عنب بلدي – إدلب
حمل الاعتماد على الإنتاج المحلي مصدرًا وحيدًا للأسواق فائدة للمزارعين رغم تسببه بغلاء الخضراوات المباعة للسكان، لكن الزراعة والأسواق المحلية لم تتجاوز المصاعب التي تواجهها في إدلب بعد.
أصدر معبر “باب الهوى” الحدودي، في 11 من أيار الحالي، قرارًا بمنع استيراد المنتجات الزراعية من تركيا، رصدت بعده عنب بلدي ارتفاع أسعار الخضراوات في إدلب مع تفاوتها بين المحال التجارية، دون رقابة أو دعم من الجهات الحاكمة.
الفائدة للمزارع والمغارم للمشترين
ارتفع كيلوغرام البندورة الواحد من ثلاث ليرات تركية إلى ثمانٍ قبل أن ينخفض إلى خمس ليرات، بينما زاد سعر كيلو الكوسا من ليرة إلى أربع ليرات تركية، ووصل البطيخ إلى خمس ليرات تركية بعد أن كان بثلاث بعد أيام من قرار منع الاستيراد، رغم أنه لم يدخل حيز التنفيذ بعد.
لا يزيد دخل حسين نجدت عمارة، المقيم في أحد المخيمات المجاورة لمدينة الدانا شمالي إدلب، على 20 ليرة تركية يوميًا، وبالنسبة له كانت تلك الفروق ملحوظة، واضطر للاستغناء عن شراء بعض الأصناف التي كانت تطلبها عائلته، “لم يعد بإمكاننا شراء البندورة التي تعد زينة الطعام”، حسبما قال لعنب بلدي.
برأي المزارع محمد درويش، المقيم في سهل الروج، فإن قرار معبر “باب الهوى” صائب ويخدم المزارع، كون عملية التسويق النهائية للمحصول مرحلة مهمة وضرورية وتحدد الربح والسعر حسب العرض والطلب.
يعتمد سكان منطقة سهل الروج على الزراعة في تأمين رزقهم، سواء كانت محاصيل شتوية أو خضراوات صيفية، وكما يرى المزارع شادي اليوسف فإن القرار يمثل إنصافًا للمزارعين.
وأضاف شادي لعنب بلدي، أن أسعار الكوسا والخيار لا تتناسب مع التكاليف الباهظة التي تترتب على المزارع، من الأسمدة ومكافحة المبيدات والأيدي العاملة والنقل، ويرى أن القرار “إيجابي 100%” لتحسين أسعار الخضراوات للمزارع في الشمال السوري.
ما قرار “باب الهوى”؟
أصدر معبر “باب الهوى” قرارًا بمنع استيراد المنتجات الزراعية من تركيا، بهدف دعم الإنتاج الزراعي في الداخل السوري.
وبرر المعبر قراره بتشجيع المزارعين على الاستمرار في الإنتاج الزراعي، وتوفير المنتجات الزراعية في الأسواق المحلية.
وحدد المنع بفترة مؤقتة، وشمل كلًا من البصل اليابس والثوم والبطاطا، من 1 من حزيران حتى 31 من تموز، وأيضًا شمل الكوسا والخيار والبطيخ، من 1 من حزيران حتى 30 من آب، بالإضافة إلى البندورة التي مُنعت من 1 من تموز حتى 30 من آب.
المهندس الزراعي موسى البكر، أكد لعنب بلدي أن المحاصيل المذكورة بالقرار متوفرة وتلبي الطلب وزيادة، ويرى القرار صائبًا لأسباب عدة، أولها تحسين وضع المزارع، الذي يضطر لاستخدام الطاقة الشمسية مع الأسمدة والمبيدات، ليؤمّن إنتاج محصوله.
واعتبر البكر أن القرار يساعد المزارعين على تسديد قسم جيد من الديون، ويمكنهم من التجهيز لزراعة العام المقبل.
المزارع محمد درويش أضاف أن الزراعة في محافظة إدلب تزيد من التكلفة والصعوبات، إذ يترتب على المزارعين تأمين الأسمدة والبذور الهجينة، التي تشترى بأسعار مرتفعة وبالدولار الأمريكي، مع تكاليف العبوات المخصصة للتسويق وأجور النقل.
كما يحتاج المزارعون إلى تأمين حلول للري تناسب المزروعات، مع عدم كفاية الطاقة التي تؤمّنها الألواح الشمسية والغلاء المستمر للمحروقات، وهو ما يزيد من تكاليف نقل الخضراوات وبالتالي رفع أسعارها، حسبما قال محمد، مشيرًا إلى غياب الدعم الحكومي لاستمرار الإنتاج والإسهام بتحقيق الأمن الغذائي في المنطقة.
