القامشلي – مجد السالم
امتد الجفاف على مساحات واسعة من ريف القامشلي الجنوبي، محولًا الأراضي الزراعية إلى جرداء، نتيجة احتباس الأمطار خلال الموسم الحالي، خصوصًا في المناطق الواقعة جنوب الطريق الدولي “M4″، بدءًا من دوار “زوري” جنوب غرب القامشلي وحتى بلدة اليعربية، بالقرب من الحدود العراقية أو ما يعرف بمنطقة “جنوب الرد”، حيث بلغت نسبة التضرر 100%، باستثناء بعض المساحات المروية الصغيرة والمتفرقة.
في المواسم المطيرة كانت المراعي مفتوحة لقطعان المواشي، لكن الجفاف ونقص الأعلاف وضع المربين أمام خيارات صعبة، من دفع الأجور الباهظة إلى النزوح بحثًا عن البديل.
منافسة بين مربي الأغنام على “الضمان”
اعتمد مربو الأغنام على رعي قطعانهم في الأراضي الزراعية لتوفير الأعلاف التي يستخدمونها، ولكن مع قلة المساحات الخضراء في الأرياف خلال العام الحالي، اتجه أغلبهم إلى عملية “الضمان” في المناطق التي تتوفر فيها المراعي، حيث يتم التعاقد مع المزارعين على استئجار الأرض كمرعى لأغنامهم دون السماح لغيرهم من المربين بأن يشاركوا في المرعى.
وعملية “الضمان” هي تقليد سائد خلال فترات الجفاف، وتكون قبل عملية الحصاد، حين يكون الجفاف شديدًا ولا أمل من المحصول، وهذا ينطبق على جميع المساحات البعلية المزروعة بالقمح والشعير، أما بعد عملية الحصاد فيكون “الضمان” بغرض تأمين مرعى للأغنام يكفيها طوال فصل الصيف.
محمد الصباح، من دائرة زراعة القحطانية، أكد لعنب بلدي أن جميع المساحات التابعة للدائرة، والواقعة في منطقة “جنوب الرد”، أصبحت جرداء، والمزارع تحمل خسارة بنسبة 100% من محاصيل القمح والشعير البعلية، التي تشكّل ما يقدّر بثلثي المساحة المزروعة في المنطقة، حيث عمد المزارعون إلى فلاحة أرضهم وتركها بورًا (دون زراعة أي محاصيل أخرى).
يمتلك حميد العلي سبعة هكتارات مزروعة بالقمح، في ريف القحطانية الجنوبي، وهو أحد المزارعين الذين اضطروا لـ”تضمين” أراضيهم نتيجة الجفاف، قبل أن يحصدها، لمربي الأغنام بسعر مئتي ألف ليرة سورية للهكتار الواحد (62.5 دولار).
مالك السليمان (60 عامًا)، أحد كبار مربي المواشي في المنطقة، يمتلك نحو ألف رأس من الأغنام، قال لعنب بلدي، إن أصحاب المساحات المروية استغلوا تنافس المربين على “الضمان” ورفعوا الأسعار.
وتراوحت تكلفة “ضمان” الهكتار الواحد من القمح المروي المحصود بين 600 ألف و900 ألف ليرة سورية (بين 188 و282 دولارًا)، بحسب كثافة المحصول، وأضاف مالك أنه دفع 17 مليون ليرة سورية (5312 دولارًا) مقابل “ضمان” 20 هكتارًا لأغنامه، مشيرًا إلى أن هذه المساحة لا تكفي، ما سيضطره للبحث عن مساحات إضافية.
المساحات المروية التي كان المزارعون يحصدونها في المواسم المطيرة، كانت تقدم للمربين “مجانًا” حسبما أكد مالك، إذ كان بعض المزارعين يضطرون لحرق بقايا الحصاد إذا بقيت في الأرض.
وحمّل مالك “الإدارة الذاتية” المسؤولية عن الوضع الحالي، إلى جانب الجفاف، إذ لم يتسلّم إلى الآن مخصصات قطيعه من الأعلاف، على الرغم من إحصاء الموظفين لأعدادها مسبقًا.
ووصل سعر كيلوغرام الشعير إلى 1200 ليرة سورية (0.37 دولار)، وكيلوغرام النخالة إلى ألف ليرة (0.3 دولار)، والتبن إلى 500 ليرة (0.15 دولار)، في سوق أعلاف القامشلي، وأوضح مالك أن خسارته أصبحت مضاعفة بعد انخفاض أسعار الأغنام بنحو 25%.
هجرة مؤقتة بسبب الجفاف
ترك حسين محمد قريته في ريف تل حميس الجنوبي، وقطع مسافة نحو مئة كيلومتر حتى شمال منطقة المالكية، واستقر مع زوجته وطفليه بالقرب من الحدود التركية ليؤمّن مرعى لقطيعه، المؤلف من 20 رأسًا من الغنم وخمسة من الماعز بالإضافة إلى ثلاث بقرات.
حالة الهجرة المؤقتة التي يعيشها المربي الأربعيني ستستمر طوال فصل الصيف، نتيجة الجفاف في مناطق تل حميس وريفها، حيث تعتبر مناطق المالكية وريفها أفضل حالًا من غيرها، وتتوفر فيها مساحات جيدة لرعي الأغنام والأبقار، مع قربها من نهر “دجلة”، بالإضافة الى استقرار الهطولات المطرية في هذه المنطقة.
وحسبما رصدت عنب بلدي، هناك عشرات الحالات المشابهة التي نزحت فيها عوائل من أرياف القامشلي والحسكة وتل حميس لتأمين مرعى لقطعانها، أغلبها استقر بها الحال في ريفي المالكية والجوادية الجنوبي، أو ما يعرف بـ”خط العشرة”.
بدوره، قال مدير زراعة الحسكة، المهندس رجب السلامة، في تصريح لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، في 6 من أيار الحالي، إن أغلب المساحات المروية بعلًا “خرجت عن الإنتاج وغير قابلة للحصاد”، وهي المساحات التي تم “تضمينها” للمربين، وبلغت مساحة الأراضي الجافة 428 ألف هكتار من الشعير و389 ألف هكتار من القمح.