دائمًا ما تكون وظيفة الأسئلة من شأنها أن تنبه لأشياء قد يغفل عنها المجتمع حين تحكمه سلطة استبدادية، فتكون حياة الدولة والمجتمع محاصرة بأجوبة معلّبة جاهزة ليكف الناس عن البحث، الذي هو مصدر الحقيقة والوعي.
ويعتقد الباحث والمفكر الفلسطيني أحمد البرقاوي في كتابه “الربيع السوري.. من الولادة إلى الأسئلة” أن الثورة في سوريا خلقت حقلًا جديدًا في ممارسة الوعي، ومن أهم معالمه البدء بتحطيم ثقافة الأجوبة التي فرضتها سلطة الاستبداد الحاكمة وغير الحاكمة.
طرحت الثورة السورية ثقافة السؤال، حتى صار الصراع بين نظام ليس لديه القدرة على طرح الأسئلة وثورة تضج بالأسئلة.
طرحت الثورة أسئلة منذ بداياتها من قبيل، ما سوريا التي نريد؟ وكيف نحقق سوريا التي نريد؟ كيف نقيم التعايش بين سكان هذا الوطن في دولة الحرية؟
كانت سوريا تعيش منذ أكثر من 40 عامًا حالة من الركود التاريخي، الذي يعني بحسب الكتاب، القضاء على أي قوى اجتماعية- سياسية بمقدروها أن تحرك الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مكان ما، ومع وجود سلطة مناهضة لأي تغيير لا يصب بمصلحتها، فبالنتيجة سيعيش المجتمع في “مستنقع تحرسه ثلة من الخنازير البرية”، وفق توصيف الكاتب.
واطمئنان السلطة لهذا المستنقع يزيد من تغولها واستخفافها بالبشر، حتى يسيطر عليها الظن أن لا قوة قادرة على إزالتها أبدًا، لأن الطبيعة الأساس للسلطة في الشرق الأوسط تناقض المجتمع ولا تتطابق مع تطلعاته الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
و”المستنقع السوري” هو من أوسع المستنقعات في الشرق الأوسط، فكانت فكرة توريث السلطة قابلة للحياة، لأن المستنقع كان كافيًا بما فيه الكفاية لتحقيق ذلك، ولذلك أيضًا كان “البركان أشد”، ويشير الكاتب بذلك التعبير إلى أن تكلفة التخلص من السلطة في سوريا كانت كبيرة.
ولكن تكمن المشكلة الآن في كيف يمكن لـ”البركان” أن يجفف “المستنقع” من دون أن يخلق مستنقعات أخرى؟
فإذا لم يكف الناس عن تصديق الأكاذيب السياسية، أيًا كان مصدر هذه الأكاذيب، واقتنعوا بما عاشوا عليه طوال عمرهم ضمن مبدأ “القناعة كنز لا يفنى”، فكل الكلام في سبيل التحرر والحرية سيكون ضمن “الحكي المشلخ”، وفق تعبير الكاتب، الذي يقصد به الكلام الذي لا معنى له، ولا فائدة عملية تُذكر من قوله، وليس فيه ما يستحق الاكتراث.
يعتبر كتاب “الربيع السوري.. من الولادة إلى الأسئلة” واحدًا من المؤلفات المنشورة للباحث أحمد البرقاوي، ومنها كتاب “محاولة في قراءة عصر النهضة” صدر عام 1987، وكتاب “العرب بين الأيديولوجيا والتاريخ” عام 1995، وكتاب “كوميديا الوجود الإنساني” عام 2007.