وتواصلت عنب بلدي مع عدة مزارعين في إدلب، وأجمعوا على أن ارتفاع أسعار المحروقات هو سبب لزيادة التكلفة على المزارع من بداية عملية الزراعة إلى جني المحصول وتسويقه.
من جهته، قال المزارع شادي اليوسف، إن أغلب المزارعين لا يملكون الطاقة الشمسية بسبب ارتفاع سعر منظوماتها، ما يضطرهم لدفع تكلفة ثمن المحروقات لري محاصيلهم.
قطاع المحروقات في إدلب، الذي تسيطر على معظمه شركة “وتد” في محافظة إدلب وجزء من ريف حلب الغربي، ترتفع الأسعار فيه بشكل دوري دون وجود رقابة، بحجة ارتفاع الأسعار العالمية وانخفاض قيمة الليرة التركية.
وأوقفت شركة “وتد”، في كانون الثاني الماضي، نشاط مكتبها الإعلامي بحسب مديره، صفوان الأحمد، دون توضيح الأسباب، وبالتالي توقفت عن النشر على حساباتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما تعرضت لانتقادات شعبية بسبب رفعها المتكرر للأسعار.
خسارات بلا تعويض
خسر مزارعون في أرياف إدلب خلال الموسم الحالي محاصيلهم من الزراعات الصيفية المبكرة المغطاة بالبيوت البلاستيكية، إثر الأحوال الجوية وانخفاض درجات الحرارة في عدة مناطق وتشكّل الصقيع.
حكومة “الإنقاذ” اكتفت بنشر تعميم لمزارعي الخضراوات المتضررين من موجة الصقيع والرياح، في نيسان الماضي، داعية الراغبين بتجديد محاصيلهم إلى مراجعة مؤسسة “إكثار البذار” في قرية كفر يحمول للحصول على شتلات الفليفلة والباذنجان بسعر قدره عشرة دولارات للمتر المربع الواحد.
تواصلت عنب بلدي مع ثلاثة مزارعين من مناطق مختلفة في محافظة إدلب، لكنّ أيًا منهم لم يكن على علم بالتعميم، مؤكدين أن تكلفة عشرة دولارات للمتر الواحد تعد “أغلى” من تكلفة الأسواق الحرة، التي لا تزيد في الريف الغربي للمحافظة على ثمانية دولارات لكل 12 مترًا مربعًا ولبذار من أنواع هجينة.
وقال معاون وزير الزراعة والري في حكومة “الإنقاذ”، أحمد الكوان، لعنب بلدي، إن “الوزارة” عملت على إحصاء أضرار موجة الصقيع التي وقعت بداية نيسان الماضي، مضيفًا أن الموجة أصابت مختلف المناطق في المحافظة، وكان أكثرها تضررًا منطقة إدلب وسهل الروج وريف حلب الغربي.
ووصف الكوان الأسعار التي أصدرتها الوزارة بـ”الرمزية”، بعد أن أوعزت إلى مشتلها في “مديرية إكثار البذار” بيع الشتلات للمزارعين المتضررين.
كما عانت الأراضي الزراعية في ريف إدلب الشمالي من الغرق نتيجة الأمطار الغزيرة التي سببت تشكّل السيول بداية العام الحالي، مع اكتفاء “الحكومة” بنفي حدوث الأضرار، بناء على قياس معدلات الهطول، على الرغم من وجود شهادات للمتضررين.
وكانت عنب بلدي أعدت ملفًا سلّطت الضوء فيه على الحال الاقتصادية للقطاع الزراعي في شمال غربي سوريا، وأثر فقدان أكثر من نصف الأراضي الخصبة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، نتيجة الحملة العسكرية الأخيرة التي انتهت بوقف إطلاق النار في آذار من عام 2020، إلى جانب إغلاق المعابر التجارية مع مناطق النظام، على المزارعين والمشترين، ودور “الحكومتين” القائمتين بتقديم الدعم والرعاية للسوق الغذائية.
وبحسب أحدث تقييم لمبادرة “REACH” للأسواق في شمال غربي سوريا، فإن كميات ونوعية المنتجات المتوفرة في الأسواق المحلية غالبًا ما تكون دون المستوى المقبول للسكان، الذين يضطرون للانتقال بحثًا عن مناطق أخرى لشراء حاجاتهم، في حين يترافق ضعف القدرة الشرائية للسكان مع ارتفاع أسعار المنتجات المباعة.