د. أكرم خولاني
أصبح “التحرش الجنسي” من الظواهر الشائعة في السنوات الأخيرة، ورغم أن هذه الظاهرة ليست حديثة على المجتمع الإنساني، لكن مع ثورة التكنولوجيا في العالم وانتشار الفيديوهات اللاأخلاقية، وسهولة الوصول إلى المحتوى الجنسي على شبكة الإنترنت، تزايدت ملاحظة هذا السلوك في الأوساط العامة، ومع أن التحرش يطال النساء بشكل خاص، فإنه في الكثير من الأوقات يكون موجهًا للأطفال، لذا فإن من الواجب توعيتهم بشأن هذه الظاهرة لحمايتهم قدر المستطاع.
ما المقصود بالتحرش الجنسي بالأطفال
هو إشراك الأطفال بأفعال وسلوكيات جنسية لإشباع الرغبات الجنسية لبالغ أو مراهق، أو يكون بين قاصرين ولكن أحدهما يتفوق بالقوة على الآخر ويكبره بأكثر من أربع سنوات.
ويمكن للتحرش الجنسي أن يأخذ أشكالًا مختلفة، وقد يتضمن شكلًا واحدًا أو أكثر في وقت واحد، وهي كالتالي:
- النظر المتفحّص للمتحرش: التحديق أو النظر بشكل غير لائق إلى جسم الطفل، أو أجزاء من جسمه أو عينيه.
- التعبيرات الوجهية للمتحرش: عمل أي نوع من التعبيرات الوجهية التي تحمل اقتراحًا ذا نوايا جنسية (مثل اللحس، الغمز، فتح الفم).
- نداءات المتحرش: التصفير، الصراخ، الهمس، و أي نوع من الأصوات ذات الإيحاءات الجنسية.
- لمس المتحرش لفريسته: اللمس، التحسس، النغز، الحك، الاقتراب بشكل كبير، الإمساك، الشد وأي نوع من الإشارات الجنسية إلى الطفل.
- التعري: إظهار الأعضاء التناسلية أو الاستمناء في وجود الطفل.
- تهديد وترهيب المتحرش لفريسته: التهديد بأي نوع من أنوع التحرّش الجنسي أو الاعتداء الجنسي بما فيه التهديد بالاغتصاب.
- تعليقات وإيماءات المتحرش لفريسته: إبداء ملاحظات جنسية عن جسد الطفل مثل شكل مؤخرته أو طريقة مشيته، أو إلقاء النكات والحكايات الجنسية، أو التلفظ بكلمات جنسية، أو عرض صور جنسية.
- الملاحقة أو التتبع: تتبع طفل ما، سواء بالقرب منه أو من على مسافة، مشيًا أو باستخدام سيارة، بشكل متكرر أو لمرة واحدة، أو الانتظار في مكان مروره.
- الاهتمام غير المرغوب به: كالإصرار على التوصيل بالسيارة، وتقديم الهدايا دون مبرر.
- الدعوة إلى ممارسة الجنس: طلب ممارسة الجنس بشكل مباشر، أو اقتراح القيام بأفعال قد تحمل طابعًا جنسيًا بشكل ضمني أو علني.
- الاتصال الجنسي: ممارسة الجنس بالجماع أو اللواط أو السحاق أو الفموي.
- التحرش الجنسي الجماعي: تحرش جنسي (شامل الأشكال المذكورة سابقًا) ترتكبه مجموعة كبيرة من الأشخاص تجاه فرد أو عدة افراد.
- التحرش الإلكتروني: أصبح من أكثر أنواع التحرش السائدة في ظل تزايد منصات التواصل الاجتماعي، ومن أشكاله القيام بإرسال الرسائل أو الصور أو الفيديوهات الجنسية أو غير اللائقة.
وقد أظهرت الإحصائيات أن نسبة التحرش الجنسي بالأطفال مرتفعة للغاية، وغالبًا ما تتعرض له الفتيات أكثر من الفتيان، ولكن معظم الحالات لا يتم الإبلاغ عنها بسبب خشية الأهل من أن تبقى هذه الحادثة وصمة تلاحق طفلهم حتى بعد أن يكبر، أو نتيجة عدم إبلاغ الضحية لأسرته من الأساس، ربما خوفًا من التعرض للوم أسرته، أو نتيجة تهديد من المعتدي بإيذائه أو إيذاء أسرته، أو بسبب الإحساس بالخجل والعار نتيجة لعدم قدرته على رفض الاعتداء وعجزه عن حماية نفسه، أو الشعور الخاطئ لدى الضحية بالذنب، أو إيهام المعتدي للطفل بأنه استمتع بالتجربة، أو بسبب عدم وجود شخص يأمن له الطفل ليطلعه على سر بهذا القدر من الحساسية.
