كيف تواجه البروباغاندا؟
ما يعرفه السوريون عن الانتخابات لا يعرفه العالم الخارجي
عنب بلدي – أمل رنتيسي
صور ولافتات معلّقة تغزو العاصمة والمدن السورية الخاضعة لسيطرة النظام السوري، تروّج لـ”الحملات الانتخابية” لثلاثة مرشحين، أحدهم النتيجة محسومة لمصلحته. كل هذا تحت ما يسمى بـ”العرس الوطني” و”الاستحقاق الرئاسي”.
قد تعد هذه أبرز مظاهر ما يوصف بـ”مسرحية الانتخابات” في سوريا، التي ستنتهي بإغلاق صناديق الاقتراع في 26 من أيار الحالي.
منذ الإعلان عن فتح باب الترشح، في 19 من نيسان الماضي، انهالت الطلبات التي استمرت قرابة عشرة أيام، إذ أعلنت المحكمة الدستورية العليا تقدم 51 شخصًا بطلبات ترشحهم، اختير منهم ثلاثة مرشحين، في 3 من أيار الحالي، وهم رئيس النظام، بشار الأسد، وعبد الله سلوم عبد الله، ومحمود أحمد مرعي، بحسب ما أعلنته المحكمة الدستورية العليا السورية.
ورغم ما يعلمه السوريون، سواء في الداخل أو الخارج، عن حقيقة هذه الانتخابات، فإن النظر إليها يتفاوت عند الشعوب أو المجتمعات الأجنبية، سواء العربية منها أو الغربية.
ويحاول النظام السوري تصدير صورة حول “نزاهة” هذه الانتخابات، ودورها في تحديد الرئيس، عبر عدة وسائل، أبرزها الضخ الإعلامي الكبير من وسائل الإعلام الرسمية عن “ديمقراطية” سير العملية، ودعوة الدول “الشقيقة” لمواكبة سير العملية الانتخابية، وأبرزها حلفاء الأسد من روسيا وإيران.
ولم تكترث وسائل الإعلام الرسمية بتغطية الانتخابات، سوى لتسليط الضوء على بشار الأسد، إضافة إلى المسيرات المؤيدة له دون غيره، كما أنشأت حملته الانتخابية المعنوَنة بـ”الأمل بالعمل” صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما غاب هذا الترويج عن المرشحين الآخرين، سوى بصور الحملات الطرقية.
ناقشت عنب بلدي إشكالية وصول الانتخابات السورية إلى العالم الخارجي (غير السوريين)، وعوامل تلقيها بالطريقة المغايرة لحقيقتها، مع خبراء تحدثوا عن أسباب غياب الوعي بطريقة إدارة الانتخابات في سوريا، وأثر الدعاية الرسمية بهذه الطريقة على المتلقي الغربي، وما الوسائل المتاحة لمواجهتها.
النزاعات تجذب الأنظار في بدايتها
الدبلوماسي السوري السابق والباحث غير المقيم في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” داني البعاج، قال لعنب بلدي، إن من الأسباب الرئيسة لعدم المعرفة الشعبية في المجتمعات الأجنبية بالقضية السورية، بشكلها الحالي، هو أن الأحداث السياسية والنزاعات التي تحدث في العالم عادة تجذب الأنظار في بداياتها بطريقة أكبر.
ومع مرور الوقت ينقص الاهتمام، إما عبر ظهور أحداث أكثر أهمية وإما بسبب طول فترة النزاعات، كما في الحالة السورية التي أتمت في آذار الماضي عامها العاشر من الصراع.
وكان لوجود السوريين في دول اللجوء أثر على اهتمام الشارع الغربي الذي أعار انتباهًا لما يحصل في سوريا، خاصة ببداية موجات اللجوء الأولى والكبيرة.
ولكن على صعيد آخر، شكّل وجود اللاجئين في البلدان المُضيفة تراجعًا للاهتمام بما يحصل في الداخل السوري، وصار اهتمامهم منصبًا على اللاجئين أكثر من الأسباب التي دعتهم إلى ترك سوريا، حسب البعاج.
بينما لا تعتقد عضو اللجنة المصغرة عن قائمة المجتمع المدني في اللجنة الدستورية إيلاف ياسين، أن المجتمعات العربية مغيّبة بالكامل عما يحصل في سوريا، إذ توجد شريحة كبيرة من العرب في الدول المحيطة ودول الخليج تعلم ماذا يحصل والظلم الواقع على الشعب السوري.
وقالت إيلاف ياسين، في حديث إلى عنب بلدي، إن درجة الاهتمام بالقضية السورية تختلف حسب قرب بعض الأشخاص إلى السياسة أكثر من غيرهم في المجتمعات الغربية، وكذلك اهتمامهم المنصب أكثر على قضاياهم الداخلية.
انقسام المواقف بخصوص القضية السورية ولّد غيابًا للمعرفة
يرى البعاج أن من أسباب وجود شريحة في المجتمعات الأجنبية لم تفهم الوضع في سوريا، وليس لديها اطلاع كافٍ على الانتخابات السورية، هو اختلاف المواقف المُتخذة من القضية السورية نفسها.
