“كورونا” زاد الطين بلة.. كيف نخلّص أطفالنا من إدمان الشاشات
عنب بلدي – ديانا رحيمة
نوبات غضب وعنف يمر بها أمير (الطفل البالغ من العمر سبع سنوات)، عندما ترفض والدته السماح له بمشاهدة التلفزيون أو الجهاز اللوحي، ويأبى أن يقوم بواجباته عبر الدروس الافتراضية، في حال رفضت والدته السماح له بقضاء وقت في المشاهدة لفترة لا تقل عن خمس ساعات متواصلة.
السيدة نور، والدة أمير، قالت لعنب بلدي، إنه حتى في المناسبات العائلية التي يجتمع فيها ابنها مع أقرانه من الأطفال، تكون الأجهزة اللوحية جزءًا أساسيًا من نشاطاتهم في أوقات اللعب، فلم تعد الألعاب التقليدية التي يقضي فيها الأطفال أوقات لعبهم موجودة.
وحددت المحطات التلفزيونية في الماضي أوقات مشاهدة برامج الأطفال بساعات معيّنة ضمن أوقات بثها، بما يتناسب مع أنظمة التعليم المدرسي في كل بلد، لتضمن تقليل الآثار السيئة الناتجة عن المشاهدة المفرطة وغير المنظمة. لكن الوسائل الرقمية الجديدة التي تعرض المحتوى من خلال شبكة الإنترنت قلبت الطاولة على محاولات تنظيم المشاهدة، لتحولها إلى عادة يمكن ممارستها في أي وقت ومن دون حدود، لتأتي جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) وتزيد المشكلة من خلال إغلاق المدارس والحجر المنزلي، الذي حوّل العملية التعليمية برمّتها إلى الوسائل الرقمية، لتختلط الدراسة بالترفيه واللعب والمشاهدة العشوائية طوال أيام العام.
الاختصاصية في طب الأطفال النفسي آلاء دالي، قالت لعنب بلدي، إن الاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا واقتصاره غالبًا على الألعاب الإلكترونية و”يوتيوب” له أخطار كبيرة على الصحة العقلية والنفسية للأطفال، وخاصة في الأعمار الصغيرة التي تكتمل فيها المهارات اللغوية والاجتماعية لدى الطفل في التواصل مع الآخرين.
كما يؤثر على الناحية العقلية عند الطفل، فهو يجعل تركيز الطفل بشكل كامل على الألعاب، ويفصله عما حوله من أحداث وأشخاص، ويسبّب ضعفًا في التركيز في تفاصيل الحياة الأخرى، مثل الأنشطة أو الألعاب الحركية.
كما تضعف الألعاب الرقمية والمشاهدة المفرطة قدرة الطفل على التواصل والتفاعل مع الأطفال الآخرين، وهو أمر أساسي في هذا العمر، وقد تؤدي ساعات الجلوس الطويلة على الأجهزة الإلكترونية إلى الاكتئاب عند الطفل والتعلق الشديد بها، وإلى نوبات حساسية وغضب، وعدم تقبل الحياة الواقعية والتفاعل مع الأحداث فيها، أي الابتعاد أو الانفصال عن الواقع.
حل بديل
بحسب الاختصاصية دالي، من الطرق المُساعدة على الحد من استخدام الأطفال للوسائل الرقمية، ممارسة أنشطة تحل مكان هذه الوسائط، ومن أهمها إعطاء الأب والأم وقتًا أطول لطفلهم، والتواصل معه من خلال محادثته ومشاركته اللعب والأنشطة المتنوعة في المنزل، وعدم تركه يقضي وقتًا طويلًا في المشاهدة وحده، إضافة إلى التخفيف من استخدام الطفل للأجهزة الإلكترونية ومراقبة استخدامه لها بشكل عام.
كما أن إعطاء الطفل مساحة من الحرية للتعبير عن نفسه والقيام بالأنشطة التي يحبها وتشجيعه وتوجيهه من خلالها، هو ضرورة لدمج الطفل مع أطفال آخرين، لدور التواصل المؤثر في اكتمال نموه الاجتماعي وبناء شخصيته.
تطبيقات مساعدة
يبلغ سامح من العمر سبع سنوات، ولإيجاد حل للمشاهدة المفرطة، حددت والدته ساعات المشاهدة عبر تحميل تطبيق “Family link” على الجهاز اللوحي الخاص به، بحسب ما قالته لعنب بلدي.
ويسمح التطبيق للطفل باستخدام الجهاز لفترة معيّنة لا تتجاوز الثلاث ساعات، حُددت من قبل والدته، ليقوم بعدها بالإغلاق الذاتي بعد انتهاء الفترة المحددة.
ويغضب سامح في بعض الأحيان لانتهاء الفترة المخصصة، ولكن ردود فعله لم تعد تصل إلى نوبات غضب، وخصوصًا بعدما أصبح يدرك أن هناك نظامًا محددًا للمشاهدة لا يمكن تخطيه، بل يقسم الوقت المحدد له على فترات متقطعة من اليوم ليستمتع بأكبر قدر ممكن من وقته المحدد.
كيف تؤثر المشاهدة الطويلة على أطفالنا
يواجه بعض الأطفال انفعالات عاطفية وصعوبات في تكوين الصداقات والحفاظ عليها، كما يعانون من مشكلات في التركيز والميل إلى الانعزالية والتوتر والاضطراب، ويفقدون الاهتمام بالمدرسة أو ممارسة أي هواية أخرى.
