تراجعت حكومة النظام السوري عن التعامل أمنيًا مع الدولار الأمريكي بشكل جزئي، مع القرارات التي صدرت خلال الأسابيع القليلة الماضية، والتصريحات التي أدلى بها حاكم مصرف سوريا المركزي الجديد المتعلقة بحيازة القطع الأجنبي.
تسهيلات بعد تشديد
وبعد محاولات اجتناب المواطنين حتى الحديث عنه بوجود مراسيم تجرم التعامل به، سمح مصرف سوريا المركزي بإدخال القادمين إلى سوريا الأوراق النقدية الأجنبية حتى مبلغ أقصاه 500 ألف دولار أمريكي، أو ما يعادله من العملات الأجنبية.
واشترط المصرف التصريح عن المبلغ أصولًا، وفق النماذج المعتمدة من هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لهذا الغرض، والاحتفاظ بنسخة عن هذا التصريح.
كما أُلغي القرار الصادر عن “مجلس النقد والتسليف” عام 2015 القاضي بالسماح لجميع القادمين إلى سوريا، باستثناء العابرين في مناطق الترانزيت في المطارات والموانئ السورية، بإدخال الأوراق النقدية الأجنبية حتى مبلغ 100 ألف دولار أمريكي.
بعد هذا القرار بيومين، قال حاكم مصرف سوريا المركزي، محمد عصام هزيمة، إن للتجار حقًا قانونيًا بحيازة القطع الأجنبي أو إيداعه وسحبه من حساباتهم المصرفية، ولا يمكن لأحد محاسبتهم على مصدره.
واعتبر هزيمة أن القصد من المرسوم “54”، الذي يجرم التعامل بغير الليرة السورية، هو التداول لا الحيازة، مبينًا أن عدم توضيح المقصود للتجار “كان خوفًا من تهريب الدولار عبر الحدود”.
ووعد بفتح السقف لإدخال القطع الأجنبي قريبًا إلى سوريا، مشيرًا إلى أنه للسماح بالتعامل بالدولار يجب أن يكون أحد أطراف العلاقة أجنبيًا أو عربيًا غير مقيم في سوريا.
تغيير سياسة قرفول
وتبرز تصريحات حاكم المركزي الجديد الاختلاف بين التسهيلات التي يتبعها المصرف المركزي بالتعامل مع الدولار بعد استلام هزيمة لإدارته، والقبضة الأمنية التي اتبعها سلفه حازم قرفول أثناء إدارته.
وثمة عدة “أخطاء” ارتكبها حاكم المصرف المركزي السابق حازم قرفول، والتي تمثلت بشكل أساسي بالحفاظ على سعر صرف منخفض جدًا عن سعر السوق بالنسبة الدولار، الأمر الذي كان ينعش السوق السوداء التي يسيطر عليها العديد من أركان النظام.
وكرر سياسات الضبط الأمني للمتعاملين بالصرافة من خارج دائرة معينة دون آخرين، ولم يطبق آليات “عادلة” لصالح تفعيل دور المصارف وشركات الصرافة المرخصة.
كل ذلك مع عوامل أخرى تتعلق بضعف تدفق الدولار من الخارج وزيادة الطلب عليه والعقوبات، أدى إلى انهيارات كادت تودي بشكل نهائي بقيمة الليرة السورية، بحسب أستاذ الاقتصاد والمالية الدولية في جامعة “غازي عينتاب”، الدكتور عبد المنعم حلبي.
وقال حلبي لعنب بلدي، إن إجراءات تم اتخاذها لتصحيح هذه “الأخطاء”، إذ رُفع سعر صرف الحوالات ورُبط الاستمرار بالضبط الأمني بآليات تدخلية مفيدة بشكل البيع بسعر آجل منخفض عن طريق شركات صرافة مرخصة وحسنة السمعة والسماح للمصارف بتداول أوسع للدولار، مع تخفيف قيود عقوبات “قيصر” فيما يتعلق بالنفط الخام وتوريدها لمصفاتي بانياس وحمص.
وكان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أعفى حازم قرفول من منصبه كحاكم للمصرف، وعين محمد عصام هزيمة خلفًا له، في نيسان الماضي، بعد اتهامات غير مباشرة لقرفول بالفساد وتحميله مسؤولية ارتفاع سعر الصرف خلال العام الماضي.