وشرح أن هناك مجموعتين أساسيتين من المتابعين الآن للقضية السورية، وهما مجموعة اتخذت موقفًا، سواء تأييد النظام أو المعارضة، ومجموعة أخرى مهتمة بالقضية لكنها لم تشكّل موقفًا بعد سواء لمآخذ على النظام أو المعارضة السورية.
وبحسب البعاج، يكمن النقص في تصدير سردية الثورة الصحيحة بالانتكاسات التي حصلت على الأرض السورية في المعارك، وظهور تنظيم “الدولة” والجماعات الإسلامية المتطرفة التي أثرت بطريقة سلبية على الثورة، إذ ناهضت الأحزاب اليمينية المتطرفة المناهضة للإسلام الثورة السورية بعد ظهور الجماعات المتطرفة، واعتبرتها محاولة لخلق دولة إسلامية، وهذا أدى إلى تزعزع في السردية الصحيحة للثورة.
ومع هذه المعطيات، صار بشار الأسد أفضل من هو موجود في السلطة، برأي بعض الأحزاب حتى في الدول العربية، وهذه القناعات السياسية من الصعب تغييرها، وفق البعاج.
“بروباغندا” روّج لها النظام وأداء سياسي سيئ للمعارضة
تسوّق حكومة النظام السوري لشرعية ونجاح الانتخابات، وهذا التسويق الإعلامي نجح بالوصول إلى أماكن معيّنة، كالفئات المذكورة سابقًا التي لم تتخذ موقفًا واضحًا من القضية السورية.
وقال بعاج، إن هناك تقصيرًا لمحاربة هذه “البروباغندا” على أكثر من مستوى، أساسه الأداء السيئ للمعارضة السورية بتمثيل السوريين بشكل عام.
وأضاف أن “الائتلاف الوطني السوري” في شكله الحالي وطبيعة إدارته للملف السياسي العام لسوريا فشل وتسبب بتضعضع سردية الثورة الصحيحة، وأصبح هناك السؤال المطروح: “ما البديل عن الأسد؟” الذي يعتبر سؤالًا غير صحيح، فالفكرة الأساسية هي باستبدال المنظومة الكاملة للنظام السوري، ولم تنجح المعارضة السياسية باتباع هذه الآلية.
إضافة إلى مسار المفاوضات الذي فشل في التعامل مع الملف السوري وأصبح مُجمّدًا، ووجود لجنة دستورية معطلة قُدِّمت على أساس أنها “انتصار”، حسب تصريح رئيس “الائتلاف”، نصر الحريري.
وأكد البعاج أن النظام السوري يتحمل مسؤولية واضحة وأساسية في عرقلة المفاوضات والوصول إلى تفاهم سياسي، لأن النظام غير جدي بالتفاوض ولا يريد الوصول إلى الانتقال السياسي، “لكن التعنّت والأداء الهزيل التفاوضي من المعارضة منح النظام نقاطًا مجانية، أهم مثال عليها اللجنة الدستورية”، على حد قوله.
وبسبب هذا الأداء الهزيل للمفاوضات، استمر الصراع لمدة عشر سنوات، وبدأ العالم يفقد الاهتمام بسوريا، إضافة إلى عدم وجود أداء إعلامي ثوري ناشط موجّه للشارع الغربي مع تجربة سياسية متجهة للديمقراطية تدعم الخطاب الثوري.
تسويق الثورة يقع على كاهل المجتمع المدني الناشط
صارت مهمة تسويق الثورة بشكل أكبر أمام المجتمعات الأجنبية تقع على عاتق الشارع المعارض والمجتمع المدني الناشط الثوري أكثر من التكتلات السياسية المعارضة، وفق البعاج.
وأشار إلى أن الشارع المعارض يفتقد الرؤية المستقبلية للقضية السورية بشكل أوضح، إلا أن من النقاط المضيئة في مسيرة الحراك المعارض في الغرب، هي تفعيل قضايا محاسبة النظام السوري وتسليط الضوء على جرائمه، وترجمة ما يحدث الآن من انتخابات غير شرعية لأكثر من لغة لتتوجه أكثر إلى الشارع الدولي.
من ناحيتها، عضو اللجنة المصغرة عن قائمة المجتمع المدني في اللجنة الدستورية إيلاف ياسين، أوضحت أن منظمات المجتمع المدني السوري لها شراكات مدعومة من منظمات أممية أو من الاتحاد الأوروبي والتي تعرف تمامًا ما يحصل في سوريا.
وترى إيلاف ياسين أن “من المبالغة” أن نسأل أو نطالب منظمات المجتمع المدني السورية بالتوجه إلى الشارع الغربي أو الأوروبي، فـ”هذا ليس مجال عملها”، بل هذه مهمة الإعلام الذي يلعب دورًا في توعية المجتمعات بالقضايا الإنسانية والعادلة والمحقة، مثل القضية السورية أو القضية الفلسطينية، و”للأسف هذا مبحث ثانٍ له علاقة بأجندات هذه المحطات الموجودة في تلك الدول”، حسب قولها.
وأما منظمات المجتمع المدني السورية فتقوم بما تستطيع القيام به ضمن حيّز قدرتها ونشاطها واختصاصها، بحسب إيلاف، بأن تتواصل مع الاتحاد الأوروبي أو مع الحكومة الأمريكية ومع كل من له القدرة على التغيير في الملف السوري، وتبلغه برأيها بالانتخابات وبما يحصل من انتهاكات، وهذا ما تفعله منظمات المجتمع المدنية السورية.
وتعتقد إيلاف ياسين أن مخاطبة الغربيين ليست من مسؤولية المنظمات بقدر ما مسؤوليتها إيصال صوت السوريين، وهذا ما تقوم به بالفعل، حسب رأيها.
وأضافت أن الرأي العام على المستوى الشعبي في كل دولة يسهم بمساعدة السوريين، وهذا بدوره سيؤدي إلى ضغط إضافي على الدول، وبالتالي ترضخ لحراك الرأي العام أو تسايره.
جعل الغربيين أكثر اطلاعًا على ما يجري في سوريا يصب في مصلحة السوريين في النهاية، لكن الرهان هو أن يعيد السوريون تنظيم صفوفهم والعمل بشكل جماعي من جديد لتحويل القضية السورية إلى قضية فيها من الحشد والمناصرة ما يجعلها تستقطب كل التعاطف من شخصيات، سواء كانوا أفرادًا أو مشاهير وساسة غربيين، بحيث يسهموا بالضغط والدفع إلى أن يتخلص الشعب السوري من نظام الأسد.
تركيز على الجرائم يُسقط الانتخابات
أشار الدبلوماسي داني البعاج إلى أن من مصلحة النظام السوري والداعمين له فتح نقاشات تتعلق بحيثية الانتخابات نفسها، كالشروط أو “استحقاق المشاركة”، بينما يجب أن تكون الانتخابات هي فرصة للحراك الشعبي، لا أن يتم الحديث عنها لأنها غير شرعية.
والطريقة المناسبة للحراك الشعبي حول الانتخابات، حسب البعاج، هو ألا يتم التركيز عليها، بل على الجرائم، وذلك عبر استخدام “معرّفات” واضحة ومرتبطة بالعملية الانتخابية، فإذا كان أحد يريد البحث عن الانتخابات بسوريا أو كلمة “انتخابات” ستظهر له مجموعة من المنشورات والتغريدات والمقالات على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة تتحدث عن جرائم الأسد، وهي بذلك حملة ناجحة تظهر للعالم حقيقة ما يحدث.
رفض دولي للانتخابات
تقابَل هذه الانتخابات برفض أممي ودولي، بينما تدعمها الدول الحليفة للنظام السوري، وأبرزها إيران وروسيا.
وأعلنت الأمم المتحدة، في 21 من نيسان الماضي، أنها غير منخرطة في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في سوريا، مؤكدة أهمية التوصل إلى حل سياسي وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم “2254”.
وحول موقف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من الإعلان عن إجراء هذه الانتخابات وترشح بشار الأسد إليها، قال المتحدث باسم الأمين العام، ستيفان دوجاريك، في مؤتمر صحفي، “نرى أن هذه الانتخابات ستجري في ظل الدستور الحالي، وهي ليست جزءًا من العملية السياسية، لسنا طرفًا منخرطًا في هذه الانتخابات، ولا يوجد تفويض لنا بذلك”.
وأكد المسؤول الأممي أهمية التوصل إلى تسوية سياسية للصراع الدائر في سوريا عن طريق المفاوضات قبل البدء بإجراء انتخابات.
ومنذ بداية العام الحالي، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي عدم اعترافهما بإقامة انتخابات رئاسية في سوريا، وتوعدا النظام بالمحاسبة.
وقال الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائب رئيس المفوضية الأوروبية، جوزيب بوريل، في مقابلة إلكترونية مع عنب بلدي، “إذا كنا نريد انتخابات تسهم في تسوية الصراع، يجب أن تُعقد وفقًا لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (2254)، تحت إشراف الأمم المتحدة، وتسعى إلى تلبية أعلى المعايير الدولية”.
وأضاف، “يجب أن تكون حرة ونزيهة، ويجب أن يسمح لجميع المرشحين بالترشح وإجراء الحملات الانتخابية بحرية، وهناك حاجة إلى الشفافية والمساءلة، وأخيرًا وليس آخرًا، يجب أن يكون بإمكان جميع السوريين، بمن فيهم مَن في الشتات، المشاركة”.
وأكد بوريل أنه “لا يمكن لانتخابات النظام في وقت لاحق من العام الحالي أن تفي بهذه المعايير، وبالتالي لا يمكن أن تؤدي إلى تطبيع دولي مع دمشق”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :