خطيب بدلة
ذات مرة، أرادت الرفيقة هلالة أن تثبت لي أنها إنسانة ذكية، ودقيقة الملاحظة، فقالت لي: خيو، بدي أسألك سؤال، لما بتصير في دولة أوروبية أزمة، أو مشكلة، أو كارثة، ليش ما بيطلع رئيس جمهوريتهم وبيقول: سبب الأزمة هو مؤامرة خارجية تستهدف صمودنا؟
أنا، في العادة، لا أرميها واطية، بحضور المدام هلالة، لذلك قلت لها: إذا كنت تظنين أنني لا أعرف السبب فأنت واهمة. ببساطة؟ في بلاد بره لا يحكون بالمؤامرة لأن رئيس جمهوريتهم، أو مستشارهم، أو رئيس وزرائهم، منتخَب، ومدة بقائه في منصبه محدودة، ومن جهة ثانية، هو لا يحكم البلاد وحده، بل إن حوله عشرات الهيئات والمؤسسات التي يختص كل منها بجانب من جوانب البلاد، فإذا تجنب الرئيس ذكر الأسباب الحقيقية للأزمة، وحكى عن مؤامرة تستهدف الصمود، يصبح مسخرة للذي يسوى والذي لا يسواش، وخلال أيام قليلة، يتجه خصومه إلى البرلمان، وبرلمانهم، بالمناسبة، لا يُسمح فيه بالتصفيق، والدبكة (مع النَخّ)، وإنشاد “بالروح بالدم نفديك يا طـ.. الكلب”، ويطالبون بإجراء انتخابات مبكرة، بقصد التخلص من هذا المسؤول الكبير السخيف. ولكن، يا مدام هلالة، هل لي أن أعرف مناسبة سؤالك الغريب هذا؟
قالت: لأنني، والله العظيم رايحة أجن. ابن بلدنا يمضي عمره وهو لا يعرف الأسباب الحقيقية لما يجري في وطنه من ويلات.. فقدان الخبز والمازوت مؤامرة، الفقر، البطالة، قلة الرواتب، النشح في الشوارع، النهب من المال العام، التعذيب في المعتقلات، كله بسبب المؤامرة.. وإذا المخابرات اعتقلت والده، يسأل عنه، فيأتيه الرد بأنهم أخذوه لكي يسقوه فنجان قهوة، وإذا سألهم، بعد عشر سنوات، عما إذا كان احتساء القهوة يحتاج إلى كل هذه السنين!! يقولون له: معك حق، ولكننا نتعرض لمؤامرة تستهدف صمودنا، ووالدك المحترم متآمر، يعمل على إضعاف روح الأمة.
إذا انتقلنا إلى السياسة الدولية، تضيف هلالة، تجد الحديث عن المؤامرة واصلًا إلى محازم الخيل، الماسونية متآمرة علينا، وكذلك الصهيونية، والإمبريالية، ومنظمات حقوق الإنسان، والدول المسيحية، والدول الشيوعية، اليهود، والفرس، والروم، والصليبيون متآمرون.. وحتى الدول التي فتحت لأبنائنا الهاربين من براميل ابن حافظ الأسد متآمرة.. يريدون أن يأخذوا زهرة شبابنا، وفلذات أكبادنا، لأن لديهم نقصًا في اليد العاملة.. وبما أنهم خبثاء، ملاعين، متآمرون، تراهم يعطون اللاجئ مكاسب صغيرة، منزلًا فيه ماء وكهرباء وشوفاج، وراتبًا لا يتجاوز 400 يورو لكل فرد من أفراد عائلته، وطبابة، لكن هدفهم معروف، يريدون اقتلاعه من وطنه، وإدماجه بهذا المجتمع الكافر، ويزيدون في الطين بلة أن برلمانهم أصدر، مؤخرًا، قانونًا، يمنع اليهودي والمسيحي والمسلم من ارتداء الرموز الدينية خلال عمله في المؤسسات الرسمية، وهنا تبدو المؤامرة ظاهرة للعيان، فالمسيحي، بطبيعة الحال، لا يضع الصليب في رقبته، واليهودي لا يرتدي القلنسوة في أثناء الدوام، يعني الشغلة واضحة، يريدون منع المرأة المسلمة من ارتداء حجابها والسلام..
في المحصلة، تقول هلالة: أسباب هذا التآمر واضحة لكل ذي لب، وهو أننا أحسن منهم، وهم متعقدون منا. هل لديك تفسير آخر؟