ما الأضرار التي يسببها التحرش بالأطفال
يمكن تقسيم الأضرار إلى ثلاثة أنواع:
1- أضرار سلوكية: عدم المشاركة في الأنشطة المختلفة، التسرب والهروب من المدرسة، التورط في سلوك منحرف، عدم الثقة بالنفس أو بالآخرين، العدوانية، تعذيب النفس، الرعب، القلق الدائم، وقد تقوم الفتاة بتصرفات إغراء استفزازية للآخرين، كما أن تعرض الطفل في الصغر للاعتداء الجنسي الكامل أكثر من خمس مرات يجعله شاذًا جنسيًا، وذلك بسبب حدوث اتساع وتهتكات في فتحة الشرج، الأمر الذي يؤدي إلى ترهل فتحة الشرج، وهو ما يحوّل الضحية إلى طرف سلبي ويدفعها لطلب ممارسة الجنس معها.
2- أضرار نفسية: أكبر مشكلاته النفسية هي الشعور بالذنب الذي قد يسيطر على الطفل (الضحية) واتهامه لنفسه بعدم المقاومة، وقد تسهم الأسرة والمجتمع في إحداث هذا الضرر حينما يلقون باللائمة على الطفل لأنه لم يحمِ نفسه وكأنه متواطئ ومشارك في الجرم، وهذا يجعل الطفل يفقد الثقة في نفسه وفي أسرته وفي مجتمعه، إذ لم يستطع أن يحمي نفسه، ومن حوله لم يقدموا له الحماية ولم ينصفوه.
كما أن السكوت عن الجريمة والتستر عليها وعدم محاسبة المعتدي قد ينتج عنه أحد هذه الاحتمالات:
- توحد الضحية مع المعتدي: فيصبح مثله معتديًا وكأنه ينتقم لنفسه من المجتمع.
- قد يصبح الضحية سلبيًا مستسلمًا لكل من يعتدي عليه بأي شكل، فيعيش حياته في هذا الدور، وقد يصل به الأمر إلى أن يستمتع باعتداء الآخرين عليه ويتلذذ بذلك.
- قد تصاحب الضحية حالات قلق وخوف مستمر طوال حياته، ما يؤهله ليكون مريضًا نفسيًا في المستقبل.
- استمراء الضحية للشذوذ الجنسي وإدمانه.
- قد تصاب الطفلة بالخوف المرضي من الرجال دون أسباب واضحة، وحتى بعد زواجها تخاف من علاقتها العاطفية مع زوجها.
- وقد تصبح الطفلة مصابة بالشذوذ الجنسي فتكره الرجال وتميل إلى بنات جنسها، حيث تشعر بالأمان معهن.
- قد يحدث لبعض الأطفال (الضحايا) إفاقة جنسية مبكرة، وهي أي نشاط جنسي زائد لا يتناسب مع مرحلته العمرية.
3- أضرار جسدية: تحدث في حال حدوث اعتداء جنسي أوجاع في المناطق التناسلية أو الشرج أو الحوض، صعوبة في المشي أو الجلوس.
مَن المتحرش بالأطفال
يعتقد الكثير من الناس أن التحرش يأتي من الغرباء، ولكن تبعًا للإحصائيات فإن 7% فقط من المتحرشين هم غرباء، و59% هم معارف وأصدقاء، و34% هم من أفراد العائلة، وبالتالي فإن معظم الحالات التي يتم فيها التحرش تكون من قبل شخص معروف بالنسبة للطفل ويثق به، كالأشخاص الذين يعتنون بالأطفال والخدم والسائقين أو جيران وأصدقاء الأهل إضافة إلى أطفال من نفس الفئة العمرية أو أكبر.
أين يمكن أن يحدث التحرش بالأطفال
أكثر من نصف حالات الاعتداء الجنسي (55% منها) تحصل في منزل الطفل أو في مكان قريب منه جدًا، وفي حالات أخرى يحصل التحرش (بنسبة 15%) في الأماكن العامة المفتوحة، كالمقاهي ومراكز التسوق ووسائل النقل العامة، و10% في الأماكن العامة المغلقة، كالكراج أو الحدائق الخاصة أو مراكز الألعاب المغلقة وغيرها، وفي منازل الأقارب أو بالقرب منها (بنسبة 12%)، وما تبقى من الحالات (8%) يحدث فيها التحرش في المدرسة أو المراكز الخاصة بها حيث يمارس الأطفال نشاطات متنوعة.
