمويل من الحكومات لحملات التوعية العامة بشأن الحد من التحرش الجنسي بالنساء كمظهر من من مظاهر تعنيف المرأة، وفق دليل الأمم المتحدة.
وتعتبر حملات التوعية العامة مهمة لكشف ونقل عدم مقبولية العنف ضد المرأة، وينبغي أن تنقل هذه الحملات رسالة عدم التسامح إزاء هذا الشكل من أشكال الانتهاكات، والتأكيد على الإدانة المجتمعية للمواقف التمييزية التي توصم الشاكيات أو الناجيات من العنف بالعار.
وتطلب الناجيات من العنف الجنسي الحصول فورًا على خدمات ورعاية شاملة ومتكاملة، ويجب، بحسب دليل الأمم المتحدة، إيجاد مراكز رفيقة بأحوال المرأة وأن يطور أدواته وآلية تعامله مع الضحايا بشكل دوري.
التوعية عبر وسائل الإعلام
وأوصت الأمم المتحدة في دليلها على تشجيع الصحفيين وغيرهم من موظفي وسائل الإعلام فيما يتعلق بالتحرش ضد المرأة.
إذ يترك تصور وسائل الإعلام تأثيرًا مهمًا على تصورات المجتمع الخاصة بالسلوك والمواقف المقبولة، وقد يؤثر طريقة تناول وسائل الإعلام لمثل هذه القضايا على مواقف المجتمع.
فجيب أن تعمل وسائل الإعلام وفق الأمم المتحدة، على حماية مساواة الجنسين والحفاظ عليها وتلافي أي تمييز بين الرجل والمرأة، وبذل أقصى الجهد في التقارير بشأن العنف ضد المرأة، خصوصًا التحرش الجنسي، في إطار المتطلبات الموضوعية الصحفية، للدفاع عن حقوق الإنسان وحرية وكرامة النساء ضحايا العنف الجنسي.
كما يجب على وسائل الإعلام، وفق دليل الأمم المتحدة، أن تتجنب الأدوار النمطية المقبولة التي تضفي المشروعية أو التشجيع على العنف ضد المرأة.