وأضاف حلبي أن النظام يسيطر بشكل أو بآخر على سوق الصرف الموازية ولكن ثمة خلافات نتجت عن بعض السياسات والخلاف مع ابن خال رئيس النظام رامي مخلوف أدت إلى زعزعة حادة لسعر صرف الليرة، وجاءت التدخلات السابقة لتمنع حالة الانهيار وتعيد السيطرة لصالح طرف محدد في النظام.
ويرى النظام الآن في سعر 3000 ليرة للدولار الواحد سعرًا توازنيًا مقبولًا يمكنه من الحفاظ على سيطرته على الوضع المالي للبلد لمدى زمني ليس بالقصير، من خلال ما يمتلكه من مخزون دولار.
وبحسب حلبي، فإن النظام لا يعاني من أزمة تمويل لكن الدولة هي التي تعاني، والنظام نقل مخزون الدولار من المصرف المركزي إلى العديد من أركانه ويسيطر سيطرة قوية على الوضع الحالي.
ولكن موجبات المرحلة القادمة التي يرى النظام أنها ستجري مع بقائه تحتاج لمقدرات إضافية، لذلك فهو يرفع بعض العوائق ويزيد من التسهيلات الممنوحة بالتعامل بالدولار بهدف زيادة تدفق الدولار من الخارج.
ويرى الدكتور حلبي أن سياسة الحاكم الجديد عصام هزيمة تستند إلى الإبقاء على حالة من الضبط الأمني والملاحقة القانونية لتعاملات معينة، ولكن مع المزيد من تلك التسهيلات والتخفيف من العوائق المعرقلة لزيادة الوارد الدولاري للبلد.
ويتوقع استمرار استقرار الدولار عند مستوى 3000 مع هامش تحرك بسيط 5% إذا بقي الوضع على ما هو عليه.
وسجل سعر صرف الدولار الأمريكي اليوم، الأحد 23 من أيار 3120 ليرة سورية، بحسب موقع “الليرة اليوم” المختص بأسعار الصرف.
مطالبات سابقة
وفي 9 من أيار، دعا المركزي المواطنين إلى الامتناع عن شراء القطع الأجنبي من السوق السوداء، والحصول على حاجتهم منه من المصارف وشركات الصرافة، لكشفه كمية “كبيرة” مزوّرة منه في السوق.
كما دعا رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية، عابد فضلية، إلى التعامل بالعملات الأجنبية ضمن القنوات المصرفية المرخصة والمسموح بها، لأنها عامل أمان وثقة، وتجنب تعرض الأشخاص للوقوع في شرك الاحتيال أو الخديعة من بعض تجار وسماسرة العملات المزوّرة.
قبل هذه الدعوتان، طالب رئيس لجنة الصادرات في “غرفة تجارة دمشق”، فايز قسومة، بالسماح لشركات الصرافة ببيع القطع الأجنبي للمواطنين، “للقضاء” على السوق السوداء.
في نيسان الماضي، سمح النظام السوري لشركات الصرافة المرخصة في مناطق سيطرته بتسليم حوالات التجار والصناعيين بالدولار، وسمح للمواطنين بتسلّم حوالاتهم بسعر 2825 ليرة سورية، وهو سعر أعلى من سعر الصرف الرسمي.
كما سمحت حكومة النظام ببيع الدولار للتجار والصناعيين لتمويل مستورداتهم، في خطوة اعتبرها اقتصاديون التقت بهم عنب بلدي في وقت سابق، أنها خطوة لخلق حالة من الذعر لدى صغار المدخرين ودفعهم إلى بيع مدخراتهم من الدولار عند سعر منخفض.
الدعوات الأخيرة لتسهيل التعامل مع الدولار ليست جديدة، وسبقها اقتراحات في شباط الماضي تعديل المرسوم الخاص بتجريم المتعاملين بالدولار في مناطق سيطرة النظام السوري، وإيجاد الآلية المناسبة والقانونية لتأمين ما يحتاج إليه السوريون من القطع الأجنبي، من دون مخالفة المرسوم والأنظمة النقدية والمالية.
وكان الأسد، أصدر في 18 من كانون الثاني 2020، المرسومين “3” و”4″، ويقضيان بتشديد العقوبات على المتعاملين بغير الليرة السورية.
اقرأ أيضًا: تسهيلات وعقوبات.. النظام السوري يتعامل مع الدولار بازدواجية