هل الإصابة باضطراب “البيدوفيليا” مبرر للاعتداء الجنسي على الأطفال؟
هناك اضطراب نفسي يعرف بالـ”Pedophilia” أو “الولع الجنسي بالأطفال”، وهو يختلف عن الاعتداء الجنسي على الأطفال “Child Sexual Offending”، وقد أظهرت الدراسات أن 50% فقط من المعتدين على الأطفال تم تشخيصهم بـ”البيدوفيليا”، وبالمقابل فإن 50% ممن تمت عليهم الدراسة وكانوا مصابين بـ”البيدوفيليا” قاموا باعتداءات على الأطفال، أي أن نصف المعتدين على الأطفال غير مصابين باضطراب “البيدوفيليا”، كما أن ليس كل المصابين بـ”البيدوفيليا” يعتدون على الأطفال، إنما هناك مصابون غير مسيئين، ويكتفون بالنظر إلى الصور والفيديوهات وما شابه ذلك على الإنترنت.
لذا يجب عدم الخلط بين المعتدي على الأطفال وبين من يميل جنسيًا لهم، فالاعتداء الجنسي جريمة بينما “البيدوفيليا” هو اضطراب.
ما الأعراض والعلامات التي تظهر على الطفل في حال التحرش به؟
- تغيرات في سلوك الطفل: قد تبدأ على الطفل الذي تعرض للتحرش مظاهر عدوانية وعنف، بالإضافة إلى الخوف والبكاء دون سبب واضح، والانعزال والتعلق والحزن والاكتئاب، كما قد يعاني من صعوبات في النوم، وقد يحدث لديه متلازمة التبول اللاإرادي، حيث لا ينجح الإنسان في السيطرة على فتحات المثانة المسؤولة عن إخراج البول، ويتبول على ملابسه وفراشه خلال النوم.
- تجنب المتحرش: قد يكره الطفل أو يخاف من شخص ما، ويحاول أن يتجنب البقاء معه وحيدًا.
- الخوف من بعض الأماكن: دون سبب واضح.
- السلوك غير الملائم جنسيًا: يمكن أن يتصرف بطرق غير مناسبة جنسيًا لعمره، أو يستعمل كلمات جنسية بذيئة، وقد يعاني من مشكلات خاصة تتعلق بالميول الجنسية مثل محاولات الاستمناء.
- المشكلات الجسدية: مشكلات الأطفال الصحية من أعراض الاعتداء الجنسي أيضًا، وتشمل نقص الشهية، والألم أو التقرح في المنطقة التناسلية والشرجية، أو نزوفًا، أو تهتكًا في فتحة الشرج أو الأعضاء التناسلية، أو العدوى المنقولة جنسيًا، وقد يحصل حمل لدى الفتيات البالغات، وقد تحدث أضرار عصبية تشبه الصرع تظهر على الطفل نتيجة الصدمة.
- المشكلات في المدرسة: قد يجد الطفل المعتدى عليه صعوبة في التركيز والتعلم، ويمكن أن يعاني من التأخر الدراسي ويبدأ تحصيله بالتراجع.
- مفاتيح الأدلة: يمكن أن يعطي الأطفال تلميحات وقرائن تعمل كعلامات ودلائل على حدوث التحرش، من دون إظهار ذلك صراحة.
ما الذي يجب فعله في حال الشك بوقوع اعتداء جنسي على الطفل؟
عند حدوث شكوك لدى الأهل بوقوع اعتداء جنسي على طفلهم يجب فتح حوار معه، ولكن في وقت مناسب وبطريقة هادئة وبخصوصية تامة، مع تطمين للطفل بأنه لن يتعرض للوم أو العقاب أو الأذى من أحد، وأن المعتدي سوف ينال عقابًا رادعًا عادلًا.
كما أن مراقبة الأم لطفلها وفحص ملابسه بطريقة ذكية أمر ضروري، ويجب أن تنتبه إلى وجود أي آثار غير عادية بملابس طفلها الداخلية، مثل آثار براز أو دماء أو سائل منوي.
وعند الاشتباه يمكن تأكيد وقوع الاعتداء الجنسي عن طريق الكشف الطبي، إذ يمكن به اكتشاف ما إذا كانت فتحة الشرج طبيعية أو غير طبيعية، ففي الوضع الطبيعي تكون عبارة عن عضلة حلقية منقبضة شديدة الانكماش، أما في حالة التعرض للاعتداء أكثر من خمس مرات فتكون فتحة الشرج مترهلة ومتهتكة ويمكن اكتشافها بسهولة.
وفي حال التأكد من وقع اعتداء جنسي على الطفل بالفعل، لا بد من عرضه على الطبيب فورًا مع التحويل إلى مختصين في المجال النفسي، لأن عملية الشفاء تستغرق وقتًا ومجهودًا كبيرًا ولكنها تبشر بنتائج مُرضية.