كما ينتج أيضًا عن المشاهدة أو الاستخدام المفرط لهذه الوسائل انخفاض في النشاط البدني، وزيادة احتمالية الإصابة بزيادة في الوزن.
ويعاني بعض الأطفال أيضًا من صعوبات في التركيز، ويفقدون الاهتمام بالمدرسة أو ممارسة هوايات أخرى.
ما المدة المناسبة
بحسب توصيات جمعية طب الأطفال الكندية (CPS)، لا يجب أن يُسمح للأطفال الذين تقل أعمارهم عن سنتين بمشاهدة أي من الوسائل الرقمية.
بينما يُسمح للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنتين وأربع سنوات بمشاهدة أقل من ساعة واحدة يوميًا.
ويُسمح للأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين خمسة و13 عامًا بحد أقصى ساعتين يوميًا من وقت الشاشة الترفيهي (مشاهدة التلفزيون أو إرسال الرسائل إلى الأصدقاء أو ممارسة ألعاب الكمبيوتر).
استراتيجيات إدارة وقت الشاشة
بحسب تقرير لـ”Raising children” الأسترالي، يمكن وضع بعض الخطط للتخفيف من الاستخدام المفرط للوسائل الرقمية لدى الأطفال، كتحديد عدد الساعات التي سيقضيها الطفل يوميًا أمام التلفاز.
كما يجب اتباع وفرض تغييرات تدريجية لتحديد وقت المشاهدة، ومساعدة الطفل على تغيير عاداته في قضاء الوقت أمام الشاشة، والبدء بتقليل وقت الشاشة بخطوات صغيرة حتى يصل إلى الحدود الموصى بها للفئة العمرية للطفل.
إذا كان الطفل يقضي أكثر من ساعتين في المشاهدة يوميًا، على سبيل المثال، فيجب تقليل الوقت بمقدار 15 دقيقة يوميًا لمدة أسبوع في كل مرة، ليصل إلى الوقت الموصى بها لسنه.
كما ينبغي البدء بالتحدث مع الطفل عن التكنولوجيا وأخطارها، وخلق بيئة تدعم تقليل وقت الشاشة، وإذا كان وقت الشاشة يمثل جزءًا كبيرًا من روتين الطفل، فيمكن البدء بوضع قواعد تركز على التغييرات التدريجية.
تتضمن استراتيجيات وقت الشاشة بالنسبة إلى الأطفال بين ثلاثة و11 عامًا عدة نقاط أساسية، أهمها وضع قواعد للأسرة في تحديد وقت المشاهدة، وروتين معيّن، وخيارات متنوعة.
ومن المهم إشراك جميع أفراد العائلة عند وضع قواعد استخدام الشاشة، وأن تكون مرنة بما يكفي لتغطية أيام المدرسة وعطلات نهاية الأسبوع والعطلات الأخرى، ومراعاة الاحتياجات والاهتمامات المتغيرة مع نمو الطفل، وفي حال خرق الطفل لها يمنع من استخدام الجهاز اللوحي لمدة يوم واحد.
كما يساعد الروتين الأطفال على معرفة ما يجب القيام به ومتى وكم مرة، ما يعني أن الإجراءات الروتينية يمكن أن تساعد على تحديد وقت الشاشة.
ويمكن للأهل أن يجعلوا من فترة التحول في تقليل أوقات المشاهدة إلى فترة إيجابية بتوجيه الطفل للقيام بأشياء يحبها أو يسعد بها، كالإشارة مثلًا إلى أشياء جيدة يمكن للطفل أن يتطلع إليها بعد انتهاء وقت المشاهدة، على سبيل المثال، “إذا توقفت عن المشاهدة الآن، سيكون لديك وقت للعب بقطاراتك قبل العشاء”، مع مدح الطفل للتأكيد على مدى جودة العمل كفريق واحد.
إذا كان الطفل يلعب أو يمر بنوبة غضب، فيجب عدم منحه مزيدًا من الوقت في المشاهدة بسبب هذا السلوك، وعلى الأهل أن يكونوا متفهمين، ولكن واضحين وحازمين في المقابل أيضًا.
مساحة خالية من الشاشات
يجب أن تحدد مناطق خالية من الشاشات في المنزل، وتشمل هذه المناطق أوقات الوجبات وغرف النوم واتباع قاعدة “ممنوع التلفزيون أو الشاشات” قبل النوم.
يحصل الطفل على نوم أفضل ليلًا إذا توقف عن استخدام الشاشات قبل 60- 90 دقيقة على الأقل من موعد النوم، ويمكن التشجيع على ذلك من خلال القيام بأنشطة الاسترخاء مثل القراءة وحل الألغاز أو الاستحمام.
يعد الوقت الذي يقضيه الطفل أمام الشاشة جزءًا مهمًا لا مفر منه، وخاصة عندما يكبر، وإذا كان الطفل مجبرًا على البقاء في المنزل لفترة طويلة من الوقت، فمن الضروري استخدام الوسائل الرقمية للمدرسة والواجبات المنزلية والتفاعل مع الأسرة وأقرانه من الأطفال، ومع ذلك، من المهم تحديد فترات راحة متكررة من الوقت الذي يقضيه الطفل أمام الشاشة، وتجنب الجلوس لفترات طويلة، ووضع قيود على “التصفح” من قبل الأهل.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :